انقطاع الكهرباء عن مخيمات الحجاج اليمنيين في المشاعر المقدسة.. وشكوى عاجلة للديوان الملكي السعودي    مظاهر الكساد تهيمن على أسواق صنعاء    وضع كارثي مع حلول العيد    أكثر من مليوني حاج على صعيد عرفات لأداء الركن الأعظم    لماذا سكتت الشرعية في عدن عن بقاء كل المؤسسات الإيرادية في صنعاء لمصلحة الحوثي    عبدالفتاح لا زال يقود جنوبيي الإشتراكي من قبره    ألمانيا تُعلن عن نواياها مبكراً بفوز ساحق على اسكتلندا 5-1    أربعة أسباب رئيسية لإنهيار الريال اليمني    دعاء النبي يوم عرفة..تعرف عليه    حتمية إنهيار أي وحدة لم تقم على العدل عاجلا أم آجلا هارون    الحوثي والإخوان.. يد واحدة في صناعة الإرهاب    شبوة تستقبل شحنة طبية صينية لدعم القطاع الصحي في المحافظة    قوات العمالقة الجنوبية تعلن صلح قبلي في بيحان شبوة لمدة عامين    السعوديون يستعيدون نداء "خلجت أم اللاش" مع تصاعد التوترات الإيرانية في الحج ..فهل يعاد النداء يوم عرفه؟!    يورو 2024: المانيا تضرب أسكتلندا بخماسية    تسوية نزاع مالي بقيمة 120 مليون ريال تؤدي إلى إطلاق سراح شاب مخطوف في أبين    هل تُساهم الأمم المتحدة في تقسيم اليمن من خلال موقفها المتخاذل تجاه الحوثيين؟    لاعبو المانيا يحققون ارقاما قياسية جديدة    "تعز في عين العاصفة : تحذيرات من انهيار وسيطرة حوثية وسط الاسترخاء العيدي"    1. ثورة شعبية تهز البيضاء: أهالي حارة الحفرة ينتفضون ضد مليشيا الحوثي ويطردون مشرفيها    صورة نادرة: أديب عربي كبير في خنادق اليمن!    الحكومة اليمنية أمام مجلس الأمن: أي عملية سلام يجب أن تستند على المرجعيات الثلاث    لماذا فك الحوثي الحصار عن تعز جزئيا؟!    وزير الخارجية الدكتور الزنداني يعلق على المنحة السعودية الجديدة لليمن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 37 ألفا و266 منذ 7 أكتوبر    المنتخب الوطني للناشئين في مجموعة سهلة بنهائيات كأس آسيا 2025م    محافظ تعز يؤكد على ضرورة فتح طرقات مستدامة ومنظمة تشرف عليها الأمم المتحدة    الرئيس العليمي يشيد بمواقف قيادة المملكة من أجل تخفيف معاناة الشعب اليمني    اختتام دورة تقيم الاداء الوظيفي لمدراء الادارات ورؤساء الاقسام في «كاك بنك»    فتاوى الحج .. ما حكم استخدام العطر ومزيل العرق للمحرم خلال الحج؟    مقتل وإصابة 13 شخصا إثر انفجار قنبلة ألقاها مسلح على حافلة ركاب في هيجة العبد بلحج    يعني إيه طائفية في المقاومة؟    أروع وأعظم قصيدة.. "يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتموا يوم الرحيل فؤادي    مستحقات أعضاء لجنة التشاور والمصالحة تصل إلى 200 مليون ريال شهريا    أسرة تتفاجأ بسيول عارمة من شبكة الصرف الصحي تغمر منزلها    عرض سعودي ضخم لتيبو كورتوا    فضيحة دولية: آثار يمنية تباع في مزاد علني بلندن دون رقيب أو حسيب!    وزير الأوقاف يطلع رئاسة الجمهورية على كافة وسائل الرعاية للحجاج اليمنيين    نقابة الصحفيين الجنوبيين تدين إعتقال جريح الحرب المصور الصحفي صالح العبيدي    وزير الصحة يشدد على أهمية تقديم افضل الخدمات الصحية لحجاج بلادنا في المشاعر المقدسة    البعداني: نؤمن بحظودنا في التأهل إلى نهائيات آسيا للشباب    اختطاف إعلامي ومصور صحفي من قبل قوات الانتقالي في عدن بعد ضربه وتكسير كاميرته    منتخب الناشئين في المجموعة التاسعة بجانب فيتنام وقرغيزستان وميانمار    ''رماية ليلية'' في اتجاه اليمن    الكوليرا تجتاح محافظة حجة وخمس محافظات أخرى والمليشيا الحوثية تلتزم الصمت    ميسي يُعلن عن وجهته الأخيرة في مشواره الكروي    هل صيام يوم عرفة فرض؟ ومتى يكون مكروهًا؟    غريفيث: نصف سكان غزة يواجهون المجاعة والموت بحلول منتصف يوليو    وفاة مواطن بصاعقة رعدية بمديرية القبيطة بلحج    إصلاح صعدة يعزي رئيس تنفيذي الإصلاح بمحافظة عمران بوفاة والده    السمسرة والبيع لكل شيء في اليمن: 6 ألف جواز يمني ضائع؟؟    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    بكر غبش... !!!    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    افتتاح جاليري صنعاء للفنون التشكيلية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    ما حد يبادل ابنه بجنّي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما معنى أن يكون المرء حوثياً؟
نشر في المصدر يوم 24 - 11 - 2011

كان للحوثية، كدعوة، كحركة إحيائية، كتأثير ثقافي واجتماعي، وجود متفاوت في مناطق متفرقة من حجة من وقت سابق لاندلاع حرب صعدة. الأمر يتعلق بالقرب الجغرافي وأيضا كان من شأن لافتة المذهب الزيدي التي يتحرك الحوثي تحتها تذليل الطريق له إلى محافظة حجة التي تنتمي في أغلبيتها إلى المنطقة الزيدية ضمن خطوط التقسيم المذهبي القديمة.
ليس كثافة حضور الحوثية كدعوة في حجة، هو الذي يثير ردود الفعل المتوجسة والقلقة في المجتمع السياسي. الجديد هو تلك الاستحداثات العسكرية في مديريات محاذية لميناء ميدي وقريبة من حرض، وليست هذه المديريات بالضرورة زيدية المذهب، فمديرية مستبأ مثلا، التي يقال إن الحوثي أسقطها شافعية المذهب، وكذلك أجزاء واسعة من كشر.
حسب معلوماتي أن القيادات الحوثية تتوغل في بعض هذه المناطق عبر التناقضات الاجتماعية بطريقة مشابهة لتلك التي أدخلت الإمام الهادي إلى اليمن. فهناك خلافات بين مشائخ ومراكز نفوذ ليست ذات طابع سياسي ولا طائفي، وبعضها قديم، ومع الفراغ الذي يبدو أن السلطة وحزبها ستخلفه هناك، بدأ هؤلاء في بناء تحالفات واتفاقيات حماية مع القوى القريبة والمتوفرة. فخصوم إسماعيل مهيم مثلا في مستبأ يلوذون بيوسف المداني الزعيم الحوثي الذي ورث أراض زراعية من والده الذي كان احد عمال الإمام في مناطق تهامة.
تستمر اللعبة بهذه الطريقة في بكيل المير، وفي الشاهل، وعاهم ووشحة. عملية تجريب لأساليب متنوعة منها استغلال التناقضات ومنها التهديد ومنها الاقتحام ومنها المفاوضات.
...
معلوم أن ثورة 1962 وضعت المذهب الزيدي أمام خطر وجودي ماحق من خلال هدم ركيزته الأساسية: الإمامة. هذا يعني أن فرص حياة المذهب لفترة طويلة خارج السلطة السياسية كانت معدومة، خلافا لبقية المذاهب الإسلامية. لهذا كانت ثورة 62 حدثا فاصلا: لقد فتحت منطقة النفوذ التقليدي للمذهب على مصراعيها أمام جملة التأثيرات والأفكار الدينية منها والعلمانية، الأمر الذي أعاد صياغة المنطقة نسبيا على نحو مختلف. ولسوف تغدو هذه الرقعة الجغرافية، رقعة صلح دعان، مصباً للمد الديني الوهابي الذي أخذ يعبر الحدود من خلال المغتربين والطلاب، مثلما صارت فيما بعد مصباً للمد الشيعي الإيراني وأفكار ثورة الخميني، ولاحقا حزب الله.
