حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس    قرارات البنك المركزي لإجبار الحوثي على السماح بتصدير النفط    تعرف على قائمة قادة منتخب المانيا في يورو 2024    7000 ريال فقط مهر العروس في قرية يمنية: خطوة نحو تيسير الزواج أم تحدي للتقاليد؟    "حرمان خمسين قرية من الماء: الحوثيون يوقفون مشروع مياه أهلي في إب"    انتقالي حضرموت يرفض استقدام قوات أخرى لا تخضع لسيطرة النخبة    فيديو صادم يهز اليمن.. تعذيب 7 شباب يمنيين من قبل الجيش العماني بطريقة وحشية ورميهم في الصحراء    فضيحة: شركات أمريكية وإسرائيلية تعمل بدعم حوثي في مناطق الصراع اليمنية!    أرواح بريئة تُزهق.. القتلة في قبضة الأمن بشبوة وتعز وعدن    مسلحو الحوثي يقتحمون مرفقًا حكوميًا في إب ويختطفون موظفًا    حرب وشيكة في الجوف..استنفار قبلي ينذر بانفجار الوضع عسكرياً ضد الحوثيين    المجلس الانتقالي يبذل جهود مكثفة لرفع المعاناة عن شعب الجنوب    الدبابات الغربية تتحول إلى "دمى حديدية" بحديقة النصر الروسية    عن ماهي الدولة وإستعادة الدولة الجنوبية    الوضع متوتر وتوقعات بثورة غضب ...مليشيا الحوثي تقتحم قرى في البيضاء وتختطف زعيم قبلي    إنجاز عالمي تاريخي يمني : شاب يفوز ببطولة في السويد    رفض فئة 200 ريال يمني في عدن: لعبة القط والفأر بين محلات الصرافة والمواطنين    صحفي يكشف المستور: كيف حول الحوثيون الاقتصاد اليمني إلى لعبة في أيديهم؟    حرب غزة.. المالديف تحظر دخول الإسرائيليين أراضيها    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    بحضور نائب الوزير افتتاح الدورة التدريبية لتدريب المدربين حول المخاطر والمشاركة المجتمعية ومرض الكوليرا    - الصحفي السقلدي يكشف عن قرارات التعيين والغائها لمناصب في عدن حسب المزاج واستغرب ان القرارات تصدر من جهة وتلغى من جهة اخرى    شرح كيف يتم افشال المخطط    بدء دورة تدريبية في مجال التربية الحيوانية بمنطقة بور    "أوبك+" تتفق على تمديد خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و439 منذ 7 أكتوبر    ولي العهد الكويتي الجديد يؤدي اليمين الدستورية    رصد تدين أوامر الإعدام الحوثية وتطالب الأمم المتحدة بالتدخل لإيقاف المحاكمات الجماعية    الملايين بالعملة الصعبة دخل القنصليات يلتهمها أحمد بن مبارك لأربع سنوات ماضية    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    أولى جلسة محاكمة قاتل ومغتصب الطفلة ''شمس'' بعدن    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروفيسور الإقتصاد سيف العسلي: ديمقراطية الرئيس أقصتني من المالية واليمن على مشارف الخطر

نشرت [المصدر] قبل عددين من الآن، وعلى حلقتين مطولتين، تقرير وزير المالية المرفوع للحكومة، حول تأثير الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد اليمني.. ولما فيه من معلومات – قد تكون هامة للحكومة – إلا أنه أتسم بالضعف، والمغالطات – حسب اعتقاد بعض الاقتصاديين المتابعين. وفيما كشف التقرير عن ارتفاع كبير في عجز الموازنة العامة، فقد خلص إلى تبرير ضرورة رفع الدعم عن المشتقات النفطية.

وكنا وعدنا القراء بمواصلة مناقشة هذه القضية الهامة التي تمس البلاد والعباد.. وعليه فإننا وفي هذا العدد، رأينا أن نبدأ النقاش مع بروفيسور الاقتصاد، الدكتور/ سيف العسلي.
وشغل العسلي، مواقع اقتصادية عديدة، انتهت به وزيراً للمالية في فبراير 2006 ، لكنه أقصي من هذا الموقع في التعديل الحكومي التالي أبريل 2007 ، واستقر حالياً كمستشار اقتصادي لرئيس الجمهورية..
وفي هذا الحوار، هاجم "العسلي" التقرير الحكومي بشدة وقسوة. وأعتبره مغالطات، متهماً من أعده وصاغه، ووضع أسسه، بالجهل والغباء. وأكد أن رفع الدعم عن المشتقات النفطية، لن يكون الحل الأمثل، فيما الموازنة العامة مختلة وغير مرتبة بشكل صحيح، مذكراً بما حدث من رفع سابق للدعم، لكن العجز ما زال قائماً.

العسلي الذي يُعتقد أنه أقيل من المالية، بسبب مواجهته جبهة الفساد المتغلغلة في جهاز الدولة، ركز كثيراً على إصلاح الضرائب، وكان في عهده الوزاري، أقال ما أعتبرهم عصابة الفساد في مصلحة الضرائب، لأنه يؤمن أن الضرائب التي تجمعها الدولة لا تساوي سوى 20 % من الضرائب المستحقة التي تبلغ (تريليون ريال)، وليست تلك التي تجمع سنوياً والبالغة
فقط 300 مليار ريال، وبضعة ملايين.

