كاتب سعودي: تجار أميركا يرفعون أسعار الأضاحي    شاهد.. الأسطول الخامس الأمريكي ينشر مشاهد لإنقاذ طاقم سفينة غرقت بهجوم حوثي بالبحر الأحمر    أعجوبة مذهلة .. مغترب يمني يعود للحياة بعد اعلان وفاته رسميا    العيد يوم مختلف ؟؟    الرئيس الزُبيدي يستقبل جموع المهنئين بعيد الأضحى المبارك    حدث ما كان يخشاه عبدالملك الحوثي من فتح طريق الحوبان في تعز.. هل تعيد المليشيات إطباق الحصار؟    طقوس الحج وشعائره عند اليمنيين القدماء (الحلقة الثالثة)    هل يوجد قانون في السعودية يمنع الحجاج من الدعاء لأهل غزة؟ أمير سعودي يحسم الجدل    آخر موعد لذبح أضحية العيد وما يجب على المضحي فعله    رئيس تنفيذي الإصلاح بالمهرة يدعو للمزيد من التلاحم ومعالجة تردي الخدمات    الرواية الحوثية بشأن احتراق باص في نقيل سمارة.. مقتل وإصابة 15 شخصًا ومصادر تكشف سبب الحادث    الرئيس يؤكد المضي في سياسة "الحزم الاقتصادي" وعدم التفريط بالمركز القانوني والمالي للدولة    فرحة العيد مسروقة من الجنوبيين    حجاج بيت الله الحرام يتوجهون إلى منى لرمي الجمرات    نازح يمني ومعه امرأتان يسرقون سيارة مواطن.. ودفاع شبوة لهم بالمرصاد    كل فكر ديني عندما يتحول إلى (قانون) يفشل    الإصلاح: قدَرُنا كحزب وطني حَمَل على عاتقه حلم اليمن الجمهوري الكبير    شهداء وجرحى في غزة والاحتلال يتكبد خسارة فادحة برفح ويقتحم ساحات الأقصى    هيئة بحرية: تقارير عن انفجارين قرب سفينة قبالة ميناء المخا    جواس والغناء ...وسقوطهما من "اعراب" التعشيب!    تبدأ من الآن.. سنن عيد الأضحى المبارك كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم    "هلت بشائر" صدق الكلمة وروعة اللحن.. معلومة عن الشاعر والمؤدي    يوم عرفة:    ياسين و الاشتراكي الحبل السري للاحتلال اليمني للجنوب    يورو2024 : ايطاليا تتخطى البانيا بصعوبة    لامين يامال: جاهز لأي دور يطلبه منّي المدرب    وصلت لأسعار خيالية..ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأضاحي يثير قلق المواطنين في تعز    عزوف كبير عن شراء الأضاحي في صنعاء بسبب الأزمة الاقتصادية    سجن واعتقال ومحاكمة الصحفي يعد انتكاسة كبيرة لحرية الصحافة والتعبير    استعدادا لحرب مع تايوان.. الصين تراقب حرب أوكرانيا    جريمة مروعة تهز صنعاء.. مسلحون حوثيون ينكلون بقيادي بارز منهم ويقتلونه أمام زوجته!    مدير أمن عدن يُصدر قرارا جديدا    جماعة الحوثي تقدم "عرض" لكل من "روسيا والصين" بعد مزاعم القبض على شبكة تجسس أمريكية    صحافي يناشد بإطلاق سراح شاب عدني بعد سجن ظالم لتسع سنوات    تعز تستعيد شريانها الحيوي: طريق الحوبان بلا زحمة بعد افتتاحه رسمياً بعد إغلاقه لأكثر من عقد!    ثلاثية سويسرية تُطيح بالمجر في يورو 2024.    - ناقد يمني ينتقد ما يكتبه اليوتوبي جوحطاب عن اليمن ويسرد العيوب منها الهوس    بينهم نساء وأطفال.. وفاة وإصابة 13 مسافرا إثر حريق "باص" في سمارة إب    كبش العيد والغلاء وجحيم الانقلاب ينغصون حياة اليمنيين في عيد الأضحى    - 9مسالخ لذبح الاضاحي خوفا من الغش فلماذا لايجبر الجزارين للذبح فيها بعد 14عاماتوقف    أكثر من مليوني حاج على صعيد عرفات لأداء الركن الأعظم    أربعة أسباب رئيسية لإنهيار الريال اليمني    لماذا سكتت الشرعية في عدن عن بقاء كل المؤسسات الإيرادية في صنعاء لمصلحة الحوثي    ألمانيا تُعلن عن نواياها مبكراً بفوز ساحق على اسكتلندا 5-1    يورو 2024: المانيا تضرب أسكتلندا بخماسية    صورة نادرة: أديب عربي كبير في خنادق اليمن!    المنتخب الوطني للناشئين في مجموعة سهلة بنهائيات كأس آسيا 2025م    فتاوى الحج .. ما حكم استخدام العطر ومزيل العرق للمحرم خلال الحج؟    أروع وأعظم قصيدة.. "يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتموا يوم الرحيل فؤادي    مستحقات أعضاء لجنة التشاور والمصالحة تصل إلى 200 مليون ريال شهريا    نقابة الصحفيين الجنوبيين تدين إعتقال جريح الحرب المصور الصحفي صالح العبيدي    منتخب الناشئين في المجموعة التاسعة بجانب فيتنام وقرغيزستان وميانمار    الكوليرا تجتاح محافظة حجة وخمس محافظات أخرى والمليشيا الحوثية تلتزم الصمت    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    بكر غبش... !!!    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي صالح الجمرة: لن أنسى "البقشة" الحمراء طوال حياتي
نشر في المصدر يوم 31 - 08 - 2010

