يبدو أن الربيع العربي يواجه تحديات كبيرة محلية واقليمية ودولية، وبلا شك ستكون هناك تداعيات عدة ناتجة عن حالة الاختلاف والتنافر التي طرأت على المشهد العربي في كل بلدان الربيع العربي دون استثناء بدءاً بتونس ثم مصر واليمن ومروراً ب"ليبيا" ووصولاً إلى سوريا التي مازالت الدماء تسيل فيها والجراح نازفة وحالة الاحتراب متواصلة.. وفي حقيقة الامر لم يكن في الحسبان كل ما جرى، لكن وقد حدث وتهاوت عروش انظمة واهنة كبيوت العنكبوت فلا بأس من القبول بأسواء الاحتمالات من أجل الوطن والمواطن.. كانت هناك حالة من التشدد مسيطرة على حركة ومسار الثورات الربيعية ترفض كل الحلول الوسط وكل ذلك من أجل بناء الأوطان وحباً في التجديد وتصحيح المسار هنا أو هناك لا فرق بين مصر واليمن أو بين تونس وليبيا، وبالمقابل طرف آخر يحاول التمسك والتشبث بالماضي الكئيب أملاً في الاستمرار والبقاء ضمن اللعبة السياسية، وقد تمكن البعض من البقاء في المشهد كلاعبين اساسيين وكما هو الحال في اليمن على سبيل المثال حيث اقتسم الشعبي العام مع المعارضة 50% من مقاعد الحكومة لاتباع الشعبي العام الحاكم سابقاً ومثلها للمعارضة تكتل احزاب المشترك والذين اضيف لهم رئاسة الحكومة فيما تنازل رأس النظام السابق برئاسة الدولة لنائبه بعد التوافق على ذلك بين السلطة والمعارضة وفقاً للمبادرة الخليجية وبرعاية اقليمية ودولية. صحيح أن الشعب اليمني واجه كثيراً من الصعوبات والمشاق لكن في النهاية خرج الجميع بتوافق جنب اليمنيين واليمن صراعات دامية يعلم الله وحده متى وأين كانت ستحط رحالها وإلى أي مدى كانت ستصل إليه أوضاع هذا البلد المتهالك. فيما لا يختلف المشهد المصري كثيراً عن المشهد اليمني إلا فيما يتعلق بالوضع الداخلي المترابط نوعاً ما ولا وجود لازمات مزمنة كما هو حال اليمن والذي كان يعاني من دعوات انفصالية في الجنوب واحتراب متقطع في الشمال حركة الحوثيين الاثني عشرية وغير ذلك فالمشهد اليمني والمصري لا اختلاف بينهما.. بالاتجاه الآخر تأتي تونس كدولة مؤسسية أفضل بكثير مما كانت اليمن أو ليبيا عليه وربما كان المشهد التونسي قريب الشبه بالمشهد المصري مع وجود بعض الفوارق البسيطة.. ورغم هذا نعود فنؤكد أن التوافق الذي جرى في اليمن وبرعاية اقليمية ودولية ربما يكون هو المخرج الوحيد لغالبية بلدان الربيع العربي باستثناء تونس إن لم يستجد جديد ويطرأ طارئ لم يكن في الحسبان ولأسباب عدة نوجزها ان الاحزاب العربية وقواعدها لم تصل بعد إلى حالة النضج السياسي حتى تسلم بالامر الواقع في حال لم تحقق نتائج جيدة في الانتخابات تؤهلها للحكم. وفي مصر النموذج القومي والليبرالي شاهد حي على ما نقول، وكذلك كان حال اليمن فلم يرضخ الرئيس السابق وحزبه ويوافق على المبادرة ومسألة التقاسم إلا بعد مفاوضات وتهديدات وجولات مكوكية للمبعوث الدولي جمال بن عمر طال امدها كثيراً. ففي مصر فاز الإسلاميون بالانتخابات البرلمانية والرئاسية وكان يفترض ان تسلم التيارات الاخرى بالامر ويتركوا للاخوان فرصة، ولا يكون الحساب إلا عقب مرور نصف الفترة على أقل تقدير. بعد عامين يبدأ الناس في فتح الملفات والبدء بمقارنة الواقع أيام نظام مبارك ونظام الاخوان، لكن لأن نفس قادة الاحزاب العربية قصير ولا يمكنهم تقبل الاخر وبروح رياضية أو "ديمقراطية"، لذلك استعان هذا الآخر بالجيش الذي لم يقصّر فوقع الجميع في ورطة قد تدفع ثمنها كل التيارات والاحزاب المدنية التواقة للحرية والتي تحلم بقيام دولة مدنية. في ليبيا لم يستقر الحال رغم مرور قرابة عامين على التخلص من حكم القذافي فهناك ما تزال جيوب وعناصر يعقد أنها كانت ضمن الحكم السابق تقف حجر عثرة في طريق استكمال قيام دولة مدنية في ليبيا. وفي اليمن أيضاً ما تزال مخالب نظام صالح ممسكة بمفاصل عديدة للدولة، بل وتتهم الحكومة بقايا النظام السابق باستهداف ابراج الكهرباء وتفجير انابيب النفط والغاز والتقطع للمسافرين واختطاف الاجانب، وهكذا الحال لم يستقر بعد.. وأكثر ما يخشى المواطن العربي عموماً ان يصحو على واقع جديد أكثر ايلاماً وتعاسة مما كان عليه ابان الديكتاتوريات السابقة.. [email protected]