يعد النشاط الاقتصادي للجيش المصري أحد أهم الملفات التي تطرح بقوة على الساحة المصرية في الآونة الأخيرة، بدأ النشاط الاقتصادي للجيش في التوسع بشكله الحالي في أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وتوسع بشكل ملحوظ في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، يمارس الجيش في مصر نشاطه الاقتصادي من خلال مؤسسات اقتصادية تدار مباشرة من قبل القوات المسلحة ولا تخضع ميزانياتها لرقابة من قبل أية جهة مدنية سواء كانت حكومية أو خاصة وتدرج رقمًا واحدًا في الموازنة العامة للدولة وفقًا للدستور المصري، ويمكن حصر هذه المؤسسات في 4 مؤسسات بشكل رئيسي: أولًا: جهاز مشروعات الخدمة الوطنية تم إنشاؤه بقرار رئيس الجمهورية رقم 32 لسنة 1979 عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي النسبي من الاحتياجات الرئيسية للقوات المسلحة لتخفيف أعباء تدبيرها عن كاهل الدولة مع طرح فائض الطاقات الإنتاجية في السوق المحلي والمعاونة في مشروعات التنمية الاقتصادية في الدولة من خلال قاعدة صناعية إنتاجية متطورة. المهمة المعلنة للجهاز "كما هو مدون على الموقع الرسمي للجهاز" هي تنمية الناتج القومي بالتعاون مع المؤسسات المدنية مع التركيز على مشروعات البنية التحتية خصوصًا المشروعات التنموية في المحافظات الحدودية كشمال وجنوب سيناء والوادي الجديد، تبدو المفارقة هنا واضحة، فالقوات المسلحة التي ترعى أنشطة الجهاز قد شرعت فعليا في إخلاء الشريط الحدودي في سيناء على الحدود مع قطاع غزة بدلًا عن إقامة مشروعات استراتيجية وتنموية. يتبع الجهاز عدد كبير من الشركات "21 شركة" تغطي مجموعة واسعة من القطاعات من البناء والنظافة إلى الزراعة والمنتجات الغذائية. وتباع السلع التي تنتجها هذه الشركات، والتي تفيض عن حاجة الجيش، في السوق المحلية. (1) في مجال استصلاح الأراضي هناك الشركة الوطنية لاستصلاح الأراضي "تعمل في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني في شرق العوينات"، بالإضافة إلى "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة"، حيث تعتبر القوات المسلحة مالكة لأكثر من 97% من إجمالي مساحة الأراضي في مصر وفقًا للقانون. (2) وفي مجال الأمن الغذائي يمتلك الجهاز شركة مصر للتصنيع الزراعي التي تمتلك 7 مصانع لإنتاج "صلصة طماطم – منتجات ألبان – أعلاف الماشية والأسماك – البصل المجفف"، وشركة كوين لإنتاج المكرونة، إضافة إلى قطاع الأمن الغذائي الذي يمتلك عددًا كبيرًا من المزارع والمجازر للحيوانات والدواجن إضافة إلى وحدات إنتاج الألبان ومجمعات إنتاج البيض وغيرها. (3) في مجالات الصناعة الكيماوية والتعدين، يمتلك الجهاز ممثلًا في قطاع التعدين – الذي تندرج تحته عدة الشركات الصغيرة – معظم المناجم التعدينية في البلاد مثل مناجم الجبس والمنجنيز والرمل الزجاجي والطَفل والزلط، إضافة إلى الشركة الوطنية للمياة "صافي" التي تعد أحد أكبر شركات إنتاج المياة في مصر. (4) في مجال البتروكيماويات والكيماويات الوسيطة هناك شركة النصر للكيماويات الوسيطة "المنظفات الأسمدة – مكافحات الحشرات"، وشركة العريش للأسمنت وشركة إنتاج المشمعات البلاستيك. (5) كما تمتلك الهيئة أيضًا شركة النصر للخدمات والصيانة "كوين سيرفيس" والتي تقدم خدمات الأمن والحراسة وإدارة الفنادق إضافة إلى خدمات أخرى، إضافة إلى الشركة الوطنية للبترول التى تدير محطات بنزين «وطنية» وتنتج العديد من المنتجات البترولية. (6) في قطاع المقاولات تتنافس شركتان كبيرتان تابعتان للجهاز هما الشركة الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات والشركة الوطنية للطرق والكباري، حيث تحتكر الشركتان حصة الأسد