تنشر صحيفة "السياسية" الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" حوارات أسبوعية تتناول جوانب مخفية عن شخصيات سياسية واجتماعية عرفنا نصف حياتها لكننا لا نعرف شيئاً عن نصفها الآخر.

المصدر أونلاين وبالاتفاق مع الصحيفة ومع الزميل صادق ناشر الذي قام بإجراء هذه الحوارات يعيد نشرها، وفيما يلي الحلقة الأولى من الحوار مع الأستاذ علي صالح الجمرة.

* كيف يمكن أن يقدم لنا علي صالح الجمرة نفسه؟
أنا مولود في قرية الحضر في ناحية جبل الشرق آنس بمحافظة ذمار، وتمتاز قريتنا عن غيرها، إن جاز لي التعبير، في أنه ليس فيها أي أميين منذ حوالي سبعين سنة تقريباً، وهي هجرة، والهجرة تعني التعليم للجميع ماعدا من كان معتوهاً أو مجنونا، وهذه كانت نعمة من الله علينا في هذه المنطقة بالذات.

كما تتميز المنطقة بجمال الطبيعية، فحول المنطقة ست أو سبع عيون تقريباً، وعندنا واد جميل كان، يزرع فيه البن والرمان والفواكه المختلفة، والجو في القرية هادئ ويعطي طلبة العلم فرصة للتعليم، وقد أنشئت في القرية التي كنا فيها والقرى المجاورة مدارس علمية، وكان على رأس أساتذة المدرسة القاضي علي نسر الآنسي.

كانت مدرسة عجيبة تجدها لا هي شافعية ولا هي زيدية، مع أنها في المحيط الجغرافي تعتبر زيدية، لكنها كانت منفتحة، وتقوم على تدريس المذاهب المختلفة، وكان فيها مجتهدين وأناساً على مستوى عال من التعليم.