ليس ذلك فحسب.. أيضاً، هاجم الرجل أسلوب الحكومة والبنك المركزي، في التعامل مع أذون الخزانة. لكنه قدم حلولا إدارية من ستة محاور، قال أنها مقدمة هامة للوصول إلى المعالجات المالية والاقتصادية.. وهو تحدث كثيراً عن الفساد ودوره في إنهاك الموازنة العامة للدولة. وأكد أن العجز الحاصل فيها، لا يمكن علاجه في ظل هذا الإنفاق الحكومي العبثي، غير الربحي. وقال أنه
كان يملك خطة لمعالجة الأوضاع خلال خمس سنوات، لكنه أقصي من الوزارة بعد عام واحد فقط..!! ولماذا؟ أكد أنه لا يعلم. لكنه مع ذلك كله، نزه رئيس الجمهورية، واعتبره بريئاً من كل ما يحدث..!! بل أنه على يقين تام، من أن الرئيس سيتخذ قراره المناسب في مرحلة ما.. وإذ قال أنه لا يدري متى سيكون ذلك.،لكنه أكد أن هذا القرار الذي قد يكون أصعب من كل قراراته السابقة، سيكون هو القرار المجدي لإنقاذ البلاد.

قد يكون من الغريب أن الرجل الذي يتحدث عن الاقتصاد بسلاسة وطلاقه، ويشخص الداء، ولا يعجز عن أن يصف له الدواء..الرجل الذي اعتبر كل ما تقوم به الحكومة غباء، وجهل.. ما زال متفائلاً بأن اليمن لم تنزلق بعد لمرحلة الخطر، بل يؤكد أنها حالياً ما تزال على مشارفه..والأغرب من ذلك – ربما – أنه ومع كل تلك الحصافة والذكاء الذي يمتاز به، في علم الاقتصاد،
ظل يحاول، حتى النفس الأخير – من هذا اللقاء – من أقناعنا بالانتظار.. انتظار قرار الرئيس الصعب الذي يؤمن أنه سيتخذه قريباً جداً..

إلى الحوار:

- سببت تداعيات الأزمة المالية العالمية الأخيرة – ديسمبر 2008 – الكثير من المخاوف لتداعياتها السلبية، لدى دول العالم.. بالنسبة لليمن، ظلت المخاوف بعيدة إلى حد ما، بسبب ما يعتقد البعض أن بلادنا لا توجد لها ارتباطات مالية وتجارية خارجية تبلغ حد تأثرها.. مار أيكم في ذلك؟
= في ظل العولمة، فإن الحديث القائل بعدم تأثر اليمن بهذه الأزمة العالمية، يعد حديثاً غير صحيح، لأن اليمن موجودة على الأرض، وليست على المريخ أو القمر.. واليمن تستهلك 70 % من إحتياجاتها من الخارج. كما أن بلادنا تعتمد على سلعة واحدة تمثل 95 % من صادراتها وهي البترول. واليمن لها مغتربون كثر في الخارج يشكلون حوالي 30 % من مصدر العملة الأجنبية. واليمن تعتمد على القروض والمساعدات الخارجية في كافة المجالات.. ولكل هذه الاعتبارات وغيرها، لا يمكن القول أن بلادنا بمنأى عن الأزمة المالية العالمية، ومن يقول بذلك فإنما يخادع نفسه.


- هل يمكن التوضيح أكثر، من خلال الإجابة على تساؤل ملح وهو: من أي جهة سيكون التأثير أكبر؟
= التأثير يأتي أولاً – كما اعترفت الحكومة – من انخفاض إيرادات النفط. وهو ما سيؤثر على الواردات، وبالتالي على الموازنة العامة للدولة. ثانياً: انخفاض المساعدات الخارجية.. أو بمعنى أصح، أن الكثير ممن وعدو بتقديم مساعدات خارجية قد لا يفون بوعودهم نظراً لكونهم سيعطون الأولوية لمواجهة احتياجات اقتصادياتهم. أما ثالثاً: فإن قيمة الريال اليمني ستتأثر حتماً، بسبب هذه الأزمة نتيجة لانخفاض، مصادر النقد الأجنبي، سواء من المغتربين أو من الصادرات اليمنية. والكل يعرف أن تذبذب قيمة الريال اليمني هي الكارثة الكبرى خصوصاً وأن معظم اليمنيين هم الآن إما في الفقر أو على حافة الفقر. وبالتالي فإن أي تغيير في قيمة العملات سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهو ما سيدخل البلاد في أتون أزمات أكبر بكثير من الأزمات التي من الممكن أن تعانيها الدول الغنية نتيجة لهذه الأزمة الاقتصادية. وأعتقد أن مؤشرات ذلك قد بدأت من خلال الانخفاض الحاد والسريع في احتياطي اليمن من العملات الصعبة. ولا أعتقد - إذا استمرت الأوضاع على هذا الحال - أن البنك المركزي سيكون قادراً على المحافظة على سعر الصرف. وإذا ما حصل إي اهتزاز في سعر الصرف فإن ذلك سيؤدي إلى اضطراب كبير. خصوصاً وأن البنك المركزي لا توجد لديه خطة لمواجهة ذلك. وربما أنه لا يفكر بها حتى..!! وليس لديه القدرة على التأثير، وهنا ستتداخل العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لتضع البلاد في أتون أزمة لا يعلم مداها إلا الله.


