يواجه 50 ألفًا من موظفي حكومة غزة المقالة أزمةً إنسانية بعد الاتفاق بين "فتح" و"حماس" على تشكيل حكومة وفاق وطني، بعد سنوات من التراشق الإعلامي والسياسي وتبادل الاتهامات، فموظفو حكومة هنية الآن لا يستلمون رواتب، منذ عدة أشهر، ونظموا عدة اعتصامات للمطالبة بصرف رواتبهم أسوة بزملائهم في حكومة عباس، وقالوا إنهم يعانون من أزمة اقتصادية حادة، تخنق تفاصيل حياتهم اليومية وتجعلهم عاجزين عن توفير أدنى الاحتياجات لأسرهم وذويهم، بسبب عدم صرف رواتبهم منذ عدة شهور. وأضافوا أن الحكومة التي كانت تديرها حركة حماس، في غزة، كانت تعيش ظروفًا اقتصادية خانقة، جعلتها عاجزة عن تلبية أدنى احتياجاتهم اليومية لأسرهم، وأنهم باتوا لا يملكون ثمنًا لقوائم المتطلبات اليومية، في ظل أزمة الرواتب المستمرة منذ أكثر من ثمانية أشهر، والتي تفاقمت عقب تشكيل حكومة التوافق الفلسطيني مطلع الشهر الجاري. وقال موظف في حكومة غزة المقالة وهو أب لثمانية أطفال: "تفوق أربعة من أبنائي في عامهم الدراسي وكنت وعدّتهم في حال حصلوا على درجات عالية بهدايا، لكن للأسف، أنا لا أملك ثمن مصروفهم اليومي، فكيف بالهدايا ولم يعد أصحاب المحال التجارية يتعاملون معنا ب(الدّين)، فالأرقام التي تراكمت علينا ووصلت لحد غير مسبوق، كما أن لا حل يلوح في الأفق"، مضيفًا: "وأمام الصيف وإجازته الطويلة ورحلاته اليومية، اضطررنا لرفع قائمة من "اللاءات" في وجه الزوجة والأبناء فلا لزيارات الأقارب، ولا للذهاب للبحر(للترفيه)، ولا للمنتجعات، ولا لشراء الملابس الجديدة". وأضاف موظف ثان: "نحن نعيش أزمة إنسانية كبيرة، ولم نعد قادرين على تلبية الاحتياجات اليومية السريعة فكيف ب"الكماليات"، تأملنا خيرًا في حكومة التوافق الوطني، ولكن للأسف يبدو أن الأمور تذهب نحو مزيد من السوء". وبالرغم من الإعلان عن حكومة التوافق الفلسطيني في 2 يونيو/حزيران الجاري، وإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس، إلا أن موظفي حكومة حماس السابقة في غزّة لم يتلقوا رواتبهم، أسوة بنظرائهم التابعين للحكومة السابقة في الضفة الغربية. ويبلغ عدد موظفي حكومة "حماس" الذين لم يتقاضوا رواتب عن شهر مايو/ أيار الماضي، لعدم إدراجهم في قائمة ديوان الموظفين الفلسطيني، نحو 50 ألف موظف، تبلغ فاتورة رواتبهم الشهرية نحو 40 مليون دولار أمريكي، فيما يبلغ عدد موظفي السلطة الفلسطينية نحو 70 ألفًا. وكانت حكومة رام الله السابقة قد طالبت من موظفيها في قطاع غزة، الامتناع عن الذهاب إلى عملهم عقب سيطرة حركة حماس على غزة، عام 2007، مع استمرار صرفها لرواتبهم، ممّا اضطر حكومة حماس السابقة التي كانت تدير القطاع عقب فوزها بأغلبية مقاعد البرلمان عام 2006، إلى توظيف نحو 50 ألف موظف في الوزارات والمؤسسات، غير أنّ الحكومة التي أدارتها حركة حماس في قطاع غزة، تعرضت لأزمة مالية خانقة جعلتها عاجزة عن دفع رواتب الموظفين لثمانية أشهر متتالية، واكتفت بدفع "سلفة" بقيمة 300 دولار (جزء من الراتب)، لا تكفي كما يقول أحد موظفيها لتلبية الاحتياجات اليومية. ويضيف: في الوقت الحالي، ومع غياب أي جزء من الراتب، سنضطرّ لصيام شهر رمضان القادم بعد أيام من دون إفطار، وتابع: "الديون تتراكم علينا، نذهب إلى عملنا سيرًا على الأقدام، والآن مع حلول شهر رمضان، الذي تحتاج مسلتزماته لضعف الراتب، سنكون أمام وضع كارثي، لا يمكن تحمّله"، ويصف حال موظفي حكومة غزة السابقة بأنهم أشبه بالمتسولين الذين باتوا يستحقون الصدقة، واستدرك بالقول: "للأسف الوظيفة الحكومية تفترض أن تعني الأمان، وتحقيق كافة متطلبات الحياة اليومية، ولكن اليوم بتنا كمن يتسول الراتب، لتوفير لقمة العيش. مَن يسكن الآن شقة بالإيجار بات مهددًا بمغادرتها لعدم تمكنه من دفع الإيجار منذ عدة أشهر، والحال يضيق بنا يومًا بعد آخر". ويقول محمد صيام رئيس نقابة الموظفين في قطاع غزة (مقربة من حركة حماس) إنّ عدم صرف رواتب موظفي حكومة غزة السابقة هو "سياسي باميتاز"، وأضاف: "حكومة التوافق الفلسطيني تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة الموظفين المعطلّة تمامًا، ويجب حلّ المشكلة بشكل سريع وعاجل؛ فهناك آثار سلبية تتراكم لدى الموظفين، الذين لم يتلقوا رواتبهم ويعيشون ظروفًا اقتصادية وإنسانية خانقة"، وأكد صيام أنّ عجز حكومة التوافق عن حل أزمة موظفي غزة يضعها أمام أزمة أخلاقية، وإنسانية. واستدرك بالقول: "ما فائدة المصالحة وتشكيل حكومة توافق وطني، وهناك تمييز بين موظف وآخر، نحن أمام كارثة حقيقية، وتداعيات إنسانية لا تحمد عقباها". وعقب قرابة 7 سنوات من الانقسام (2007-2014)، وقّعت حركتا "فتح" و"حماس"، يوم 23 أبريل/ نيسان الماضي، على اتفاق يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني بشكل متزامن، وأعلن عن تشكيل حكومة توافق وطني فلسطينية في 2 يونيو/ حزيران الجاري، وأدى أعضاؤها القَسمَ الدستوريّ أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مقر الرئاسة بمدينة رام اللهبالضفة الغربية.