هذه المدرسة في طبيعة الحال كان الوالد القاضي زيد الجمرة، أحد أساتذتها، وابن خالي القاضي عبدالإله الجمرة، وهؤلاء كانوا جزءاً من المدرسة هذه، بالإضافة إلى السيد يحيى بن يحيى الدار الذي كان رئيس المحكمة الاستئنافية، الرجل الجريء في حكم الفتاوى الخاصة بقضية الربا وما ارتبط به من التعاملات المالية المعاصرة، باعتبارها معاملات ذات مصطلحات معينة لا تنطبق عليها ما كان يسمى "الربا" أيام الرسول وفي غيره، ولديه فتاوى في هذا الاتجاه ولديه صراع مع العلماء، يعني فيها نوع من الاجتهاد والجرأة في الرأي.

حفظنا القرآن في المدرسة وحفظنا المتون القديمة، وبدأنا بالإطلالات على بدايات الثورة المصرية ثم اليمنية.

* أين تأتي في الترتيب بين إخوتك؟
أنا الثاني بالنسبة للذكور، وأعتبر الأخير بالنسبة لوالدتي؛ لأن الوالدة -رحمها الله- أنجبت بنتين وولدين، أخي محمد يكبرني بعشر سنوات ثم أنا ثم توفت والدتي واضطر الوالد للزواج من ثانية فكان معي أخوان آخران هما عبد السلام وحارث.

ألعاب الطفولة
* هل تتذكر شيئاً من الطفولة، مثل الأناشيد والألعاب التي كنتم تمارسونها وأنتم صغاراً؟
كان هناك العديد من الألعاب، والكثير منها كنا نصنعها بأنفسنا، كان هناك "المراجيز" حق التمر نلعب بها، كنا نعملها على شكل مثلثات ونلصق عرض الجدار واحدة ثم كل واحد مننا يحاول أن يسقطها من عرض الجدار، ومن استطاع أن يرميها ويسقطها من عرض الجدار يأخذ الحبوب التي تحت، كنا نعمل حبات نواة التمر تحت الجدار أربع حبات، وهذه كانت تعتبر ثروة للذي ينجح في أن يسقط الحبة، ثم كان معنا لعبة "الخريرة"، وكانت من اليقطين، كنا نقطع اليقطين دوائر ونعمل لها خرق في وسطها ونعمل الخيوط حولها ونشدها، هذه كانت تسمى "خريرة"، كما كانت عندنا لعبة "جامل ياجامل"، هذه اللعبة كان كل واحد يطرح يديه على ركبته ثم يأتي الثاني ويقفز من فوق ظهره، وهكذا.

ومن الألعاب أيضاً كنا نعمل حلقة، كان واحد منا يتحول إلى (عمل دور) كلب أو أي وحش آخر ونحن نركض في وجهه، ومن استطاع إلقاء القبض عليه يخرجه من الحلقة.

* هل كانت هذه الألعاب خاصة بمنطقتكم أم أنها كانت شائعة في ذمار كلها؟
هذه الألعاب كانت شائعة كما يبدو لي في أكثر من منطقة في البلاد، وأنا اسمع بعض الإخوان في المناطق الأخرى أنهم كانوا يلعبوا بنفس الطريقة.

* هل نقلت هذه الألعاب إلى أبنائك؟
للأسف الشديد لا، لأنه لا يوجد في مجتمع المدينة ما هو موجود في مجتمع القرية.

* هل تتذكر فترة الالتحاق بالمدرسة؟
نعم، وكان يوما عجيبا، والدتي دعت ابن أختها أحمد ثابت الجمرة لأنه كان في نفس سني وكان وجود ابن خالتي معي تشجيعاً لي للذهاب إلى الكتًاب، وعندما وصلت إلى الكتًاب انسجمنا سريعاً مع أجواء الكتًاب، لأن المدرس كان خالنا، وهذه كانت نعمة إضافية، حيث لم نشعر بالغربة، على عكس الكثير من الأطفال، الذين كانوا يشعرون بوحشة الأيام الأولى، وبدأنا بدراسة القرآن من بداية "أبجد هوز" وحتى نهايته ومن ثم علومه.

