فاز المعتدل حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية منهيا ثمانية أعوام من حكم المحافظين في إيران، وفق ما أعلن وزير الداخلية الإيراني السبت 15 حزيران 2013، ووجّه التلفزيون الرسمي تهنئته إلى الرئيس الجديد وبدوره وجّه الرئيس الإيراني المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد رسالة تهنئة إلى روحاني، وكانت إعادة انتخاب أحمدي نجاد عام 2009 أشعلت تظاهرات لأنصار المرشحين الإصلاحيين الذين تحدّثوا عن عمليات تزوير كبيرة وتمّ قمع الحركة الاحتجاجية بشدة واعتقل العديد من القادة المعتدلين والإصلاحيين. وأوضح الوزير مصطفى محمد نجار في النتائج النهائية التي أعلنها أنّ روحاني الذي حظي بدعم المعسكرين المعتدل والإصلاحي حصل على 18,6 مليون صوت، أيّ 50,68 في المئة في الدورة الأولى للانتخابات متقدما على خمسة مرشحين محافظين وبذلك تقدّم روحاني بفارق كبير على رئيس بلدية طهران المحافظ محمد باقر (6,07 ملايين صوت) وكبير المفاوضين الإيرانيين سعيد جليلي (3,17 ملايين) المدعوم من الجناح المتشدد في النظام، ولفت نجار إلى أنّ نسبة المشاركة بلغت 72,7 في المئة. واستفاد روحاني، البالغ 64 عاما، من انسحاب المرشح الإصلاحي الوحيد محمد رضا عارف، كما تلقّى دعم الرئيسين السابقين المعتدل أكبر هاشمي رفسنجاني والإصلاحي محمد خاتمي ومع أنّه يمثّل المرشد الأعلى علي خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي فإنّ روحاني يدعو إلى مرونة أكبر في التعامل مع الغرب، هذا الحوار الذي كان أداره بين 2003 و2005 في عهد خاتمي، وأشار خلال حملته إلى مباحثات مباشرة محتملة مع الولاياتالمتحدة العدو التاريخي لإيران، وعلى السياق نفسه أكّد الدكتور محمد مجاهد الزيات رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط أنّ انتخاب حسن روحاني رئيسا لإيران يدلل على أنّ هناك قناعة لدى النظام والشعب في إيران في التوجه العام لتحقيق نقلة والتخفيف من حالة التشدد إلى الاعتدال في التعامل مع الداخل والخارج وأنّ عهده سيشهد تحسنا في العلاقات مع دول الجوار الخليجية العربية. كما أنّ انتخاب روحاني لا يعني التخلي عن مشروع إيران السياسي والحضور الإقليمي، غير أنّ الأمر سيتم علاجه دون عداء وتشدد، كما أنّ انتخابه يمثّل عملية تصالحية وحلّ وسط بين الأصوليين والليبراليين في البلاد، حيث أنّ التيار الليبرالي في البلاد سوف يكون مرتاحا لفوزه، وإنّ انتخاب روحاني أيضا يعطي إشارة طيبة إلى الخارج وسيكون امتدادا لسياسات الرئيس الأسبق محمد خاتمي الذي انتهج سياسة إصلاحية وتقوم على الحوار بين الثقافات والحضارات. يشار إلى أنّ حسن روحاني هو الرجل المقرب جدا من الرئيس الأسبق هاشمي رافسنجاني وشغل لفترة طويلة منصب رئيس هيئة الأمن القومي وأنّه رجل دين يمثّل تيار الإصلاحيين وهو ليس على عداء أو خلاف مع مرشد الثورة الإيرانية القائد الفعلي لإيران علي خامنئي، فإذا دققنا في الأمر تاريخيا نرى أنّ جميع الرؤساء السابقين للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بدءا من بني صدر وهاشمي رفسنجاني مرورا بخاتمي وختاما بأحمدي نجاد أصبحوا مرفوضين ومنبوذين من قبل النظام، إلاّ رئيسا واحدا ساعده الحظ كي يصبح فيما بعد مرشدا للجمهورية الإسلامية، هو آية الله علي خامنئي، وهذا يعني أنّ الإشكالية تكمن في الدستور الإيراني الذي يمنح المرشد المنتخب من قبل مجلس الخبراء، صلاحيات واسعة دون أن يكون محاسبا من قبل أيّة جهة أو مؤسسة وذلك خلافا لرئيس الجمهورية المنتخب شعبيا والذي يحاسب أمام البرلمان إزاء صلاحياته التي لا تشكّل إلاّ 25 – 30 في المئة من صلاحيات المرشد الأعلى، ويبدو أنّ المؤسسة العسكرية والأمنية وعلى رأسها علي خامنئي أخذت العبر من الانتخابات الرئاسية السابقة وقامت هذه المرة بهندسة الانتخابات قبل التصويت. أيّ أنّها قيّدت الحريات التي تتسع عادة خلال فترة الانتخابات الرئاسية في إيران، ويعتري خامنئي القلق إزاء خليفته الذي سيرث قيادة البلاد، ولهذا لا يتهاون مع انتخاب رئيس لا يتبع منهجه المتشدد وذلك للحيلولة دون تعيين مرشد على غير شاكلته، كما أنّ التضييق على الحريات السياسية ورفض الشخصيات المعتدلة من الترشح، بل والحيلولة دون انتخاب المرشحين المعتدلين ينم عن طموح خامنئي للوصول إلى موديل كوريا الشمالية في إيران، إذ أنّ المرشد الأعلى علي خامنئي ينتهج نهج التشدد في مواجهته مع الغرب وبحاجة إلى رئيس مطيع له أو على الأقل لا يعارضه في السياسة الخارجية. ما يهمّ العراق هو كيف سيتعامل الإصلاحي روحاني مع حكومة نوري المالكي التي اعتمدت على دعم «المحافظين» في زمن أحمد نجاد، وهل روحاني سيتخذ سياسة محايدة في تعامله مع الملف العراقي أم سيخضع إلى «أوامر وتوجهيات الولي الفقيه»، وإذا أصرّ الشيخ المعتدل في تعامل آخر مع «أحزاب التحالف الوطني» هل سيقوم الحرس الثوري الإيراني ومن خلفه قيادة قوات القدسالإيرانية المرابطة في العراق بمواصلة الدعم وتنفيذ أجندة «الولي الفقيه» في العراق؟ . وماذا عن التعامل مع الملف السوري، هل سيقبل روحاني «المساومة» مع الشيطان الأكبر، صنع القنبلة النووية الإيرانية مقابل التخلي عن سوريا وحزب الله اللبناني طبعا بالشكل «الظاهر»، أم سيفتح صفحات جديدة في العلاقات الإيرانيةالأمريكية والأوروبية مع أخذ النظر بكل الاحتمالات بما فيها احتمال اغتيال الشيخ روحاني من قبل المتشددين؟ لننتظر ماذا سيحصل على أرض الواقع في المستقبل القريب. * إعلامي عراقي