توليفة لامتناهية من التأثيرات. ابتداءً بعبد الناصر وحسن البناء، وانتهاءً بحسن نصرالله وخالد مشعل وبن لادن. والحصيلة شخصية مركبة مزدوجة لا تعرف حقيقة مشاعرها، واختياراتها غير مدروسة، لا تنتمي إلى الحاضر ولا إلى الماضي.
فالمنطقة الزيدية لم تعد منطقة زيدية. حتى الزيدية نفسها بمعزل عن جغرافيتها التقليدية، لم تعد هي الزيدية التي حارب في ظلها أسلاف بدر الدين الحوثي. والقبيلة لم تعد قبيلة، والتراتب الاجتماعي لم يعد هو نفسه، والقيم والمعايير وأساليب التدين تغيرت هي الأخرى: المؤذن يقول "حي على خير العمل" والخطيب يقرأ من كتاب عايض القرني في المسجد نفسه.
معظمنا يستسلم لإغراء المنطق التاريخي في تفسيره للصراع ومآلاته. غير أن 50 عاماً منذ ثورة 62 ليست بالمدة البسيطة. صحيح لم تنجز جمهوريات ما بعد الثورة التحول الاجتماعي والثقافي المتوخى، لكن هذا لا يعني أن شيئاً لم يتحول وأن شيئاً لم يتبدل. يوجد تراكم يمكن البناء عليه، على صعيد التعليم والعلاقات والوعي الاجتماعي وأنماط العيش وعادات التفكير.
لقد طال التغيير أشياء كثيرة، ليس جذرياً بالطبع، لكنه دمغ حياة اليمنيين، في شمال الشمال والوسط والجنوب أيضاً، بما لا نستطيع معه إعادة الأمور إلى خانات الصراعات والتخندقات التي شهدتها الأزمنة القديمة.
تأسست تقاليد بيروقراطية ونظم وحالة حزبية كانت جيدة في البداية، ونموذج تجريبي بسيط لدولة وطنية. قبل 62، كان الاقتصاد في شمال اليمن وفي جنوبه زراعياً، وكانت ملكية الأرض تتوزع بين الملكية الفردية والإقطاع والقنانة، بيد أن الاقتصاد مع اكتشاف النفط أصبح ريعي بالكامل، وتبعاً لذلك تبلورت طبقات ونخب جديدة وعلاقات تجارية واستهلاكية جديدة.
العمل بوعي ما قبل 62 أو خارطة صلح دعان، ليس ذكياً بأي حال. ولئن أجدى ذلك نفعا في صعدة وأجزاء من عمران وحجة والجوف، فإنه في أمكنة أخرى لن يؤدي المفعول بنفس الكفاءة وبنفس مستوى المخاطر وردات الفعل. إن ذلك من شأنه فقط الزج بالمنطقة كلها في أتون من التذابح الطائفي والإبادات.
كتبت قبل انطلاق الثورة أنه يمكن للحوثي عسكرياً -وأشدد على كلمة عسكرياً- وفي حال انكسار الجيش فقط، أن يغزو ويتوسع ويبسط نفوذه داخل خط التقسيم الجغرافي للمذهب الزيدي، لكن عليه أن يدرك أنه يتحرك في حقل مفخخ. وبغض النظر عمن ستكون له الغلبة في نهاية المطاف، إلا أن جهة ما ستتورط في جرائم إبادة وقتل على خلفية الطائفة والجماعة الدينية.