* هل تتذكر أية مواقف طريفة حصلت لك أثناء الدراسة؟
هنالك بالطبع الكثير من المواقف الطريفة، وأتذكر أنني كنت أبكي مع الزملاء الأشقياء الذين كانوا يتعرضون للعقاب، فقد كنت أرحمهم لأنهم إخوتي، أي من أبناء قريتي، وكانت المدرسة في نفس القرية بجانب جامع القرية.

البقشة الحمراء
* كيف كانت أجواء الذهاب إلى المدرسة، هل كان هنالك حماسا أو قلقاً؟
لا، كان هناك تنافساً، وهذا التنافس كان يخلق نوعاً من الحماس، كان من يحفظ سورة من القرآن الكريم يحصل على تشجيع، أتذكر مرة أنني حفظت سورة "ياسين" كاملة؛ فقام القاضي زيد وهو عمي، فأعطاني بقشة حمراء، ولازالت هذه البقشة الحمراء في عيني حتى اليوم، وكأنها ذهب لأنها كانت جديدة، فعندما رأيت هذه البقشة تخيلتها حاجة كبيرة، فكوني أحصل على جائزة رغم أنها كانت في تلك الأيام تشتري بها حوالي عشر حبات نعنع، كان ذلك شيئاً كبيراً بالنسبة لي، لم أنس ولن أنسى طوال حياتي صورة البقشة الحمراء الجديدة التي حصلت عليها وأنا طفل.

* في أي عمر أتممت القرآن الكريم؟
أتممت القرآن الكريم وحفظته خلال أربع سنوات، وحينها كان عمري حين ختمت القرآن تسع سنوات.

* عندما ختمت القرآن، هل حدثت طقوس تخرج أو شيء من هذا القبيل؟
طبعاً كانت هناك طقوس عديدة، أولاً كانوا يعملون لنا نقشة كبيرة على اللوح، لأن الأستاذ حقنا كان عنده قدرة كبيرة على أن يعمل نقشات كبيرة على الألواح الخشبية ثم يكتب في مقدمة اللوح سورة "الفاتحة"، ثم يكتب تحتها الشهادة، يعني اللوح يقسمه نصفين، ويوم التخرج كنا نلبس اللباس الجديد، ثم بعد ذلك نركب على حمار ويبدأ التلاميذ يلتفوا حولنا ثم نبدأ بقراءة أنشودة يقول مطلعها:

الحمد لله ، الحميد المبدي ربي تعالى وسمي بالمجد
يسبح له طير الهواء والرعد والحوت في البحر وكل عبدي

وهذه كانت الأنشودة الخاصة لمن يتخرج من الكتاب ويختم القرآن الكريم كاملاً.

* هل لازلت تتذكر ذلك اليوم بتفاصيله؟
نعم، في ذلك اليوم كان لابد أن يذبح عجل صغير ويتم إطعام أطفال القرية كلها الذين يدرسون في الكتاب، كما يتم إطعام المدرس والواصل والجيران، وكان لا بد أن يعطى للمدرس ريال "فرانصي"، وكان ذلك بمثابة عرس يدعى إليه الأهل والأقارب، كانت فرحة قرية بأكملها، وتستمر لمدة يوم فقط.

* بعد التاسعة من عمرك إلى أين ذهبت؟
بعد بلوغي سن التاسعة واصلت الدراسة في المدرسة التي كانت في منطقتنا، وكانت أرقى قليلاً فقد كانت مدرسة تجويد القرآن وكان منشأها في الجامع هي تجويد القرآن، وقد حفظنا المتون، وتعلمنا متون النحو والصرف، وكانت الدراسة عبارة عن مراحل، بعد ذلك انتقلنا إلى مستوى أعلى، وهي دراسة تفسير القرآن والفقه، المرحلة الأولى، ونحن في كتاب القرية، كانت عبارة عن حفظ أكثر من كونها فهماً لأنها كانت فترة طفولة، أما في المدرسة فقد بدأنا نحفظ ما نقرأ ونفهمه.