- نشرت صحيفة "المصدر" قبل أسبوعين، وعلى مدى حلقتين موسعتين، تقريراً حكومياً حديثاً قدم في الأشهر الأولى من هذا العام، من جهة وزير المالية نعمان الصهيبي، إلى الحكومة حول تأثيرات الأزمة المالية العالمية على الوضع المالي للبلاد.. لوحظ أن التقرير – أتوقع أن تكون قد أطلعت عليه – ركز في معظمه على تأثر الوضع المالي للبلاد من زاوية واحدة وهي: النفط. أولاً بسبب انخفاض أسعاره عالمياً، وتالياً بسبب استمرار انخفاض الناتج المحلي من النفط الخام.. وفي الحلول ركز أكثر على ضرورة معالجة التشوهات السعرية الحاصلة في دعم الحكومة للمشتقات النفطية.. كيف ترى الأمر من جهتك بهذا الخصوص؟
= نعم أطلعت على التقرير الذي أشرت إليه. لكني وجدت أن هذا التقرير يدل على ضعف مستوى من يرسم السياسة المالية في البلاد. وهو يدل على أن تلك العقلية أشبه ما تكون بعقلية أمين الصندوق، الذي فقط يهتم بالمقارنة بين الداخل والخارج. وفي الحقيقة أن توصيات هذا التقرير، وقراراته، تدل على جهل فضيع بمبادئ وأسس السياسة المالية المتعارف عليها في العالم. ونحن نعرف أن السياسة المالية تقوم على أساس أن الدولة يجب أن تتصرف على عكس ما يقوم به الأفراد. بمعنى أنه عندما ينفق الأفراد يجب على الدولة أن تدخر أو تقلل من الإنفاق. وعندما يقلل الأفراد من إنفاقهم فعلى الدولة أن تزيد من الأنفاق حتى تمنع التذبذب. لكن ما ورد في هذه "الورقة" المسماه تقرير، هو غباء بكل ما تعنيه الكلمة. فالدولة بدلاً من أن تخفيف الأزمة، زادت الطين بله، وكما يقول المثل "جاءت تكحلها عمتها".

- هل تشير في ذلك إلى تلك الحلول والمعالجات الواردة في التقرير أم ماذا؟
= الحلول، التشخيص، والرؤية، والسياسات المالية الواردة في التقرير بشكل عام.. فتشخيص الأزمة واقتصارها على قضية النفط فقط، هو أمر غير سليم. لأن النفط زاد في الماضي، وزادت أسعاره عالمياً، لكن الأزمة ظلت على ما هي عليه دون أن تحل..!! وبالتالي لا يمكن القول أن سبب الأزمة فقط، هو تذبذب أسعار النفط فقط، وإن كان ذلك يؤثر فعلاً، لكن تأثيره يتطلب معالجات عامة، وهذه المعالجات كنا قد بدأنا بها حينما كنت وزيراً للمالية..

- ماهي تلك المعالجات؟
= كانت تهدف إلى إعادة هيكلية الموازنة العامة بحيث يكون هناك توازن بين الإنفاق الاستثماري والإنفاق الجاري سواء من حيث النسب أو من حيث المجالات التي يتم الإنفاق فيها. نحن نعرف أن الدولة أصبحت هي الموظف الأخير، وأنها خلطت بين وظيفة الرعاية الاجتماعية وبين وظيفة أداء الخدمات العامة، فأصبحت توظف فقط لأسباب سياسية أو لأسباب إجتماعية مما أدى إلى أن عدد موظفي الدولة أصبح يفوق المليون، لكن تأثيرهم الفعلي لا يوازي حتى 200 ألف على الأقل. وبالتالي فكثير من الموظفين موجودون في كشوفات المرتبات بينما أنه لا وجود لهم. إلى جانب أن هناك موظفون يحضرون لبعض الوقت أو لا يحضرون، وهناك مشكلة خطيرة جداُ، وهي فريدة في اليمن وأقول ذلك بمعنى الكلمة، وهي أن المتعلمين والنخب، الذين بذلت الدولة الأموال الكثيرة في تعليمهم وتدريبهم، تحولوا إما إلى مستشارين أو إلى "خليك في البيت" وهؤلاء هم نخبة المجتمع الذين كانوا قادرين على قيادة البلاد..!! ولاشك أن مثل هذا الأمر يسبب خسارة للمجتمع من خلال حرمان المجتمع من خدماتهم من ناحية، كما يسبب ظلم لهم من ناحية أخرى، لأن الكثير منهم - حتى - لم يتم إبعادهم لأسباب سياسية، وإنما لأسباب شخصية..!! فالوزير أو المدير العام، أو مدير المؤسسة، لا يريد ذلك الشخص فيقوم بإبعاده بكل بساطة..!! وهذا الشخص لا يجد من يلجأ إليه حتى يرفع عنه ظلمه، وأصبح الكثير منهم الآن "معلقين" بكل ما تحمله الكلمة من معنى: لا هو موظف،ولا هو غير موظف..!!

- ماذا تقصد؟
= لا هو موظف قد استفاد منه وطنه واستفاد هو لنفسه، لأن المرتبات التي تعطى لهم قليلة جداً ولا تكفي بالكاد لمواجهة مطالبه الأساسية..!! ولا هو غير موظف، بحيث يبحث له عن وظيفة أخرى..!! وتأتي أهمية ذلك، بسبب أن هناك انحراف في المرتبات والأجور، مقارنة بالمكافاءات والعلاوات، والنثريات وغير ذلك،.. فهذه الأخيرة الواقع أنها تفوق المرتبات المخصصة، بعشرة أضعاف، أحياناً.. ولا يحصل عليها إلا "علية القوم"..

- مثلاً؟
= مثلاً.. إذا كان الوزير مرتبه 300 ألف، فإن هناك بعض الوزراء يتقاضون بالملايين..!! والسبب أن الأموال تركز بيد الوزير ومكتبه والشئون المالية..

