قصفت ميليشيات الحوثي صالح مستشفى الثورة بصورة مكثفة وعنيفة بالاضافة الى المستشفى الجمهوري. حتى السابعة والنصف من مساء امس الاحد كانت ادارة المستشفى تحصي 13 قذيفة لدبابات ومدافع امطرت المبنى ، فضلا عن زخات هائلة من رصاص الرشاشات . طال القصف الذي توزع على انحاء مختلفة من المبنى ، غرفة العناية المركزة وسقط عدد من كادر المستشفى مصابون. بنفس الطريقة كان المستشفى الجمهوري يتعرض لقصف من نوع الاسلحة الثقيلة نفسها اوقعت اصابات بين كادر المستشفى . واحدة من القذائف سقطت على منزل مجاور للمشفى فأشعلت النار فيه واحترق صاحب المنزل مع ابنه وابنته عندما كانا يغطان في النوم، واصيبت زوجته ونقلت الى المستشفى المستهدف . مجرد تعمد قصف المستشفيات يندرج ضمن جرائم الحرب وفقا للقانون الدولي الانساني، لكن الاشارة الى تجريم القانون الدولي يبدو ترفا، امام عدوان همجي ووحشي صمم بعناية لتعز. منذ اكثر من سبعة اشهر تشعل الميليشيات الانقلابية النار في اجساد الاطفال والنساء المدنيين عموما ، وتفرض حصارا خانقا على السكان جعل الموت اشبه بحتمية : اما بالقذائف او الحصار . لكن أسوأ ما في فصول العدوان منع وسائل الحياة عن مدينة مكتظة . قبل ايام كان مستشفى الثورة، يوجه نداء استغاثة ، سبقته مستشفيات توقفت عن العمل بصورة نهائية . لجأ المستشفى الذي يكافح بكل السبل للاستمرار لتقديم ما يشبه براءة للذمة امام منظمات انسانية وعالم فقد حساسيته تجاه جرائم الحرب والانتهاكات، واصبح يمارس تواطئا واضحا. لم يعد المستشفى قادرا على تشغيل غرف العناية المركزة، في حين يواجه ضغطا شديدا من عشرات الحالات يوميا تسقط بقصف الميليشيات للمدينة، بسبب منع ادخال اسطوانات الاكسجين . بفعل غطرسة الميليشيات وجريمة الحصار الخانق ، لجأ بعض الشباب الى سلوك طرق فرعية ، جبلية وعرة ، على الاقدام لجلب اسطوانات الاكسجين، لإنقاذ ضحايا المجازر والاعتداءات اليومية على المدنيين. انهم ابطال من صنف نادر يحاولون مد المدينة المخنوقة بأي كمية من الاكسجين لإبقائها على قيد الحياة . على المداخل احتجزت الميليشيات كمية من المحاليل والادوية الخاصة بمرضى الفشل الكلوي ، وهذا يعني قرارا اجباريا من الميليشيات بفرض اغلاق قسم الغسيل الكلوي في المستشفى ،ووفاة اكثر من 300 مريض باتوا في حكم الموتى . بحسب النداء لم يعد المستشفى قادرا على مواجهة الضغط اليومي، ولديه نقص شديد في مستلزمات الجراحة والادوية الاسعافية . انتهى الحال المأساوي والحرب الوحشية الممنهجة على السكان الى اغلاق معظم المستشفيات، ولم يتبق سوى اربعة تقريبا على وشك الاغلاق وتفتقد للادوية الضرورية لتقديم الاسعافات للجرحى. مستشفى الثورة واحد منها. هناك شحنات ادوية مقدمة من منظمات انسانية دولية وعربية منعتها الميليشيات من الدخول، ومطلع هذا الشهر قال الصليب الاحمر ان الميليشيات المتحكمة بمداخل المدينة منعت ادخال ادوية ضرورية لانقاذ الارواح. ونهاية الشهر الفائت قالت منظمة اطباء بلا حدود انها فشلت في ادخال امدادات طبية لمستشفيين في المدينة، عبارة عن محاليل وريدية ، وانابيب صدرية وادوية تخدير ومستلزمات الخياطة الجراحية ومضادات حيوية. بعد مفاوضات لمدة اسبوعين تلقت "بلا حدود" ردا ا ايجابيا من قادة الميليشيات وحين كانت ترسل شاحنتان محملتين بالادوية تقفان على احد مداخل تعز منعت بكل صلف ! لا تؤيد هذه الطريقة من التعامل الصورة الهمجية والعدوانية الحاقدة للميليشيات على اليمنيين فحسب، بل تؤكد الجانب الاسوأ حيث جماعة فاشية بلا مواثيق ولا عهود. بهذا الحقد الاسود حاصرت من قبل عدن، وكما حصل هناك تتعامل الاممالمتحدة مع ما يجري في تعز الآن بطريقة غض الطرف، ومعظم الوقت كانت تبدو في صف الميليشيات. عقب تحرير عدن رفصت الاممالمتحدة تحويل مسار شحنات الاغاثة الى موانئي المدينة التي واجهت للتو اقسى محنة في تاريخها ، واصرت على موقفها بالاستمرار بالتوجه الى ميناء الحديدة الواقع في قبضة الميليشيات. كانت المنظمة الدولية بتأثير قوى دولية واضح، تبدو كمن يزود المتمردين بموارد حرب . فقد تم بيع المساعدات الغذائية لمصلحة