كانت تشدنا حاجة إلى القراءة والفهم، دخول الراديو إلى بيتنا، وكان ذلك عام 1952 من الأشياء التي كانت تجعلني أرتبط بعد الظهر بالبقاء مع الناس في مجالس القات، لم أكن أتعاطى القات بالطبع، لكنني كنت أحضر مجالس القات من أجل الاستماع إلى إذاعة "صوت العرب".

أتذكر أنني كنت أسمع أخبار مصر، حينها كنت أستغرب من إطلاق صفة "البكباشي" على الرئيس جمال عبد الناصر، يومها كان على ما أعتقد رئيس وزراء أو شيئاً من هذا القبيل، وكان من طرائف تلك الأيام أننا كنا نعتقد أن البكباشي تعني "كبش كبير"، لأن كلمة "البكباشي" كانت كلمة جديدة علينا، وكطفل كنت أتخيل كيف يكون كبش ويقولوا إنه في الحكومة.

* هل تتذكر شيئاً من الماضي، مثل الدروس التي كنتم تدرسونها وطريقة التدريس؟
طريقة التدريس كانت تقليدية، أي بحسب الأصول المتبعة بنظام الدائرة، كان الشيخ يقعد، وكنا كتلاميذ نجلس حوله، كنا ندرس الفقه على هذه الطريقة، نقرأ مادة معينة أو فصلاً معيناً، ثم يبدأ الأستاذ (الشيخ) بشرح المادة أو الفصل، ويطلب من الذي لديه استفسار من الذي لم يفهم الدرس، أن يسأل، وهكذا، وكنا نأتي في اليوم الثاني فيناقشنا الشيخ في درس اليوم السابق لمزيد من التأكيد أننا فهمنا الدرس.

وكان يحصل بيننا كزملاء نوع من التنافس في من يحفظ أكثر من المتون من جهة ومن جهة أخرى استيعاب أكثر، وكان كل واحد يريد أن يكون الأول في الإجابة على أسئلة الأستاذ، وهذه مسألة كانت لها فائدتها، لأنها تستدعي أن نذاكر أكثر قبل أن نلتقي مع الأستاذ.

* كم كان عددكم في الحلقة حينها؟
حلقتنا كانت محدودة، كنا حوالي 12 شخصاً.

* عندما كنتم تعودون من المذاكرة، ما أول شيء كنتم تفعلونه؟
كنا في الصباح نشتغل في الحقول ولم نكن نذهب إلى المدرسة، بعد ماتجاوزنا مرحلة تحفيظ القرآن، كنا متفرغين لحين نكمل حفظ القرآن الكريم، والتجويد، كنا نساعد آباءنا في الحقول، كنا في الصباح نذهب لمساعدتهم في أعمال الزراعة، ثم نعود مع الظهر للغداء، ثم نذهب للدراسة، التي كانت تتركز مابين صلاة العصر إلى الساعة التاسعة في الليل.

* ارتبطت بالأرض، فكيف كانت العلاقة بينك وبينها؟
أحب الأرض وأحب الأشجار، وفي بيتي لا أستطيع أن أعيش بدون الأشجار، وكل يوم أمر على الأشجار وأمسحها، وأرى حالها، سواء شجرة البن، أم الرمان، لا أتخيل أنني يمكن أن أعيش بدون الأشجار الموجودة في حديقة بيتي وألا أتفقدها يومياً.

* هل كنت تنهض للذهاب فجراً للعمل فيها؟
ننهض للصلاة فجرا ثم للقراءة ثم للفطور ثم للأرض.

* كان هذا الوقت يبدأ من الساعة الرابعة مثلا؟
لا، كان الوقت مرتبطاً بصلاة الفجر، لأنه لم يكن عندنا تسابيح، كان أذان الفجر هو المؤشر وكل على ظروفه، الصيف في وقته والشتاء في وقته، فكان لازم على الواحد منا ان ينهض الفجر، وكان إذا تأخر أحدنا إلى ان يطلع الضوء يخجل من نفسه، لأنه سوف تفوته الدروس التي كانت تعطى بعد صلاة الفجر.