من سوق الإنشاءات في مصر. يرأس الجهاز اللواء أركان حرب منير لبيب بينما يرأس مجالس إدارات الشركات التابعة للجهاز عدد من كبار الضباط السابقين في القوات المسلحة المصرية، وتبلغ ميزانية الجهاز وفقًا للأرقام المعلنة عام 2013 مليار و625 مليون جنيه بصافي أرباح بلغ 63 مليون جنيهًا وفقًا للأرقام المعلنة في الجريدة الرسمية، وبالطبع لا تخضع تفاصيل هذه الميزانية لأية جهة رقابية. ثانيًا: الهيئة العربية للتصنيع أسستها مصر والسعودية وقطر والإمارات عام 1975 في أعقاب حرب أكتوبر برأس مال أكثر من مليار دولار بهدف تأسيس صناعة عربية دفاعية مشتركة، سحبت الدول العربية أسهمها من الهيئة احتجاجًا على توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل وبقيت مصر وحدها مالكة للهيئة. تركّز الهيئة العربية للتصنيع على توفير احتياجات القوات المسلحة المصرية من المعدات الدفاعية، توسع نشاط الهيئة ليشمل مشروعات مدنية إضافة إلى مشروعاتها العسكرية، حيث تدير الهيئة 11 مصنعًا وشركة في مصر تعمل في العديد من المجالات في الصناعات العسكرية والمدنية منها مصانع صخر وقادر وحلوان للصناعات المتطورة ومصنع سيماف الذي ينتج عربات السكك الحديدية والقضبان وغيرها والذي حصلت عليه الهيئة من القطاع العام عام 2002، إضافة إلى مصانع للمنتجات الإلكترونية تقوم بإنتاج وتجميع الشاشات الإلكترونية وشاشات العرض الكبرى إضافة إلى الشركة العربية لإنتاج الطاقة المتجددة التي تدير عدة مشروعات للطاقة المتجددة في مصر وشركة السماد العضوي ومصنع أبو زعبل للأخشاب والذي ينتج أثاث المنازل والفنادق والقرى السياحية. في مجالات الصناعة العسكرية تمتلك الهيئة عدة شركات للتصنيع العسكري بالتعاون مع دول كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا، كما تقوم بشراكات مع مؤسسات عالمية في مجالات التصنيع المدني مثل "جنرال إلكتريك" و"لوكهيد مارتن" و"ميتسوبيشي" وغيرها. ثالثًا- الهيئة القومية للإنتاج الحربي تأسست الهيئة عام 1984، بهدف الإشراف على المصانع الحربية، تمتلك الهيئة حاليًا أكثر من 18 مصنعًا للصناعات العسكرية والمدنية منها مصانع "أبو قير – أبو زعبل – شبرا – حلوان" للصناعات الهندسية، إضافة إلى مصنع حلوان للأثاث ومصنع حلوان لمحركات الديزل ومصنع حلوان للصناعات غير الحديدية، وفي الصناعات الكيماوية تمتلك الهيئة مصانع "أبو زعبل وقها وهليوبوليس" وفي الصناعات الإلكترونية هناك مصنع بنها للصناعات الإلكترونية، كما تمتلك الهيئة أسهمًا في شركات أخرى مثل "ثروة البترول" و"إيبيك" العالمية لصناعة المواسير وهي أكبر منتج لأنابيب النفط والغاز في المنطقة، كذا الشركة العالمية لصناعة الكمبيوتر المنتج الأوحد لأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية في مصر بالشراكة مع مجموعة ناصر الخرافي. تخضع الهيئة مباشرة لإشراف وزير الإنتاج الحربي إبراهيم يونس وهو ضابط سابق بالقوات الجوية ومدير سابق للهيئة العربية للتصنيع حتى عام 2009. رابعًا- الهيئة الهندسية للقوات المسلحة هي هيئة تابعة لوزارة الدفاع المصرية، متخصصة في مجالات البنية التحتية والإنشاءات العسكرية والمدنية، تحتوي الهيئة على عدة إدارات تابعة لها هي إدارة الأشغال العسكرية وإدارة المهندسين العسكريين وإدارة المساحة العسكرية وإدارة المياة وإدارة المشروعات الكبرى. في أيار/مايو 2014، قال مدير الهيئة الهندسية للقوات المسلحة إن الجيش نفّذ 473 مشروعًا استراتيجيًا وخدميًا في العام ونصف الماضيين، تشمل قائمة هذه المشروعات بناء الطرق والجسور والموانئ، وترميم المستشفيات والمدارس ومراكز الشباب، ومدّ أنابيب المياه، وبناء محطات تحلية المياه. يمكنك التعرف بالتفصيل على العديد من المشروعات التي تشرف عليها الهيئة الهندسية في مصر من خلال هذا التقرير. من امتيازات الطرق والأراضي إلى تطوير السيرك القومي: أكثر من 20 امتيازًا اقتصاديًّا للجيش المصري بعد انقلاب 3 يوليو لماذا يعد الجيش منافسًا "غير نزيه" في مجال الاقتصاد؟ يرجع الناقمون على النشاط الاقتصادي للجيش في مصر أسباب غضبهم إلى كون الاستثمار والاقتصاد ليست المهمة الرئيسية المتعارف عليها للجيوش وأن التدخل المستمر للجيش في مصر في مجالات السياسة والاقتصاد قد أفرز آثارًا غير محمودة على مدار 3 عقود، من جهة أخرى يرى الكثيرون أن الطريقة التي يدير بها الجيش ملف الاقتصاد في مصر قد تكون محبطة لغيره من الشركاء الاقتصاديين في القطاع الخاص والاستثماري بل حتى الشركات الحكومية التقليدية التي تعرضت لموجة كبيرة من الخصخصة في أواخر عهد مبارك، بل أن بعض الشركات الحكومية قد تم بيعها لصالح هيئات تابعة للجيش كما هو الحال في مصنع "سيماف" الذي استولى عليه الجيش عام 2002. وفقًا للتقديرات فإن القوات المسلحة في مصر تدير ما بين 25-40% من حجم الاقتصاد المصري، لا توجد أرقام رسمية موثقة، وإن كان الوزير السابق رشيد محمد رشيد قلص توقعاته لهذه النسبة إلى 10% فقط في حوار سابق له مع جريدة نيويورك تايمز، تتنوع أنشطة الجيش لتشمل كافة مجالات الاقتصاد المصري مما يجعله دومًا في موقع منافسة يراها الكثيرون غير عادلة مع الشركات الخاصة في مصر، بل وغيره من الشركات الحكومية بسبب الأسباب الآتية: 1- جميع مصانع وشركات الجيش تحصل على إعفاء كامل من الضرائب والجمارك، بما فيه إعفاء منشآت الجيش الاقتصادية من الضرائب العقارية المفروضة على سائر المنشآت، بما يعني أن شركات الجيش لن يكون عليها حمل عبء تسديد ضرائب على أرباحها، الأمر الذي يسمح لها بتقديم المنتجات والخدمات بأسعار أقل من نظيرتها. 2- نسبة كبيرة من العاملين في المشروعات الاقتصادية التي تديرها القوات المسلحة هم من المجندين الإلزاميين في الجيش المصري بمعنى أنهم لايتقاضون أي أجر بالمناظرة بالارتفاع المستمر في أجور العمالة في معظم القطاعات الصناعية. 3- في نوفمبر 2013، أصدر الرئيس الموقت عدلي منصور قرارًا يسمح للحكومة بالتخلي عن المناقصات وإسناد المشروعات لأي شركة في الحالات العاجلة، تبعه قرار آخر في 23 إبريل 2014، يحظر بموجبه الطعن من طرف ثالث على العقود التي تبرمها الحكومة مع أي طرف، مصريّ كان أو أجنبيّ، وسواء كانت تلك العقود متعلقة بالخصخصة أو ببيع أراضي الدولة أو بأعمال مقاولات أو غير ذلك، الأمر الذي وصفه المحللون بكونه خطوات لإضفاء الشرعية على عقود الإسناد المباشر التي تمنحها الحكومة والتي يعد المستفيد الأكبر منها هي شركات جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، والتي تحظى بنصيب الأسد من العقود الحكومية بما يعني غياب أية منافسة نزيهة أو عادلة مع غيرها من الشركات. 4- تحصل القوات المسلحة بوصفها مالكًا لأراضي الدولة على الأراضي اللازمة لإنشاء مشروعاتها الاقتصادية دون أن تتحمل تسديد تكلفة هذه الأراضي في الخزانة العامة للدولة. 5- تستطيع القوات المسلحة توفير التأمين الجيد لمشروعاتها بالمقارنة بأية جهة أخرى بما يعني أن لها قدرة أكبر على جذب الشركاء الأجانب. 6- في مايو 2011، عدّل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي كان يتولّى حكم البلاد آنذاك، قانون القضاء العسكري. أضاف المجلس العسكري مادّة تعطي النيابة والقضاة العسكريين وحدهم الحق في التحقيق في الكسب غير المشروع لضباط الجيش، حتى لو بدأ التحقيق بعد تقاعد الضابط. وبالتالي تجعل هذه المادة الضباط المتقاعدين بمنأى عن أي محاكمة أمام القضاء المدني.