لم يفهم كثيرون أسباب سرعة دفن الأمريكان لجثة بن لادن، بعد قتله في مياه المحيط وعدم تسليمها إلى أهله، ولم يفهموا أيضًا ما جرى بالضبط، وهل تمت الصلاة عليه إسلاميًّا أم لا كما قال الأمريكان. بل وشكك البعض في دفنه في البحر أصلًا، وانتقد كثيرون في النهاية دفن بن لادن بهذه الطريقة، حتي إنّ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وصف اغتيال أسامة بن لادن عبر وحدة عسكرية أمريكية حينئذٍ بأنّه "قرصنة أمريكية تخالف القوانين والمواثيق والأعراف الدولية"، وقال إن اغتيال بن لادن لن ينهي الإرهاب وأنه سيأتي ب"لودان" كثيرين. ولكن كتاب (ليون بانيتا) مدير المخابرات الأمريكية "سى.آى.أيه" السابق، الذي أصدره مؤخرًا بعنوان Worthy Fights أو (حروب جديرة بالمجازفة)، وبدأ بيعه فى المكتبات وسيوقعه بانيتا يوم 16 أكتوبر الجاري، كشف أن أسامة بن لادن، زعيم تنظيم "القاعدة" الذى قتلته أمريكا فى مايو 2011 بباكستان، لم يتمّ دفنه فى قاع البحر فقط، ولكن جثمانه كان مكبلًا بأثقال من الأسلاك وزنها "نحو 300 رطل من الحديد"؛ أى ما يزيد على 136 كيلوجرامًا. بانيتا الذي سبق أن كشف بعض المعلومات عن كيفية دفن بن لادن للردّ على الغضب الإسلامي العامّ من كيفية التعامل مع جثة مسلم، بهذه الطريقة ودفنه في البحر بخلاف التقاليد الإسلامية بالدفن في باطن الأرض، قال في كتابه إن الوزن الثقيل (للجثة) بما عليها من أسلاك جرف الطاولة التي وضعت عليها لإنزاله في الماء بسبب ثقل الجثمان مع الحديد، فمالت أكثر وهوت هي والجثمان إلى البحر. وأضاف: "ولأنّ الجثة غرقت بأثقالها سريعًا، فإن الطاولة عادت وطفت وهى تتمايل على السطح"، وأضاف أنّ استخدام الأثقال كان لضمان أن تغرق الجثة، وللتأكّد من أنها لن تطفو على سطح المحيط، وستغوص في الأعماق. وزير الدفاع الأمريكي قال أيضًا إن جثة بن لادن التي تم إحضارها من باكستان على متن حاملة الطائرات "يو أس أس كارل فنسون" الأمريكية لدفنها إغراقًا في عمق ما من بحر العرب، تم إعداد مراسم دفنها طبقًا للتقاليد الإسلامية، وإدخالها في كفن أبيض، وإقامة صلاة الميت عليها بالعربية. وأضاف: "ثم وضعها داخل كيس أسود ثقيل"، وأن الجثة تم وضعها بعد إدخالها في الكيس المقوّى على طاولة بيضاء عند حافة حاملة الطائرات، ثم جرى سحبها وهى مائلة لينزلق عنها الجثمان المرفق بالأسلاك ويهوي إلى مثواه المائي في قاع غير معروف عمقه. وكشف بانيتا أنّ تقدير المسؤولين الأمريكيين كان بأنّ بن لادن سيُقتل في الغارة الخاصة على منزله، ولن يؤخذ أسيرًا حيّا، ولذلك، تجهّز الأمريكيون للتعامل مع جثّته بعد الاغتيال المرتقب. وبعد اغتيال بن لادن في منزله، تمّ نقل جثّته بسرعة إلى البحر، وقامت قوات مارينز خاصة بنقله بواسطة مروحيّة من نوع أوسبري إلى حاملة الطائرات التي كانت تنتظر في بحر العرب، على مشارف المحيط الهندي، و"تم تجهيز جثة بن لادن للدفن على حاملة الطائرات وفقًا للتقاليد الإسلامية" و"تمّ لفّه بكفن أبيض وبعد ذلك إدخال جثّته في كيس أسود". ولم يحدد بانيتا في أي نقطة في البحر تم إلقاء جثّة بن لادن، ولكنه كتب أنّ القوات الأمريكية لم تخسر وقتًا وألقته فورًا بعد انتهاء الطقوس، وقال إنّ عددًا من الأسلحة التي كانت في منزل بن لادن نُقلت إلى متاحف الأمريكية وإلى البنتاغون. وليست هذه هي المرّة الأولى التي يتطرق فيها رجال الجيش الأمريكي إلى قضية دفن بن لادن. فقد نُشرت عام 2012 مراسلات على البريد الإلكتروني بين مسؤولين في الجيش، جاء فيها عن تجهيزات دفن بن لادن وتم الكشف بأنّ الجيش قد انصاع لقواعد الدفن الإسلامية. وقد جاء في إحدى المراسلات أنّه تم غسل جثمانه ثمّ وُضع بعد ذلك داخل ملاءة بيضاء وأُدخل إلى كيس أسود. بعد ذلك، قام أحد ضباط الجيش بإلقاء بعض الملاحظات الدينية، والتي تُرجمت إلى العربية من قبل متحدّث باللغة العربية كان حاضرًا. وكان هناك المزيد من المعلومات التي تمّ كشفها في تلك المراسلات، وهي أنّ عددًا قليلًا من الأشخاص كان حاضرًا أثناء إلقاء جثة بن لادن. الدفن في البحر وفقًا للشريعة الأمريكية وفور إعلان الأمريكان في المرة الأولى دفن بن لادن في البحر، قال علماء دين إنه لا يجوز دفن مسلم بإلقاء جثته في البحر، كما قال البيت الأبيض الأمريكي، طالما أنّه يمكن دفنه في البر تحت التراب وفقًا لأحكام الشريعة التي لا تجيز هذا إلا في حالات الضرورة القصوى. فعند وفاة الميت في البحر والخشية من تعفن جثته لطول الرحلة، يجوز في هذه الحالة فقط غسله وتكفينه والصلاة عليه ثم إلقاء جثته في البحر. وقال د.