* الدروس كانت فقط قرآنا كريماً؟
الدرس كان قرآنا ثم فقها، لكن لا أذكر الساعة بالدقة، إنما كان يتم ذلك بعد صلاة الفجر، كان يعطي لنا درس تجويد القرآن ثم بعد ذلك درساً في الفقه، وبعد ذلك نتناول الفطور ونتجه إلى الحقول.

* ما ذا كانت طبيعة عملكم في الحقول؟
كانت مساعدة الأهل، سواء في إبعاد الزبل (الوبل)، الذي يأتي في (قطعة الأرض) ، كنا نسير بعد البتول الذي يحرث الأرض، نزيل الحشائش ونبذر الحب، يعني كعمل مساعدة، وكان هناك شخص أكبر منا يقوم بالعمل بإبعاد العتل الكبيرة، وكان لابد أن نحتك بهم وأن لانترك لوحدنا.

حكايتي مع شجرة البن
* ما حكاية ارتباطك بشجرة البن؟
ارتباطي بشجرة البن يعود لارتباطي بها منذ طفولتي، فقد ولدت وكبرت بجوارها، بالإضافة إلى شجرة الرمان، لهذا ينكت علي، كثيرون لاهتمامي بشجرة البن، فأقول لهم إنني ولدت تحت شجرة البن والرمان.

* كيف يتجسد اهتمامك بالبن؟
آخذ الفصيلة الممتازة وأغرسها، هذا بالنسبة للذي عندي في الحديقة الصغيرة في منزلي، ثم أعتني بها بأن أسقيها وأعتني بإبعاد كل الحشائش حولها، وأحرص دائماً على أن أعيش معها.

* صحيح أنك تقدم لضيوفك القهوة من شجرة البن الموجودة في منزلك؟
نعم، هذا صحيح، وهذا يأتي بعد أن أقوم بتجميع البن حق السنة كاملة بحدود ثلاثة أشهر في العام وأشرب البن وأضّيف ضيوفي من شجر البن الموجود عندي في البيت.

* متى انتقلت من مجتمع القرية إلى مجتمع المدينة؟
انتقلت فعلياً إلى صنعاء سنة الثورة، أي عام 1962، وكان عمري يومها 15 سنة بالضبط، كان الغرض من انتقالي إلى صنعاء هو الدراسة، حيث درست فيها لعدة سنوات، ثم ذهبت إلى مصر للدراسة، وكان المجيء إلى صنعاء ثم القاهرة نقلة فصلتني تماماً عن مجتمع القرية.

* كيف كان خروجك من قريتك الصغيرة إلى صنعاء، هل تتذكر تفاصيل الرحلة؟
الرحلة من القرية إلى صنعاء كانت من أصعب الرحلات لأنه لم يكن موجوداً أي طريق معبُد إلا من باجل بمحافظة الحديدة، وكان يجب أن نركب على سيارة يسمونها "عنتر ناش"، وكانت سيارة ضخمة، عثرنا على ناقلة متجهة إلى باجل كانت محملة بسمن وبن، من عتمة، وجلسنا فوق البن من مدينة العبيد سابقاً (مدينة الشرق حالياً) حتى باجل، وظلنا نسير طوال الليل، المسافة لم تكن تزيد عن 100 كيلومتر إلى باجل، لكننا قطعناها في ليلة كاملة.

عندما وصلنا باجل لم يكن هناك وجود لأية سيارات، باستثناء سيارة تابعة للجيش، يومها طلعنا فوق مواد التموين العسكري وإطارات السيارات التي كانت تقف في أكثر من مكان، وقد أسميت هذه الرحلة "رحلة العذاب"، لأنها استغرقت ليلة بكاملها ونصف نهار اليوم التالي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.