باختصار، لم تعد الرقعة الجغرافية التي يقال إن الحوثي ينوي إخضاعها، نقية مذهبياً. حتى المناطق التي حافظت على مظاهر معينة من التدين الزيدي في الطقوس والشعائر العبادية، لا تجد في الخطاب السياسي (إن كان هناك خطاب سياسي) الذي يقدمه الحوثي ما يلبي أحلامها الصغيرة أو ما يغويها للانخراط الطوعي في صفوفه. "الموت لأمريكا" ليس في سلم أولويات هؤلاء الناس المعذبين.
"فما يقرر نمو حزب أو حركة إنما هو قبول المجتمع بالأفكار، أو البرامج، والسياسات، أي الرضا لا القسر"، هكذا كتب فالح عبدالجبار قبل أشهر، في معرض إشادته بانتقال الصدريين في العراق إلى مربع السياسة من خلال تحالفهم مع المالكي، "رغم أن ميول القسر المجتمعي ما تزال قوية، راسخة".
سأفترض، على سبيل التجريب، أن لعمليات التحول، الممنهجة أو التلقائية، التي طالت المنطقة الزيدية في أعقاب ثورة 62، دوراً بارزاً في تزويد حركة الحوثي بأسباب الوجود على هذه الشاكلة. وبالمناسبة لا يقول الحوثيون في صعدة هذا الكلام، إذ إن معظم الفرضيات والخلاصات تصدر من هنا من صنعاء ضمن مساعي فهم وتحليل الصراع، المساعي البريئة وغير البريئة.
ومع ذلك فإن أي إجراء عكسي من قبل الحوثيين يهدف لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 62، أو أثناء صلح دعان، أي البحث عن منطقة نفوذ منسجمة مذهبيا متناغمة نقية، سيجلب الكثير من السيارات الملغومة والنعوش وردات الفعل.
بكلمات أخرى: أي محاولة لاستعادة خطوط التقسيم الطائفي القديمة، حماقة لن يكون بمقدور الحوثي ولا غيره تسديد فاتورتها أو السيطرة على نتائجها.
...
عندما نسمع عن كلمة "حوثية" يتبادر إلى الذهن كم هائل من الأسئلة. ولا يوجد من هو معني بتقديم الأجوبة بشأنها أكثر من الحوثي نفسه.
وكأي ظاهرة في طور التخلق والنمو، سنجد أنفسنا في مأزق لو حاولنا الاتفاق على تعريف دقيق للحوثية, لكن يجب ان نتخلص فقط من النظرة الأحادية للأشياء ونتسلح بكل المعطيات والحقائق المتاحة من اجل فهم وتقييم أكثر موضوعية ونزاهة.
الحوثية لم تطرح نفسها كحزب سياسي مدني، على اعتبار أن الحزب صيغة تنظيم اجتماعي حديثة، تقوم نظرياً على مبدأ المواطنين الأحرار. وليس تحاملا إن جرى تعريف الحوثية بوصفها مجموعة دينية وعظية دون وطنية ولاعقلانية، تحركها الأوهام والسرديات ذات الإيحاءات التاريخية، وهي لا تنفتح إلا على قاعدة اجتماعية محدودة وتتغذى من موروث ثقافي ضيق ومزيج من المؤثرات الدينية الوافدة والمحدثة.
الحرب أكسبتها طابعاً سياسياً ربما، بل إنها تفتحت كالوردة على أرضية الحرب الغامضة. لكن مع الانتفاضة الشعبية الأخيرة، ومع بدء انحلال الروابط والفضاءات ذات البعد الوطني الأوسع، بدأ الكثيرون يهاجرون إلى الروابط والتضامنات دون الوطنية. وانهمكت بلا كلل بعض النخب، ومنها من ينحدر من تيارات يسارية عريقة، في نسج الأواصر مع الحركة الحوثية، وراحت تعمل بشعور من الحنين أو الخوف على اكتشاف نقاط الالتقاء معها في التصورات والمثل. يفعلون ذلك، إما لعوامل تاريخية أو جغرافية أو سلالية، أو لموقف ثقافي شخصي من جماعات وقوى إسلامية أخرى.