- معنى ذلك أن الحديث عن إمكانية إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية، لن يكون مجدياً، بسبب أن الفساد القائم في الجهاز الإداري، وترهله، وكذا غياب الرقابة عليه، يلتهم ما يمكن أن تحققه تلك الإصلاحات.. هل هذا – ربما - ما تريد أن تؤكده؟
= بل أقول أن هناك عبث كبير داخل الموازنة العامة، يؤدي إلى وجود هذا الخلل، الذي تتحدث الحكومة عنه، وهو العجز القائم في الموازنة، والذي حاولوا أن يعزوه أساسا لانخفاض إيرادات النفط فقط.. وهذا ليس صحيحاً. وإنما هذا العبث الكبير، هو الذي يؤدي إلى زيادة العجز من ناحية، وإلى زيادة الظلم من ناحية أخرى، وإلى عدم الاستفادة من القوى البشرية على الوجه المطلوب، ويجعل من الصعب التخلص من هذه النفقات العبثية، لأن المستفيد منها هم أصحاب النفوذ. وبالتالي هناك إختلالات كبيرة في الموازنة العامة، يمكن إصلاحها بحيث يمكن أن تخفف من العبء، أو ما يسمى بالعجز، وعدم الاعتماد على النفط فقط .. هذا جانب. ومن جانب آخر كنت مازلت أقول وأؤكد أن الضرائب التي يتم تحصيلها لا تساوي 20 % من الضرائب الحقيقية المستحقة للدولة، والتي ستعوض العجز الحاصل وكل ما تم خسارته من الإيرادات نتيجة انخفاض أسعار أو إنتاج النفط.

- بالحديث عن هذا الأمر.. لماذا لم يتم إحداث مثل هذه المعالجات – فيما يخص تحصيل الضرائب المستحقة- حينما كنتم على رأس وزارة المالية..؟
= يا أخي.. كنت قد بدأت بعملية إصلاح للضريبة بأن بدأت بالقضاء على عصابة الفساد في مصلحة الضرائب حينها.. وللأسف الشديد استطيع القول أنه قد تم إعادتها الآن..!! وهي عصابة منظمة في مصلحة الضرائب وتعمل على تقسيم الضرائب بالمناصفة.. نصف للدولة ونصف لها..!! وهي توزع على مستويات مختلفة من المسئولين في هذه العملية بوضوح..!! وكل دافع ضريبة، وكل محصل للضريبة يعلم ذلك..!! وكنت أزحت تلك العصابة، وبدأت بعمل خطة لتحصيل الإيرادات الضريبية، تقوم على أساس إدخال الحاسب الآلي في العملية، مع تعديل الضرائب الأخرى مع تطبيق ضريبة المبيعات، بحيث نصل إلى أن ما يدفعه المكلف من ضريبة، يكون عادل ومعقول.. ويطبق على الجميع دون استثناء وبنفس النسبة. وهو ما يعني أيضاً القضاء على الفساد الموجود في مصلحة الضرائب.. غير أن هذه الإصلاحات وهذه العملية التي كنت بدأتها، تم إحباطها تماماً بعد خروجي من الوزارة.. والآن وبعد سنتين تم أيقاظ ضريبة المبيعات، لإصلاح الضرائب، ولكن دون أن يتم إصلاح أي شيء..!! مع أن الجميع يعرف – من رئيس الحكومة إلى من هو دونه – أن هناك عبثاً كبيراً في الضرائب، لكنهم لا يعملون شيئاً..!!

- هل يمكن أن تغني عملية إصلاح تحصيل الإيرادات الضريبية عن نية الحكومة في رفع الدعم عن المشتقات النفطية مثلاً؟
= قبل أن نتوجه إلى رفع الدعم عن المشتقات النفطية – كما تقول الحكومة- أو بدلاً من زيادة الأعباء على المواطنين.. فلماذا لا تقوم بعملية إصلاح حقيقية للضرائب. وذلك لأني أؤمن أن مصلحة الضرائب هذه فاسدة بكل ما تعنيه الكلمة.

- كم تتوقع أن تتحصل الدولة من الإيرادات الضريبية فيما لو تم تحصيل الضرائب الحقيقية؟
= ما يتم تحصيله حالياً حوالي 300 مليار، وهو كما قلت سابقاً أنه يمثل حوالي 20 % فقط من الضرائب الفعلية، بمعنى أن الضرائب الحقيقية فيما لو حصلت ستصل تقريباُ إلى التريليون..

- أي نصف الموازنة العامة؟
= بالضبط..

- مؤخراً – كما تفيد المعلومات – أن رئيس الوزراء أجتمع – ألأثنين قبل الماضي - مع قطاع التجار، وتم الإتفاق على تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الضريبية، ومنها تطبيق ضريبة المبيعات، وتعديل ضريبة الأرباح.. هل تعتقد أن مثل هذه الإجراءات تصب في إتجاه الإصلاحات المطلوبة في مجال الضرائب؟
= هذه كلها حيل، وهروب من تطبيق عملية الإصلاح الضريبي الحقيقي.. والتي تكمن بأن المكلفين يمسكون دفاتر قانونية موقع عليها من محاسبين قانونين معترف بهم، وقوائم مالية صحيحة. وبالتالي في هذه الحالة، إذا فرضت عليهم الضريبة، فإنها سترتفع عندما يتحسن النشاط الاقتصادي، وستنخفض بانخفاضه. بينما أن الضريبة التي يتم تحصيلها حالياً هي ضريبة تخمينية مقطوعة، تقديرية. وبالتالي لا علاقة لكل هذه القوانين بالإصلاح الضريبي لا من قريب ولا من بعيد. ما يحصل الآن هو: كم كانت ضريبتك في العام الماضي، عليك أن ترفع 5 %. وإذا رفضت ترفع 100 %، وإذا دفعت حق "بن هادي" تدفع 5 % فقط سواء كانت تستحق هذه الضريبة أم لا تستحق..!! لأن بعض التجار يستحق أن ترفع ضريبته أحيانا 100 % بحكم أن نشاطه تحسن، وفي أوقات أخرى يجب أن تخفض الضريبة عنه، أو تلغيها مثلاً إذا تعرض للخسارة. ولكن لأن هناك جمود في هذا الأمر، يتم التعامل مع الضريبة على نحو: ما دفعته العام الماضي تدفع نسبة زيادة عليها هذا العام بغض النظر عن نشاطك..!! وهذا ما يجعل التجار يخفون حساباتهم ويرفضون عرضها لأنه في حال تم ذلك، ولم يدفعوا الرشاوى، ستلغى هذه الحسابات وتقدر عليهم حسابات مهولة..وهذا ما يجعلنا نجزم أن العملية برمتها تكشف أن مصلحة الضرائب فاسدة بكل ما تعنيه الكلمة.