تجار يتبعون الميليشيات ، وابتاع الناس كثيرا من المواد من محلات التجزئة وعليها شعار الاممالمتحدة! كانت الميليشيات تفتك باليمنيين في عدن ولحج وتعز والضالع وتمارس حصارا، منع كل وسائل الحياة من المرور، وكانت لعبة دولية غامضة ترسل بالمساعدات الى القرصان الذي يختطفها في الطريق ! كانت الميليشيات تحصل على ما يشبه اقتصادا متكاملا ، عبارة عن هبات ومساعدات ، تحولت الى مجهود حربي يمول آلة القتل الفتاكة للحوثيين وصالح . بصورة اخرى كان المجتمع الدولي يقتل اليمنيين ايضا او يكافئ قاتلهم . لعله الجزء الناقص للصورة التي انتهجها المجتمع الدولي بمساندة الانقلاب . كان التعبير الاوضح عن ذلك الدعم ظهر على لسان جمال بن عمر في فبراير الماضي عندما اكد على " ضرورة الانتقال السلمي للسلطة عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية " . سيسجل التاريخ ان الاممالمتحدة استخدمت مرتين لرعاية انقلاب متكامل على مرحلتين : الاولى في 21 سبتمبر 2014 ، والاخرى حين كانت تشاهد رئيسا تطلق عليه ميليشيات الرصاص وتقتل مرافقيه ، فتسميه المنظمة الدولية انتقال سلمي للسلطة ! كان بن عمر وقتها يقود نقاشات لفرض الانقلاب كأمر واقع ويبذل جهدا استثنائيا لانفاذه . تعز اليوم تموت ، وامام هذه الجرائم ووقائع حصار يصنف ضمن جرائم الابادة الجماعية ، يحصل الحلف الميليشياوي الفاشي العنصري، على مساحة للتهريج فيتقمص صورة الضحية. يقذف باراجوزاته للتظاهر امام مقر الاممالمتحدةبصنعاء، ضد ما وصفوه بالحصار على اليمن ! الجزء المثير في القصة ان لدى الميليشيات التي تقتل وتدمر في تعز ودمت ومأرب ، كتائب موازية تنشط تحت لافتات حقوقية ، وباسم هذه اللافتة ونائحتها المستأجرة ذهبت الميليشيات تستجدي العالم رفع الحصار عن اليمن . قبلها بيوم واحد كانت منصات الميليشيات في وسائل التواصل الاجتماعي تنقل اخبارا رسمية عن توفر كل السلع في الاسواق والمخزون ، وكانت الاخبار طازجة عن وصول آخر سفينة محملة بآلاف الاطنان من المشتقات النفطية ! طوال الفترة الماضية استحوذت الميليشيات على مداخيل ضخمة من عائدات بيع واستغلال مشتقات نفطية قدمت كمساعدات للبلاد من دول عديدة بينها ايران ، عراب الميليشيات وراعيها الذي استخدمها للسيطرة على العاصمة العربية الرابعة كما دأب قادتها يؤكدون. لقد تشكلت سوق سوداء لبيع المشتقات النفطية والمساعدات ، بيعت معها عبوة البترول 20 لتر بمائة دولار. بينما كانت حياة الناس تتردى وتنهار ، كانت اوردة صالح الحوثي تنتعش باقتصاد لا يمر عبر القنوات الرسمية، ويتم سرقته بالكامل لمصلحة زعماء الحلف الميليشياوي . فما هو شكل الحصار المزعوم ؟ ما من حصار في الواقع، بل رقابة مشددة فرضتها قوات التحالف العربي على الموانئ الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية ، تنفيذا للقرار الدولي 2216. بحسب مقتضيات القرار يجب منع وصول اي اسلحة للميليشيات وفرض رقابة صارمة لتنفيذ ذلك . عمليا تفرض قوات التحالف رقابة على واردات اليمن، وحددت ميناء جيبوتي ومطار بيشة السعودي كنقطتي عبور ضرورية للطائرات والسفن لإخضاعها للتفتيش قبل التوجه الى الحديدةوصنعاء . لماذا تبدو الرقابة في نظر الحوثيين وصالح حصارا؟ في جزء منها هو شكل من الحصار ليس على اليمن ، بل على الميليشيات المتمردة التي تعتبر عدم الحصول على امدادات السلاح حصارا ، بينما اليمن المخطوف ، الذي غدا قطعة شطرنج بيد الشاه الايراني وذراعه الارهابية ، يحصل على حاجياته ، فتحاصره الميليشيات وتقتله وتمزق مستقبله. وقبل ايام كانت ايران تحاول ضرب " الحصار " المفروض ليس بإمدادات الغذاء بل عبر قوارب بشحنات اسلحة انتهت في قبضة التحالف . هو حصار بالفعل لمنع وسائل الموت عن امدادهم بالحياة . مع ذلك ستظل لعبة المظلمة ملاذا لقتلة يمضغون ضحاياهم ويسكبون العبرات ، تماما كتماسيح اصيلة. هذا بالتحديد ما يحدث اليوم : في تعز يمنعون الحياة عن مئآت آلاف السكان ، الدواء والغذاء ، ويرتكبون المجازر المروعة ، وفي صنعاء يطلقون مسوخهم للنحيب . فقط ، لانهم يريدون المزيد من الاسلحة لقتل تعزواليمنيين قاطبة !