لست وحدي من تنبه إلى طور جديد من الحوثية. لكن هل الأمور مثلما توحي به المظاهر؟ وهل الفجوة ضيقة بين المعلن والمضمر من المواقف والرؤى والتوجهات؟ هل الحوثية تملك زمام نفسها وتمتلك حق تشكيل هويتها السياسية أم أن الأحداث والأزمات اليمنية، كما درجت العادة، هي التي تشكلها من خلال الطريقة التي تتفاعل بها معها؟
وجد الحوثيون فرصة في الانتفاضة لإظهار الجانب الناعم في حركتهم، (يبددونه الآن في حجة والجوف وعمران) وغفر لهم المثقفون والحقوقيون تاريخهم العنيف وتفهموا حملهم السلاح، وهذا جيد، لكن هل هم ناعمون بقدر ما تقول به المظاهر، في تلك المناطق التي أخضعوها لنفوذهم ويتمتعون فيها بالتفوق العسكري على الأقل. كيف نحكم على جماعة أو حزب؟ ما هي الحيثيات التي نستند إليها؟ الجماعات مثل الأفراد بإمكانها أن تتظاهر بخلاف ما هي عليه، للحكم على الإصلاح نستحضر فتوى الديلمي وتصرفات اليدومي في الأمن الوطني وننسى برنامجه السياسي ووثائقه التنظيمية، لكن هذه الطريقة في التفكير تفقد مفعولها عندما يتصل الأمر بالحوثية. لماذا؟
للمسألة جذور تاريخية ربما هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن الحوثية (طبعة صنعاء) لا تفرض عادات سلوكية وأخلاقية ذات مضمون ديني. هذا في صنعاء بالطبع لكن لا ادري كيف هو الحال بالنسبة لصعدة. موقفهم من الفنون لا يزال ملتبساً، بل سمعت أنهم يحاربون الأغاني ويمنعون سائقي السيارات من سماعها بذريعة أنها تتسبب في الإزعاج. موقفهم من المرأة مثلا أكثر سوءاً من أي جماعة دينية أخرى. وهناك دائما النكاية والخوف من الإصلاح والتيار السلفي اللذان يجمعهما مع اليسار ماض صراعي تجاوزه البعض ويعيد إحياؤه وإنتاجه البعض الآخر.
أن التباس موقفهم من قضايا مثل المرأة والحريات الشخصية والفن يساعد في تقريب هذه التيارات مع الحوثيين في صنعاء. وقد يكون الالتباس متعمداً أو غير متعمد وقد يكون ملتبس بالنسبة لنا فقط. وقد يتصرفوا على هذا النحو بغية تقديم نموذج نقيض للإصلاح والسلفيين من شأنه جذب العلمانيين واليسار مثلا.
هل يعاني الحوثيون من ازدواج واعي في الهوية وتعدد في الشخصية؟ أم أن المثقفين هم من يعانون ذلك؟ وهل حوثيو صنعاء حوثيون بما يكفي؟ أريد فهم ما إذا كانت الصورة التي يحملها الحوثيون عن أنفسهم تنسجم مع الصورة التي يطورها لهم حوثيون موالون في صنعاء.
بقي السؤال الأخير: أن يكون المرء إصلاحياً وهذا مفهوم، لكن ما معنى أن يكون المرء حوثياً؟
بوسع الحوثي أن يبتكر تعريف مختلف للصراع الذي يجد نفسه طرفا فيه. أقول هذا صادقا وحتى على سبيل النصح، ومن منطلق تقديري لحجم القاعدة الاجتماعية التي يتمتع بها في عدد من محافظات شمال الشمال، وإن كان قد انتزع شرعية وجوده المهيمن على مناطق صعدة وغيرها بالإكراه كنتيجة لحرب حمقاء انكسرت فيها جيوش الدولة، أو حملت على الانكسار. فقوته العسكرية الجبارة لا تعكس قاعدته الاجتماعية بالضرورة لكنها تعكس هشاشة الدولة ممثلة بسلطة طائشة عمياء منقوصة الشرعية.