- لماذا لا يمكن إعتبار الأمر على نحو آخر: أن التجار لديهم نفوذ كبير في الدولة، من ناحية، ومن ناحية أخرى أن المسئولين أنفسهم يمتلكون أنشطة تجارية وبالتالي يتم التعامل مع الأمر بهذه الطريقة توخياً لمصالحهم الخاصة..؟
= لا لا.. يجب أن نميز بين الفساد الحاصل في هذا الجانب، وبين نفوذ التجار . نفوذ التجار يمكن أن يظهر من خلال عرقلة القوانين أو تخفيض نسب الضرائب قانونياً، وهذا حاصل، وهو من حقهم، مثلاً من خلال تشكيل لوبي ضاغط، لدى الرئيس أو الحكومة من أجل ذلك وهو من حقهم. بينما أن الفساد عندما يلجأ التاجر لدفع الرشاوى بحيث تقسم الضريبة نصف للدولة ونصف له. وأنا أتحدى أي رجل أعمال أو تاجر يقول أنه لا يدفع الرشاوى..!! أو أنه يقدم للدولة الضريبة الحقيقية. وهذا هو الفساد الذي أتحدث عنه تحديداً. إذن القانون هنا لا قيمة له لأنه لا يتم تطبيقه. وأصبحت هناك قواعد فاسدة هي التي تحكم العلاقة بين مصلحة الضرائب وبين التجار. والغريب أن جميع التجار مجمعين وموافقين على ذلك. فإذا كانت الحكومة راضية والتجار راضين، فمن الذي سيقوم بهذه الإصلاحات.. وفي نهاية الأمر فإن المتضرر هو المواطن.ز!! وأعتقد أن الإشكالية الحقيقية تكمن هنا. لأنه لو كان الفساد من البعض دون البعض، فإن الأمر سيختلف، حيث أن من يطبق عليهم القانون – وهم غير فاسدون – سيرفضون الفساد الذي يمارس مع البعض.

- إذا كان الأمر كذلك.. فما هوالحل إذن؟
= الأمر بحاجة إلى تدخل من القيادة العليا..

- تقصد الرئيس؟
= نعم.. من الرئيس. لماذا لا يشرف الرئيس على الضرائب مباشرة..؟ لأن الأمور أصبحت فوق طاقة المعقول. ومن ينكر ذلك عليه أن يتابع موظفي الضرائب: من أين جاءت لهم هذه الأموال؟ وأنا أستغرب ما الدور الذي تقوم به هيئة مكافحة الفساد هذه؟ ربما هي فاسدة بنفسها،لأنها ترى الفساد أمام عينها ولا تعمل شيء..! وتقول النظام والقانون.. أي نظام وأي قانون يشرع للفساد..!! ولماذا وجدت؟ هل وجدت فقط لتعطي مكافاءات لأعضائها؟ لماذا لا تقوم هيئة مكافحة الفساد بمطابقة الذمة المالية التي قدمت لها، وبين الواقع..؟ ما قيمة قانون الذمة المالية إذا كانت ستوضع في الإدراج أو تظل سرية؟؟

- تحدثت كثيراً عن ضرورة إصلاح عملية التحصيل الضريبي.. ودعوت الحكومة لإصلاح هذه العملية أولاً، قبل التوجه لإحداث إصلاح للتشوهات السعرية، ورفع الدعم عن المشتقات النفطية..هل يعني أنك لست مع رفع الدعم؟
= مشكلة دعم المشتقات النفطية، هي مشكلة مختلفة وغير مرتبطة بالموازنة، وغير مرتبطة أيضاً بالأزمة المالية..ذلك أن من أهم وظائف الدولة – باسم المجتمع - هو تقديم الرعاية الاجتماعية للمواطنين، بحيث تضمن أن المواطن العاجز يجب أن يحصل على مستوى معيشة مقبول. إذن الدولة الآن تقدم دعم للمشتقات النفطية بحوالي 500 مليار ريال - وليس كما قيل العام الماضي أنه 800 مليار، فهذا كذب، وافتراء – وهذا المبلغ (500 مليار ريال) كبير فعلاً. قد يكون من الأفضل تحرير تلك السلع، لأنه صحيح يؤدي إلى تهريب تلك المشتقات، وإلى الإهدار، وإلى سوء الاستخدام.. وأيضا لأن من يحصل على هذا الدعم هم الناس الذين يستخدمون المركبات. وكما قلت قد يكون من الممكن تحرير هذه المشتقات ولكن السؤال هو: أين ستذهب هذه الإيرادات؟ إذا ذهبت لتمويل الفساد، أو لتمويل أنشطة لا يحتاجها المجتمع أو لا تعود بالنفع عليه.. فهي ضرر. أما إذا ذهبت للفقراء، للمساكين، للمحتاجين..فهو خير. لكننا نرى – اليوم - أن آلية الضمان الاجتماعي فاشلة. فمعظم من في كشوفات الضمان هم المشايخ، والمتنفذين، وقليل من الفقراء. وعليه فإنه وقبل مناقشة رفع الدعم، لابد أولا ًمن مناقشة تصحيح آلية الضمان الاجتماعي. ما يخصص للضمان حالياً هو 20 مليار، ومع أنه مبلغ تافه إلا أن من يحصل على معظمه هم المتنفذون..!! إذن لابد أولاً أن نضمن تخصيص مبلغ 100 مليار، والأفضل 200 مليار ريال لتصل إلى الفقراء الحقيقيين. وبحيث يتم بين الوقت والآخر متابعة المقيدين بشبكة الضمان الإجتماعي، لتصحيحها من خلال حذف من لم يعودوا فقراء، وإضافة فقراء حقيقيين آخرين. لكن ما يحدث – في الوقت الحاضر - هو غير ذلك. ومن يتم تسجيله في هذه الشبكة يظل إلى الأبد..