عصام الشعار عضو اتحاد علماء المسلمين إن الدفن في البحر لا يجوز إلا إذا تعذّر دفنه في البر فقط، وفي حالة بن لادن لا يبدو أن هناك عذرًا شرعيًّا وإنما هي أهداف سياسية أمريكية لإخفاء جثته ترقي للسخرية من المسلمين بمزاعم دفنه في البحر وفقًا للشريعة الإسلامية. ووصف "الشعار" دفن بن لادن في البحر بأنّه انتهاك أمريكي لحرمة الميت وانتهاك لحرمة الموت وحق الميت في الدفن وفقًا لشريعته وفي قبره، مشدّدًا على أنه لا يوجد مبرر لدفنه في البحر إلا إذا كان في مركب مثلًا والشاطئ بعيد ويخشى من تعفن الجثة، والأصل أن يدفن في البرّ. أيضًا، قال الدكتور عبد المعطي بيومي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إنه لا يجوز دفن بن لادن في البحر لأنه ليس هناك ضرورة لذلك، وأضاف أنّ "الشريعة الإسلامية توصي بأن يكون الدفن في البحر فقط في حالات الضرورة عندما لا يكون الدفن على الأرض متاحًا"، داعيًا أمريكا لاحترام شعائر الإسلام بأن "يُدفن (بن لادن) طبيعيًّا كأي مسلم احترامًا للشعائر الإسلامية". وقد طالبت نقابة المحامين المصريين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عقب إعلان قتل بن لادن، بتسليمها جثة زعيم القاعدة، لدفنها بالقاهرة، حسب الشريعة الإسلامية، وتقدمت لجنة حقوق الإنسان بالنقابة العامة للمحامين المصريين بشكوى لوزير الخارجية المصري حينئذ نبيل العربي، تطالب فيها باستدعاء السفيرة الأمريكية بصفتها ممثلة للولايات المتحدةالأمريكية، لمساءلتها في تهمة انتهاك حرمة الموتى والتمثيل بجثة مسلم وإهانة مليار ونصف مليون مسلم ومنهم 80 مليون هم الشعب المصري المسلم، مطالبة بإظهار جثة بن لادن ودفنها بالقاهرة حسب الشريعة الإسلامية بعدما أعلن دفنه في البحر. وشددت اللجنة على ضرورة اعتذار الرئيس الأمريكي والسفيرة الأمريكية بالقاهرة عن واقعة إلقاء الجثة وتشويهها، والتعمد الواضح من الإدارة الأمريكية لإهانة المسلمين بعدم مراعاة الدفن الشرعي له كمسلم بخلاف تعمد تشويه الجثة. وأشارت اللجنة التي يترأسها المحامي ممدوح إسماعيل إلى موقف شيخ الأزهر الذي انتقد بشدة ما حدث مع جثة أسامة بن لادن بصورة واضحة لا لبس فيها، معبرًا عن رفضه بصفته مسلمًا ورئيس أكبر مؤسسة إسلامية في العالم لهذا الفعل المشين مع جثة مسلم. أيضًا، اعتبرت جماعة الدعوة السلفية المصرية زعيم القاعدة (شهيدًا)، وقالت إنه: "قتل مرفوع الرأس لم يسلمه الله لأعدائه"، وشددت على "أن الجهاد ضد الاحتلال والظلم أمور تقرها الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية". وقال الدكتور ياسر البرهامي أحد أقطاب التيار السلفي في مصر في بيان حينئذ: "أهنئ أسامة بن لادن بالشهادة، واعتبر التخلص من جثته -بإلقائها في البحر- أمرًا يرفع من درجته ومكانته ويظهر الوجه القبيح ل"أمريكا" التي "لا تعرف حرمة، لحياة أو لموت"، وأن هذا سيسهم في أن يزداد الناس حبًّا له؛ وأن يزداد الناس كرهًا لأمريكا"، حسب قوله. وأضاف مخاطبًا أتباعه: "إن صاحبكم قتل مرفوع الرأس لم يسلمه الله لأعدائه، مات عزيزًا في زمن الدوران في فلك الأمريكان.. أسأل الله أن يتقبله في الشهداء". وأشار "برهامي" إلى اختلافه كثيرًا مع بن لادن في أولويات العمل، وفي مشروعية كثير مِن الأعمال التي يقوم بها من ينتسبون إليه في بلاد المسلمين، وفي بلاد الغرب مثل: "تبنيه لأحداث 11 سبتمبر" وغيرها، إلا أنه أكد على صدق نيته في نصرة الإسلام وعزة المسلمين، وأنه كان محبًّا للجهاد في سبيل الله؛ أصاب أم أخطأ في اجتهاداته هو وأعوانه.