لم يكن فيصل قاسم يمزح حينما قال لناطق الحوثي أن ما فعلتهُ قاعدة العراق وسوريا بالشيعة لعب عيال أمام ما ستفعلهُ بكم قاعدة اليمن . في اليمن كل شيءٍ يصبحُ أكثرَ شراسةً وتدميراً وفتكاً . لغة القوةِ في هذه البلادِ تمتلكُ ملاذاً آمناً وسلاحاً وافراً وإنساناً مسلحاً بالفطرةِ ومدرباً منذ نعومة أظافره . المخيفُ في الأمر أن قاعدة اليمن اليوم ستجعلُ من تصرفات الحوثي محطة إمدادٍ لها ونقطة انطلاقٍ أخرى تستمد من خلالها شعبيةً أكبر وربما قبائل بأسرها ستتبنى القاعدة نهجاً وسلوكاً كوسيلة دفاعٍ أخيرةٍ أمام المد الحوثي . شرارة صراعٍ مدمرة تلوح في الأفقِ بين حركتين مسلحتين إحداهما تتغذى من خياناتِ الحكام والمسؤولين والأخرى تتغذى من هشاشة البنية الأمنية والعسكرية التي اتسعت بعد الأحداث الأخيرة . الحوثيون اليوم يشكلون مائدةً دسمةً للقاعدةِ من خلالها يعلنون أنفسهم كقوةٍ مضادةٍ ووحيدة تحد من غطرسة الحوثةِ ، وبالذات بعد أن تنحى الجيش اليمني جانباً فاتحاً الباب على مصراعيهِ للحوثةِ كي يدخلوا ويخرجوا آمنين سالمين بينما بقية الشعبِ يغطون في خوفٍ عميق . الخائفُ يتعلق بالقشة هذه حقيقة وعلينا أن نرى حجمَ التأييد والتشجيع الذي ستحصل عليهِ القاعدة بعد تفجير ميدان التحرير . القاعدة وجدت طريقها أخيراً وستشكرُ الحوثي لاحقاً بعد أن تمتصَّ كل الدموعِ التي ذرفتها أعين المقهورين من انتهاكات الحوثي وكل مشاعر الضعفِ والعجزِ في قلوبِ المخمودين والمنكوبين تحت جنازير دباباته . القاعدة ستخوض حرباً ضروساً وشعواء على الحوثة وأظن أن أهدافها هذه المرة ستكون أكثر دقةً وتركيزاً على الحوثة حتى لا تلوث واجهتها الجهادية بدماءٍ بريئة ربما تقلل من حجم التأييد الشعبي الذي تسعى للحصولِ عليهِ بعد أن ظلت سنين طويلة مدفونةً في الكهوفِ ومحصورةً داخلَ جدرانِ المسمياتِ السلبية مثل الإرهاب . القاعدة ليس لها قاعدة حتى اليوم ، ربما تصبح لها قاعدةً شعبية وجماهيرية لن يفهمها الحوثة حتى يتذكروا أن اليمن دولةٌ ذات مخالب وكلما انكسر مخلب نما مخلبٌ آخر أكثر حقداً وضراوةً وشراسة . هذا الشعبُ يعشق السلام ولكنه يصبح تواقاً للقصاص ومشتاقاً للاقتصاصِ حينما تحاول قوةٌ ما أن تجرح كرامتهُ لأنه لا يمتلك شيئاً غيرها . المهم أن باب الجحيم للتو قد انفتحِ والجميع شركاءُ في المآتمِ التي ستدخلُ من هذا البابِ القاتم . المشهد الدموي القادم أكثر دمويةً مما تعتقدون فدخول القاعدة لساحةِ الحربِ والقصاصِ يعني أن الشعبِ سينقسم إلى ثلاثة أقسام . قسمٌ يؤيد القاعدة وقسمٌ يشفق على الحوثةِ وقسمٌ يرتجف خوفاً من عاقبةِ هذا الصراعِ الطائفي المخيفِ بل والمرعب . كان التجمع اليمني للإصلاح يعلمُ جيداً أن التضحية بمقراتهِ ومؤسساتهِ وجامعاتهِ أقل تكلفةً من حربٍ يخوضها ضد الحوثةِ ، فالدماءُ هي الحياة والبناءُ مجرد ركنٍ من أركانها فإن تهدم هذا الركن تم بناؤهٌ من جديد ولكن الحياة إن ماتت سيخسر الجميع بما فيهم المنتصر نفسه . الحرب التي شنها الجميع ضد التجمع اليمني للإصلاح لم تكن حرباً على حزبٍ أرادَ لكم الحياة فأردتم له الموت . بل كانت حرباً على الإسلام المعتدل . وعلى الذين انفلتت أضغانهم وانشرحت صدورهم لِما حل بمقرات الإصلاحيين ومؤسساتهمِ أن يعلموا جيداً أن الإصلاح لم يكن قوياً لأنه يقاتل كل من يرفعُ السلاح في وجهه . بل لأن كل شيءٍ بالنسبةِ لديه خطوطٌ بيضاء لا تستدعي منهُ الانقضاض ؛ إلا الوطن ، هو الخط الأحمر الوحيد بالنسبة للإصلاح وعودوا إلى كل المنعطفات التاريخية التي ساهم الإصلاح بحسمها في تاريخ هذه البلاد لتعرفوا لماذا كان الإصلاح وما يزال هو الهدفُ الأكبر لكل أعداء اليمن سواءً كانوا روافض أو وهابيين أو يساريين . كانت للأستاذ محمد اليدومي وقفةً بعد سقوط عمران فقال تصريحاتٍ أثارت عاصفةً من السخريةِ والاستهجانِ لدى القوى اليسارية واعتبرتها صحيفة الثوري عويل المهزوم . كانت فحوى تصريحاتهِ أكبر من ظاهرها وكان يقرأ الوضع بقلبٍ متوجس وعينٍ خبيرة فالعنف لا يولد إلا العنف ، وتحالف الشيعة مع اليساريين لن يعني للكثيرِ من أهل السنة سوى تحالفٍ ضد السنة وليس ضد الإصلاح . وللتذكير بما قاله .. " عليكم أن ترحبوا بالدواعش الآخرين كما رحبتم بدواعش الحوثي .." ولا عيب في اعترافكم بالخطأ . العيب أن تنكروا أن حربكم على الإسلام السياسي المعتدلِ أنجبَ إسلاماً آخر ؛ إسلاماً لا يعترف بالمفاوضات والحوارِ والسلامِ وأنصافِ الحلولِ والتنازلات ، إسلاماً متطرفاً يرى في الإسلام المعتدل كفراً بواحاً . العنف لا يولد إلا العنف وتطرف اليساريين والشيعة لا يولد إلا تطرف السنة . حقيقةٌ يجب أن يفهمها الجميع قبل أن يسقط الجمل بما حمل .