في البداية، أنوه إلى أن كل من علي عبدالله صالح وعبدربه منصور هادي ومحمد اليدومي ومحمد قحطان وعبدالوهاب الآنسي وياسين سعيد نعمان وسلطان العتواني وعبدالملك الحوثي وغيرهم من السياسيين اليمنيين لا يعرفون شيئاً عن نظريات العلوم السياسية الحديثة التي وضعها علماء السياسة في العصر الحديث، ويتم تدريسها في أرقى الجامعات في العالم. كما أنهم لا يعرفون شيئاً عن مفهوم الديمقراطية ومراحل تطورها، بل فهم لا يفرقون بين مفهوم الدولة المدنية والدولة الديمقراطية، ولا يعرفون متى تكون الدولة دينية ومتى تكون علمانية، ولا يستوعبون معنى أن تكون الدولة دينية وعلمانية في نفس الوقت، أو ليبرالية مجردة من كلا المفهومين، وبعضهم لا يعرف معنى الدولة الثيوقراطية أو الراديكالية! وبما أننا ابتلينا بسياسيين لا يفقهون شيئاً في العلوم السياسية ولا أبجديات الديمقراطية والعمل السياسي، فضلاً عن الاقتصاد والتجارة والصناعة وغيرها، وعملاً بالقول المأثور: "خاطبوا الناس على قدر عقولهم، أو أفهامهم"، فإن أفضل نظرية يمكن مخاطبتهم بها في هذه المرحلة هي نظرية "جمل المعصرة"، لأنها مصطلح شعبي يدرك الجميع معناه وأبعاده ومغازيه، وما المقصود منه، ودلالة أن يتحول هذا المصطلح إلى نظرية سياسية حصرية يتم مخاطبة السياسيين اليمنيين بها! جمل المعصرة، هو ذلك الجمل الذي يتم إغماض عينيه وربطه بجوار معصرة شعبية لعصر السمسم أو غيره، ويظل الجمل يدور حول نفسه وهو مغمض العينين معتقداً أنه يسير إلى الأمام، ويظن أنه قد قطع شوطاً أو عدة كيلو مترات، ويتفاجأ عندما يتم فتح عينيه بأنه مازال في المكان نفسه. لا أدري ما الذي سيتغير في اليمن إذا كانت الصراعات القديمة مازالت قائمة، والوجوه التي تتربع المشهد السياسي مازالت كما هي، والجماعات والأحزاب الفاعلة في الساحة لم تتغير، وأهداف اللاعبين الإقليميين والدوليين وطبيعة التحالفات العابرة للدول مازالت كما هي. يريد علي عبدالله صالح وعائلته العودة إلى السلطة، ويريد عبدالملك الحوثي إعادة نظام الإمامة الذي يعتقد بأنه حقاً إلهياً خاصاً بعشيرته، ويريد الجنوبيون الانفصال، ويناضل حزب الإصلاح من أجل بناء دولة حديثة، ويجاهد تنظيم القاعدة لإقامة إمارة إسلامية على غرار طالبان في أفغانستان، والشعب يحلم بدولة تحقق حلمه في الحياة الكريمة والرفاهية. والحاصل هو أنه لا علي صالح سيعود إلى السلطة، ولا عبدالملك الحوثي قادر على إعادة الإمامة، ولا حزب الإصلاح سينجح في بناء دولة حديثة، ولا الجنوبيون سيحققون الانفصال، ولا تنظيم القاعدة سيعيد نظام الخلافة الإسلامية. سنظل نتخبط وندور في المكان الذي نحن فيه مثل "جمل المعصرة"، لأنه لا يوجد رجال دولة قادرون على تحقيق الحد الأدني من حلم أبناء الوطن، ليس هناك أحد أفضل من أحد، ستظل اليمن متخلفة وجاهلة ومريضة سواء حكمها المؤتمر أو الإصلاح أو الاشتراكي أو الناصري أو الحوثيين أو حتى القاعدة. فاليمن مازالت بحاجة إلى معجزة من السماء تفرض واقعاً جديداً يؤسس لمرحلة جديدة من البناء والتعمير، مازالت اليمن بحاجة إلى قوة سياسية وطنية أو قائد وطني متحرر من القوى السياسية التقليدية والعتيقة يلتف حوله الشعب ويدشن ثورة مسلحة عارمة تبني الوطن من الأساس، وتحقق حلمنا كمواطنين في الحرية والديمقراطية والرفاهية وتحسين مستوى المعيشة والمواطنة المتساوية وحماية حقوق الإنسان.