- المعروف أنه قد تم رفع الدعم عن المواد الغذائية الأساسية، وتم رفع الدعم عن المشتقات النفطية – المرحلة الأولى – والسؤال هو: مالذي استفاد منه المواطن البسيط من ذلك؟
= لم يستفد منه شيئاً. ورفع الدعم الآن - من واقع الأرقام - سوف يؤدي إلى كارثة. لأن الرفع سيؤدي إلى اشتعال الأسعار، وحتما سيتأثر بنارها المواطن الفقير..

- هناك خلاف حول هذه الجزئية.. إذ يرى طرف - كما تقول - أن المواطن الفقير لابد وأن يتأثر برفع الدعم، بينما يؤكد طرف آخر – وهم غالباً الطرف الداعم لتحرير المشتقات النفطية – أن المواطن الفقير لن يتأثر كثيراً بحكم أن الدعم يستفيد منه حوالي 90 % من غير الفقراء، حسب ما جاء في تقرير وزير المالية للحكومة، والذي يتركز هذا الحوار حوله..
= أعود وأقول أن رفع الدعم سوف يؤدي إلى رفع الأسعار، والمواطن الفقير هو الأكثر تضرراً نسبياً من ذلك، لأن السلع الأساسية تمثل 60 – 70 % من موارد الدولة. بالنسبة للأغنياء فإن أرتفاع الأسعار، قد لا يؤثر عليهم كثيراً. إذن أؤكد مرة أخرى أن الدولة لو أخذت جزء من ذلك الدعم - الذي سيتوفر من تحرير المشتقات النفطية - وأوصلته إلى الفقراء الذين سيتضررون. فإنه من الممكن أن تحسن من مستوى معيشتهم على ماهي عليه الآن، وبالتالي سيتم تعويضهم عن تلك الزيادة التي ستطال الأسعار، وربما زيادة. الأمر الآخر، أنه يمكن أن تستخدم الفائض لديها من رفع الدعم، لتحسين خدمات الصحة والتعليم، والخدمات الأخرى التي يستفيد منها المواطن الفقير. وفي هذه الحالة سيكون رفع الدعم مبرر. على أن ذلك لن يقدم أو يؤخر شيئاً فيما لو ظلت الموازنة على هيكليتها الحالية، بدون إحداث إصلاحات جوهرية عليها. ولكن إذا تغيرت الموازنة وأصبحنا ننفق على الدعم الاجتماعي – كما أسلفت – 200 مليار بدلا من 20 مليار، فالأمر سيتغير حتماً. بمعنى آخر: إذا أخذنا هذا المال المحرر، ولم ننفقه على شراء السلاح – مثلاً – أو أي شيء عبثي آخر.. وانفقناه على المستشفيات (وهذه المستشفيات لأصحاب الدخل المحدود) فإن خدمات الصحة ستتحسن وبالتالي استفاد منها المواطن الفقير. وبالمثل: إذا أنفقنا هذه الأموال على الأطباء، والمدرسين في الأرياف، مثلاً ، سيعمل ذلك على تحسين الصحة والتعليم، وهو مما لاشك فيه أن عائده سيكون كبيراً على المواطن.

- لكن الحكومة تفتخر اليوم أنها خفضت بعض بنود النفقات في الموازنة العامة، والتي وصفتها بغير الحتمية، بنسبة 50 %.. والمعلوم أن ذلك قد يطال أيقاف مجموعة من المشاريع التنموية، ربما بما فيها المدارس والمستوصفات في المحافظات والأرياف.. ألا يتعارض ذلك مع ما تقوله أنت؟
= هذا هو الغباء بعينه، لعدة نواح. أولاً: هذا التخفيض أدى إلى إشاعة الخوف لدى الناس. ثانياً: أنه تخفيض أعمى لا يميز بين الضروري وبين غير الضروري. ثالثاً: أنه لم يطبق بشكل صحيح، بل طبق على بعض الجهات، بينما لم يتم تطبيقه على بعض الجهات النافذة. رابعاً: أن أثره طال المشاريع الإستثمارية. وبالتالي كان على الحكومة أن لا تتخذ مثل هذا القرار الغبي، لأن اضراره كانت أكثر من فوائده، بل إنه لا فوائد له على الإطلاق. ولازال الواقع يقول أن العجز في الموازنة مازال كبيراً على الرغم من ذلك الإجراء..!! وهذا يؤكد أن ما ذهبنا إليه – بداية – من أن من يدير السياسية المالية للبلاد، ليس لديه خبره بأسسها.
وكان يفترض بسبب الأزمة المالية العالمية – كما عملت السعودية، وغيرها – أن الإنفاق الحكومي لا ينخفض، بل يرتفع، من أجل تعويض العجز..!! الواقع أنه كان هناك انكماش والحكومة زادت الانكماش، انكماشاً، وهذا خطأ فادح.

