أكد الكاتب والسياسي السعودي خالد الدخيل أن سلطة الدولة وقدرتها في اليمن تتآكل بشكل غريب ولافت أمام الحوثيين. وقال الدخيل، في مقال له نشرته صحيفة «الحياة»، إن العالم العربي يتعرض لعملية تفسخ بطيئة وطويلة، مضيفا: «تخلق حال التفسخ فراغات سياسية وأمنية وآيديولوجية، والفراغات بطبيعتها جاذبة لأشياء كثيرة، منها التدخلات الأجنبية، ومنها الإرهاب أيضاً. مؤشرات التفسخ كثيرة ويتضافر بعضها مع الآخر». وأشار إلى أن من بين تلك المؤشرات أنه بعد 100 عام على تأسيسها لا تزال الدولة العربية من دون مشروع سياسي أو حضاري، لافتاً إلى أن جميع مشاريع التنمية العربية فشلت، في التعليم والتدريب والصناعة والزراعة. وأضاف متسائلاً : «لماذا قامت هذه الدولة إذاً؟ وماذا تريد؟ تصدم عندما تكتشف أن جل جهودها وطاقاتها ومصادرها تتمحور حول مسألة الحكم، كل شيء مسخر لاستقرار الحكم. وهذا يشير إلى أمرين: أن الحكم في الدولة العربية في أزمة دائمة، وأن استقراره لا يعني انتهاء هذه الأزمة»، موضحاً أن بقاء أزمة الحكم على هذا النحو هو السبب الأول والرئيس في أن الدولة العربية من دون عقد اجتماعي ملزم مع المجتمع الذي تحكمه، ما عدا تونس التي تتجه لأن تكون الاستثناء. ولفت إلى أن أزمة الحكم العربي تنتمي إلى ما قبل العصر الحديث، ما يجعل الدولة العربية في حال صدام مع مجتمعها، ومع العصر الذي تنتمي إليه، منوهاً بأن ما يحصل منذ أعوام في سورية والعراقواليمن وليبيا يقدم نموذجاً مثالياً لهذه الحال، ولما يمكن أن تنتهي إليه. وقال إن «المؤشر الآخر هو فشل الدولة العربية في سياساتها الخارجية. فشلت أمام إسرائيل، وهو فشل نهائي كما يبدو، ومعترف به رسمياً وإن بطريقة غير مباشرة. سيتغير الأمر مستقبلاً، لكن هذا موضوع آخر»، مؤكداً أن المؤشر الثالث يتمثل في تخلي الدولة العربية تقريباً عن مسؤوليتها في حماية أمن الإقليم الذي تنتمي إليه، وأن الجملة الأكثر تعبيراً عن هذه الحال العربية هي التي تقول: «على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته»، وهي جملة باتت لازمة في كل التصريحات والبيانات العربية. وأضاف : «بل إن بعض الدول العربية لا تستطيع حتى حماية أمنها الوطني، ومع ذلك ليس هناك تنظيم عربي أمني لحماية أمن الإقليم والدول التي تنتمي إليه. وهذا نتيجة طبيعية لأزمة الحكم المشار إليها أعلاه. وبالتوازي مع الفشل أمام إسرائيل، وهذا هو المؤشر الرابع، تتزايد مؤشرات الفشل أمام إيران أيضاً، وتحديداً في العراق وسورية ولبنان. وهو ما يشجع إيران على المضي في محاولة زيادة مكاسبها في البحرينواليمن». وأردف : «من أبرز مؤشرات التفسخ العربي وآخرها ظهور تنظيمات إرهابية تطرح مشاريع سياسية، وأحلام دولة أو خلافة، قادرة على التجنيد من داخل المنطقة وخارجها، وتتمتع بقاعدة شعبية قد لا تكون واسعة، لكنها قابلة للتوسع. وهو ما يؤشر إلى أن الدولة العربية الحالية، مفهوماً ومشروعية وتاريخاً، تمر بأزمة حادة، مستفيضاً: «لم يعرف العالم العربي هذه الظاهرة خلال الفترة الممتدة من نهاية الحرب العالمية الأولى وحتى عقد السبعينات من القرن الماضي. وابتداء من 1979 بدأت الظاهرة مع تنظيم «القاعدة»، ثم «حزب الله» اللبناني عام 1982. ومن هناك أخذت الميليشيات العابرة للدول تنتشر بشكل غير مسبوق. كانت كل أزمة يمر بها العالم العربي تفرخ حصتها من هذه التنظيمات. ولكثرتها يصعب الآن حصرها. منها مثلاً «عصائب الحق» (شيعي)، و«داعش» (سنّي)، و«كتائب أبو الفضل العباس» (شيعي)، و«جبهة النصرة» (سنّي)، و«أحرار الشام» (سنّي)، و«الجبهة الإسلامية» (سنّي)، و«أنصار الله» (الحوثيون، شيعة زيدية)، و«جيش المهدي» (شيعي)، و«فيلق بدر» (شيعي)، و«جيش محمد» (سنّي). تنافس هذه الميليشيات الدول على الشارع، وعلى الإنجاز الجهادي. من الذي سمح لها بذلك؟ عجز الدولة وتخاذلها. والأغرب أن الدول العربية لم تستشعر الخطر بعد، بل إن بعضها يحتمي ببعض هذه الميليشيات، كما تفعل الدولة في العراق، والنظام الحاكم في سورية. أما في اليمن فسلطة الدولة وقدرتها تتآكل بشكل غريب ولافت أمام الحوثيين». وأوضح، في هذا الإطار، أنه ومنذ أكثر من نصف قرن توالت على العالم العربي ثلاث موجات التقت جميعها في اللحظة الراهنة، وقال إن «الموجة الأولى حرب مستمرة من إسرائيل في فلسطين. والثانية حرب من إيران كانت في بدايتها مستترة تحت غطاء النظام السوري و«حزب الله»، ثم باتت معلنة ومكشوفة بعد الغزو الأميركي للعراق والثورة السورية. أما الثالثة فهي موجة الإرهاب. وهذه موجات ظلامية، فإسرائيل دولة استيطانية، وعنصرية حتى في الديموقراطية التي تتبناها. وإيران دولة دينية طائفية جاءت معها بالعنف وأحيت التناحر الطائفي في أرجاء المنطقة. أما موجة الإرهاب فتعبّر عن نفسها بدمويتها ومنطلقاتها التكفيرية. كل واحدة من هذه الموجات قادت إلى الأخرى. الحرب الإسرائيلية شكلت مبرراً للحرب الإيرانية من خلال الفشل العربي الذي سمح لها برفع لافتة «المقاومة». والأرجح أن نتائج الحرب الإسرائيلية والفشل العربي أمامها أغرى الإيرانيين بجدوى المغامرة بحرب أخرى، وهي الحرب التي نشاهدها الآن في العراق وسورية واليمن». ومضى الكاتب الدخيل قائلاً: «الفشل العربي أمام الحرب الإسرائيلية أطلق الموجة الأولى من التشدد الديني والإرهاب. ثم جاء التخاذل العربي أمام الحرب الإيرانية وسمح بانطلاق الموجة الثانية والأخطر من الإرهاب بصيغتيه السنّية والشيعية. أي إن عجز الدول العربية في كلتا الحالين خلق فراغاً سياسياً وأمنياً جاذباً للتنظيمات الإرهابية في أن تكون بديلاً للدول العاجزة في ملء هذا الفراغ، وإنقاذ الأمة. لكن هذا الفراغ جاذب أيضاً لدولة مثل إيران لأن تتدخل من خلال حلفائها وتنظيماتها الإرهابية للظفر بما يسمح به من مكتسبات. وسيأتي الزمن الذي ستتدخل فيه إسرائيل علناً في بعض الدول العربية بذريعة حماية أمنها. ولعلنا نتذكر أن إسرائيل سبق ونفذت عمليات عسكرية في تونس، واحتلت أول عاصمة عربية، وهي بيروت، لاقتلاع منظمة التحرير من لبنان». وختم مقاله متسائلاً : «من المسؤول عن الإرهاب في هذه الحال؟ هل هو المضمون الفكري والسياسي للخطاب الذي ينطلق منه هذا الإرهاب؟ أم الحال الاجتماعية والسياسية التي أفرزت الخطاب أولاً وشجعته ثانياً، ثم خلقت له الفراغ السياسي والآيديولوجي ليأتي ويملأه سياسة وآيديولوجيا؟».