تحدث الأستاذ محمد حسنين هيكل في لقائه مع قناة الجزيرة يوم الجمعة الماضي حديثاً قصيراً عن اليمن في نقله من الأستاذ كريشان إلى الثورة اليمنية كجزء من الثورات العربية معتبراً وهو الأستاذ الذي يتحدث بحذر مراعياً الدقة والمنطق السياسي، والرجل غير الآبه بالصداقات وقد تجاوز الستة والثمانين من العمر بأن ما يحدث في اليمن على حد تعبير الأستاذ ثورة قبيلة تريد أن تتحول إلى دولة وأن الدولة إلى الآن لم تقم في اليمن، وأن هناك ثورة حقيقية لكنها بكل ما تواجه من صعوبات لن تكتمل ولن تكون ثورة لأن أصحاب الشأن الذين وجه لهم الأستاذ الرويشان رسالة بأهمية الثورة بالنسبة لهم يدركون مصالحهم ويفهمون بأن الثورة خطر عليهم والدليل سلوكهم وتعاطيهم مع الثورة اليمنية بالتحديد إذا ما قورنت بالسورية وهذا ما قصده الأستاذ في حديثة وليس ما تحدث به الأستاذ محمد صالح الرويشان في مقاله المنشور السبت على صفحة المصدر أونلاين جازماً بقول الأستاذ بأن ما يحدث ليس ثورة، وأنا أظن والأستاذ يرقب من بعيد ويناقش العالم كله ويلتقي بخبراء عارفين بخفايا السياسة الدولية أن ما قاله كله صحيح والدليل التالي: أولاً: هيكل قال بكل صراحة بأن النظم العربية كلها فاقدة للشرعية وأن الثورات ضدها واجبة، لكن في إشارته لليمن قال فيما معناه بأن هناك قبيلة في هذا الحراك الثوري باعتبار أن كل الثوار والمتحدثين باسم الثورة والموالين للأحزاب ينتمون إلى قبائل أكثر من أن ينتموا إلى بلد أو إلى وطن أو دولة والرجل يبدو عارفاً بالبلد وليس كما قال الرويشان بأن الأستاذ معلوماته ناقصة عن اليمن وأهلها، فقد جرى استفتاء في أكبر صرح علمي وهو الجامعة في محاولة لمعرفة الولاء للقبيلة أو الوطن بأن كانت نتائج الاستفتاء في أغلبية ساحقة لصالح القبيلة والشيخ، والأستاذ هيكل يعرف بالقدر الكافي كيف أن القبيلة هي من حكمت البلد وهي من تنصب الحكام وتسقطهم وبالتالي علينا أن نشخص واقعنا بدقة أفضل من أن نقفز عليه خاصة وأن الحراك السياسي والثوري لا زال في الساحات وهذه فرصة ذهبية للتعاطي مع هذا الفعل الثوري وتحريك المياه الراكدة لنؤكد بالمجمل وبالتعاطي الثقافي بأن العقلية القبلية لم تعد هي المنطق الحقيقي الذي ينبغي اللجوء إليه أو السماح له بالاستيلاء على الدولة وأن نثبت هذا للعالم ولاء وثقافة وفكراً حراً قادراً، وعلى كل القبليين المشاركين بالثورة أن يشرحوا وبقوة ما مزايا الدولة المدنية التي ينشدونها في المستقبل. ثانياً: عرف الأستاذ وهو الزائر لهذا البلد المتناقض في ستينات القرن الماضي بأن هذا بلد تحكمه القبائل وتتحكم فيه وشعبه يحتكم إلى القبيلة أكثر مما يحتكم إلى الدولة، ولذلك فهذا بلد لم تقم فيه دولة على الإطلاق لأن المنطق السياسي الذي يتحدث به السياسيين هناك لا يخلو من دور للقبيلة وثقلها وهذه طبائع أشياء أكثر منها قفز لأن هذا واقع ينبغي التعاطي معه والأستاذ يعتبر أن مهمة السياسي أن يعطي القبيلة دوراً بما لا يخالف القانون ولا يقفز عن المعطيات والإستراتيجيات الموضوعة والمطروحة في إقامة الدولة، وهذا منطق مفكر وليس رجل معايش وقد أعترف بذلك عدة مرات في الحلقة. ثالثاً: بدا الرويشان وهو يتحدث عن الأستاذ كما لو أن الأستاذ هيكل قد تحدث بأن اليمن دولة ليس فيها مدنية على الإطلاق وهذا أيضاً غير صحيح لأن المدنية اليمنية بالذات وفق معطيات الماضي لا تعني أن يخرج شعب بثورة سلمية لمدة تسعة أشهر بدون سلاح في الساحات ولكن الدولة المدنية تتجلى بعد أن تنجح الثورة هل هناك إمكانية لقيام هذه الدولة أم لا وهذا تنبؤا سابق لأوانه، ومهمة هيكل تشخيص واقع معتمداً على ماضي هذا البلد وليس متنبئاً بمستقبله، والثورة اليمنية سلمية خوفاً من مجهول نحن نعرفه أيضاً وندرك معناه ومآله وقد خبرناه من قبل وإن كان الحراك الثقافي والسياسي منذ ال2007 قد أسهم إسهاماً كبيرا في توعية المجتمع وخلق ما جعل الثورة اليمنية مبهرة ورائعة وتستحق التكريم والإشادة. رابعاً: عندما نبه الأستاذ هيكل أكثر من مرة بأن الإقليم يخاف جداً من أن هذا المستودع البشري الضخم المليء بالحيوية والتفاؤل يصدر أفكارا أو يلد ما لا تطيق أن تراه هنا في هذا المكان المهم فإنه لا يقصد بأننا نشكل خطراً حتى يتحول الرويشان وكأنه ينبه الأستاذ بأن الثورة قد تكون سلاماً على الجوار والإقليم وهنا مشكلة حيث أن هيكل لم يقف موقف الثوار وإنما قال لنا ما يدور في ذهن الجوار والإقليم وهو الأهم فهو العارف بالتاريخ القارئ النهم له المتنبه لما يحدث عند دفة القيادة الدولية للعالم وهو الذي ذكر لنا في كتابه المقالات اليابانية بوصية الملك عبدالعزيز «أن أمن السعودية هو في بقاء اليمن بلد فقيراً وغير مستقر»، المهم أن الأستاذ الرويشان تحدث بلسان الثوار وهو مشكور على ذلك لكن الإقليم والعالم إلى الآن يتحدث بشكل عملي وبالصورة التي طرحها هيكل وباعتقادي هي التشخيص الحقيقي للواقع.. بالأخير ثورتنا سلمية ومستمرة سواء فهمنا من هيكل ما قاله الرويشان أو ما حاولت أن أوضحه هنا على عجالة، إلا أنني أدرك وكغيري أن ثورتنا سوف تكون ناجحة إذا أصر المجتمع اليمني على تحريك الثورة وانتشالها من هذا الجمود وأن المهم في الوقت الحاضر هو ابتكار وسائل أخرى للثورة أو بالأحرى أن يكون هنا تحريك قوي وسريع يدفع بالمجتمع الدولي بالاعتراف بأن ثمة ثورة وليس ثمة أزمة ينبغي أن تحل، وإن كان التصعيد الثوري سوف يحل الموضوع كما يريد الثوار ولا يهمنا أعتبرها الآخر أزمة أم ثورة.