- الحكومة أرادت من تخفيض النفقات، مواجهة العجز، لإبقاء العجز في حدوده الأمانة، كما ذك التقرير؟
= الموازنة العامة ليست أمانة صندوق. لأنها يجب أن تأخذ في عين الاعتبار آثار الأنفاق العام على الإقتصاد. ولذلك لماذا أعطي لها أن تقترض من الناس عن طريق أذون الخزانة؟ وذلك من أجل مواجهة هذه التذبذبات. لكنها لم تستخدمها الاستخدام الصحيح. فكان البنك يصدر أذون الخزانة عندما يكون هناك فائض لدى الحكومة، بينما يوقف إصدارها عندما يكون هناك عجز، وهذا خطأ.

- بالنسبة لأذون الخزانة.. يقدر تقرير المالية، أن نفقات خدمة الدين العام المحلي بلغ (90) مليار ريال/سنة – تمثل مدفوعات الفوائد على أذون الخزانة).. وقررت إجراء خفض نفقات هذا الدين بحوالي (20) مليار، من خلال توجيه البنك المركزي، بعدم تجديد أذون الخزانة، الخاصة بمؤسسات وهيئات وشركات القطاع العام والصناديق المختلفة، خلال هذا العام، واستحداث آلية جديدة لتمويل عجز الموازنة من مصادر حقيقية غير تضخمية (أذون الخزانة).. هل هذا يعزز من الخطأ الذي ذهبت إليه في الإجابة السابقة؟
= هذا هو الغباء بعينه، كما قلت، وأكرر ذلك. لأن أذون الخزانة كجزء من السياسة المالية، غير أذون الخزانة كجزء من السياسة النقدية. فهي في السياسة المالية، عندما تكون إيرادات الضرائب وإيرادات النفط ، قليلة لأي سبب من الأسباب، والدولة لا تريد أن تعطل نشاطها حتى لا يؤثر على الاقتصاد بشكل عام، فتضطر للإقتراض من المواطنين لتمويل هذا العجز عبر إصدار أذون الخزانة. وعندما يكون لديها فائض تسدد ديونها. لكنها – كما أسلفت – كانت تقترض عندما كان لدينا فائض، والآن – بالعكس - حينما حصل العجز، توقفت عن الاقتراض..!! ومن وجهة نظر السياسة النقدية أن البنك المركزي يشتري هذه الأذون، وتكون ضمن ميزانيته. ويستطيع استخدامها في إدارة السياسة النقدية، بعيدا عن السياسة المالية، ببيعها في حالة أن يريد خفض العرض النقدي، ويشتري في حالة أن يريد زيادة العرض النقدي. وبالتالي يجب ان يكون في محفظته سلة من أذون الخزانة ليستخدمها في إدارة السياسة النقدية. لكنه حالياً لا يقوم بذلك. وبالتالي اصبحت أذون الخزانة مدمرة للسياسة النقدية ومدمرة للسياسة المالية في وقت واحد.
وفي الحقيقة أن نفقات أذون الخزانة أكبر بكثير مما ذكر في التقرير. كانت (90) مليار فقط، حينما كنت وزيراً للمالية، ولابد أن تكون الآن قد أرتفعت عن هذا الرقم كثيراً. وبالتالي أعتقد أنه سيتم مواجهة الأمر عبر أقرار اعتماد إضافي أو شيء من هذا القبيل. وفي الوقت الحاضر، فإن التخلص من أذون الخزانة، سيؤدي إلى مزيد من الضغوط على البنك المركزي – الذي أصبح الآن يفقد جزء من احتياطياته فيبقى (.......) الجزء الأكبر، وهذا مستحيل، لأنه سيكون كارثة. وكنت حاولت أقناع محافظ البنك المركزي بهذا الأمر – عندما كنت وزير المالية – لتطوير آلات بديلة لكنه رفض. ولذلك عليه اليوم أن يتجرع من الكأس نفسه ويجرع البلاد منه. وبإختصار أن ما قامت به الحكومة اليوم هو خطأ كبير. وكان يمكن أن تقوم به في السابق، وليس الآن.

- كثيراً ما سمعنا عن ضرورة أن تلجأ الحكومة إلى تطوير إيراداتها عبر إستغلال وتنمية موارد أخرى غير نفطية، مثل الزراعة والأسماك وغيرها..ألخ، لكننا لم نسمع عن أي نتيجة إيجابية في هذا الاتجاه حتى اليوم.. بتصورك كيف يمكن أن يؤثر ذلك على الإقتصاد؟
= ذلك هو ما يعكس الأزمة الحقيقية في هذا البلاد. يتم إطلاق الكلام على عواهنه، ودغدغة عواطف الناس، بدون معرفة ما يمكن تحقيقه، والذي لا يمكن تحقيقه. وعندما يأتي التنفيذ لا أحد ينفذ. وعندما يأتي الحساب، لا أحد يحاسب. هذه النغمة نسمعها منذ خمسة عشر عاما. ولذلك منذ الأزمة التي حدثت في 1995، لم نسمع عن شيء تم تحقيق حتى الآن. وكان المفترض – منذ وقت سابق - الوقوف على التساؤلات: لماذا؟ وماهي الأسباب التي أدت إلى عدم تنفيذ ذلك؟ برنامج حكومي وراء برنامج، وبرنامج انتخابي وراء آخر، وحكومة وراء حكومة، ولكن دون تحقيق أية نتائج في هذا الإطار. والسبب الرئيسي يأتي من عدم وجود جهة تحاسب الحكومات. وبالتالي عزل أية حكومة فشلت في تنفيذ ما وعدت به في برنامجها الحكومي..