أي أنه فيما لو كتب لليمنيين انتقال آمن للسلطة وتمكنوا من التوصل لاتفاقات ومواثيق من شأنها إعادة صياغة الدولة في ضوء عقد اجتماعي جديد، سيكون بحاجة لتحديث شرعيته هناك لتغدو شرعية انتخابية.
إقحام الولايات المتحدة الأمريكية في حوادث محلية صغيرة يتنافى مع منطق الأشياء. محض استخفاف. لا تصلح مادة مقنعة لعقيدة قتالية ولا برنامج عمل سياسي ولا عنصر مشوق في خطاب إعلامي ودعائي ذكي وجاد.
بإمكان الحوثي على الأقل أن يستهلك سردية المتعاطفين معه هنا في صنعاء والمحسوبين عليه، وجملة التفسيرات التي ينتجونها بأثر رجعي متخذين من التاريخ دليلاً، لكنها في النهاية معقولة إلى درجة معينة، بغض النظر عن مدى دقتها، على شاكلة الدفاع عن الهوية الزيدية المهددة بالتلاشي، والحق في الاعتقاد الديني والتبشير به أسوة بغيرهم من الجماعات والمذاهب، وتعليم ما يؤمنون به، ومناهضة التمييز ضد الهاشميين وانحراف نظام الحكم، وشرعية البطنين، ومجابهة الزحف الوهابي، أو الشعور بالتهميش الاجتماعي والتضييق السياسي، والبحث عن العدالة المفقودة. كل هذه مفردات عامة يمكن تسويغ وجودهم من خلالها وإطلاق التفسيرات للحوادث في إطارها بدلا من إلصاق تهمة تفجير مركز صحي في الجوف بالامريكان والصهيونية العالمية.
اليمنيون صاروا ينظرون للحوثية كظاهرة تحمل وجه ثلاثي الأبعاد، سياسي ديني عسكري، وربما اجتماعي، ظاهرة صاعدة تحكمت في ولادتها عوامل وملابسات لا حصر لها بعضها غامض. هذه النظرة تترافق مع طموح باختفاء الجانب العسكري من تكوينهم لمصلحة السياسي والاجتماعي الذي ينطوي على خلفية دينية ما.
ومع انطلاق الانتفاضة الشعبية الأخيرة صار الحوثيون في نظر الطبقة السياسية اليمنية رقماً مهماً في معادلة سياسية وطنية، ولا أحد يراها حركة مقاومة أو رأس حربة في صدام الحضارات.
لئن بدا هذا مفهوماً من تنظيم عابر للحدود وليس له جذور اجتماعية ثابتة كالقاعدة، فمما يتعذر فهمه أن يتمسك الحوثيون بهوية سياسة تتناقض مع ما هم عليه فعلا، وما يفترض أن يكونوا عليه.
في الفقرات السابقة يتلخص موقفي النقدي من الحوثية باعتبارهم كيان لم يجري تعريفه حتى الآن. على عكس الإصلاح الذي وإن كان يتصرف وكأنه "نسق طائفي" أحيانا، على حد تعبير الكاتب محمد ناجي احمد، إلا أن لديه أدبيات وأنظمة وبرامج معلنة يمكن محاكمته استناداً اليها.
وخلافاً للحوثية، من السهل التوصل الى تقييم منهجي شامل للاصلاح، أكانت نتائج هذا التقييم صورة باعثة على الخوف أو الاطمئنان أو الشعور المتأرجح بين الشك والثقة. والسبب في نظري هو أنه قدم نفسه منذ تأسيسه كفاعل مشارك في المجال اليمني العام، ولعب دوراً أساسياً في الحراك السياسي والثقافي الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة وهو يطرح مشاريعه ومواثيقه النظرية في الحقل السياسي، ويعترف ضمنيا وصراحة انها مستوحاة من المرجعية الدينية التي يقوم بتكييفها وفقاً لمعايير قيم ومفاهيم ونظريات الاجتماع السياسي الحديث. وهو كأي حزب إسلامي يرى نفسه ويرى الآخر من خلال هذه المرجعية.
المصدر أونلاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.