- ربما تريد الإشارة إلى ضعف دور المعارضة في ذلك؟
= ليست المعارضة فقط.. بل الحزب الحاكم نفسه، ورئيس الدولة نفسه، لأن هذه ضمن مسئولياتهم. والمحاسبة في نظري تأتي من أربعة مستويات: محاكمة الحكومة نفسها (المحاسبة الذاتية)، ومحاسبة مجلس النواب، ومحاسبة المعارضة، ومحاسبة الشعب. ونتيجة لغياب كل ذلك، نرى ترهلاً حاصلاً في أداء الحكومات المتعاقبة. هذا الترهل أدى إلى أن رئيس الوزراء والحكومة، لم يعودوا يهتمون، أو يلتفتون للقضايا الكبيرة، بل يلتفتون للقضايا الجانبية البسيطة. لماذا؟ لأن هناك مطالبين وراء هذه القضايا البسيطة. بدل علاج، ترقيات، تعيينات..ألخ. ولذلك نلاحظ أن التعيينات لا تتوقف لأن هناك من يتابع بعدها..!! ولكن لننظر إلى مشكلة الكهرباء مثلاً: لماذا لم تحل هذه المشكلة منذ أكثر من خمسة عشر عاما؟ ولم يعزل أي وزير كهرباء لأنه فشل في علاج المشكلة..!! كما لم تعزل أية حكومة لأنها فشلت في تحقيق برنامجها..!! مجلس الوزراء مشغول بمناقشة قضايا ليست هامة، أو يناقش بعض تلك القضايا بشكل موسمي، أو عندما يطلب منهم ذلك من قبل رئيس الجمهورية، أو يحضر اجتماعات الحكومة أحياناً..!! ومن الملاحظ في هذا الإتجاه أن الرئيس عقد قبل أشهر اجتماعات متواصلة مع الحكومة، وتم خلال تلك الاجتماعات مناقشة العديد من القضايا الهامة. وكل ما أصدرت من قرارات – حينها – وكل ما قيل لم ينفذ على الواقع..!!
ومع ما قيل من وجود تشكيل حكومي قريب، فإن الوزراء اليوم، أصبح همهم الأساسي: هل سيبقى في وزارته أم لا؟ ويزداد هذا الهم، بسبب عدم وجود معايير حقيقية في بقاء هذا الوزير أو تغيير ذاك..!! ما هي تلك المعايير التي على ضوئها يمكن لهذا أن يبقى؟ ولذاك أن يعزل؟ هل المعيار الأول هو النجاح؟ هناك وزراء نجحوا لكنهم أقيلوا..!! وهناك وزراء فشلوا لكنهم بقوا وأستمروا..!! إذن هناك إشكالية حقيقية، وهي تؤدي إلى إفشال الجهود التي كان من الممكن أن يقوم بها أي وزير ناجح ربما. وبالتالي تذهب جهود الحكومة هباء، لأن كل شخص أو وزير يظل يتوهم ويتوقع توقعات، وربما يذهب إلى "العوبلي" وأمثاله، من المنجمين والكهنة، لمعرفة مصيره..!! ولا يؤمن بأن برنامجه أو عمله هو الذي سيبقيه أم لا..!! ولذلك مالم تتغير هذه الإستراتيجية وهذا التعامل، تنويع الموارد سيظل حبراً على ورق..ذلك على الرغم أن اليمن لديها موارد كثيرة.. وعلى سبيل المثال كنت قد رفعت موازنة التعليم الفني 120 % وكنت بصدد توقيع اتفاقية مع صندوق التنمية الكويتي، والبنك الدولي ومع الكثير من الدول المانحة، لإنشاء كلية لتدريب المدربين، ومركز لإدارة المهارات المطلوبة على مستوى الوطن العربي. غير أنه لم أقصيت من الوزارة، فإن هذا الموضوع أنتهى عمليا، وإن ظل يتم الحديث عنه في الخطابات. وهل تصدق ان هناك أكثر من مليار ونصف المليار ريال مكتنزة في أذون الخزانة من صندوق تنمية المهارات..!! خصصت للتدريب ولكنها لم تستخدم..!! الحكومة بعد ذلك خفضت الموازنة الخاصة بالتعليم المهني لأنها لم تستخدم.. وبالطبع الموازنة التي قدمتها أنا لذلك، لم أنفذها، ولكن نفذها غيري.. وكنت من جهتي أنوي – باستخدام جزء من تلك الأموال - استقدام خبراء تدريب من الخارج وإعادة هيكلة وزارة التعليم الفني والمهني، وكنا في ذلك الحين قد نجحنا إلى حد ما في تنشيط وزارة التعليم الفني. واليوم كنا سنجني الثمار لو كان الأمر قد تواصل.. فقد جاء قرار مجلس التعاون الخليجي، الآن ليقول أنهم سيسمحون بقبول العمالة اليمنية الماهرة، ولو كان لدينا عمالة ماهرة لكانت استفادت من هذا القرار وبالتالي سنكون قد حللنا جزء كبير من مشكلة البطالة، الذين كانوا أيضاً سيدرون العملة الصعبة على البلاد في المستقبل.

وهنا أقول أنه بإمكاننا أن نطور موارد بديلة، ولكن عندما نعمل بجد وإخلاص. كما يجب علينا أن نعمل مع كل الأحزاب حتى ننجح، ونوسع الهموم والحلول، كما أنه علينا أن نتعامل مع العالم الخارجي، لا كما نريد نحن، بل لما يريده هو..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.