كاين يطالب ساوثغايت بالابقاء على كول بالمر ليورو 2024    المنتخب الوطني الأول يغادر للمنامة لمواجهة نظيره البحريني في تصفيات المونديال    بطارية طاقة شمسية تدمر منزل في المهرة وسقوط قتلى وجرحى    شبكة حقوقية: مليشيات الحوثي مستمرة في استخدام القضاء لقمع الرافضين لممارساتها الإجرامية    مليشيات الحوثي تسوق عشرات من عمال النظافة إلى جبهات القتال    منظمات المجتمع المدني في حضرموت ترفض تواجد قوات العليمي في الساحل الحضرمي    بمناسبة عيد الأضحى.. مركز ''الملك سلمان'' يسعد آلاف الأسر المحتاجين في اليمن    75 مليون دولار يلحسها وزير الداخلية "إبراهيم حيدان" قيمة بطاقة شخصية    الودُّ عامرٌ بين الحوثي و«القاعدة» في اليمن    ارحموا الريال    الحكومة الشرعية تعلن إطلاق سراح عدد من السجناء بمارب و3 محافظات أخرى    مشروع كويتي ضخم في مارب    بعد إعلان الريال التعاقد معه.. مبابي: "فخور بالانضمام إلى نادي أحلامي"    فرار عنصر حوثي بعد قتل عمه في صنعاء رغم حصار منزله.. والمليشيات تتجاهل الحادثة!    هل ادارت البارجة الأمريكية "ايزنهاور" ظهرها للترويج للحوثيين كما عملت سابقا مع الخميني ؟ تحليل    كريستيانو: أشعر بالفخر الشديد بعد موسمي مع النصر    الحوثيون يوقفون منشأة صرافة جديدة ويمنعوها من العمل في صنعاء    احتجاجات غاضبة في عدن وإغلاق عدد من الشوارع.. ماذا يحدث؟    لم تستطع أداء الحج او العمرة ...اليك أعمال تعادل ثوابهما    ارتفاع حالات الكوليرا في اليمن إلى 59 ألف إصابة هذا العام: اليونيسيف تحذر    مسار السلام في اليمن .. اتجاه نحو العودة إلى نقطة الصفر واخر يفتح بصيص تفاؤل وبينهما مشكاة ضوء خافت    وثيقة تكشف عن مديونية كبيرة للبنوك التجارية والإسلامية لدى البنك المركزي    - 17مليار دولار ارتفاع ثروة أغنى أغنياء روسيا خلال السته الأشهر من 2024    الرئيس الزُبيدي يوجه بمخاطبة واستكمال إجراءات نقل مقرات المنظمات إلى عدن    - توقعات ما سيحدث لك وفق برجك اليوم الثلاثاء 4يونيو    صاحب ومالك "قوات درع الوطن" يصر على العبث بأمن ساحل حضرموت    محلل سياسي يطالب الدول الإقليمية أن تكون سندا للجنوب    شقيقة "الحرازي" مدير شركة "برودجي" تكشف عن تفاصيل صادمة أصابت الجميع بالذهول والدهشة خلال جلسة الحكم بالإعدام    يكتبها عميد المصورين اليمنيين الاغبري    "اليمنيون ذولا مثل الخليل العربي الأصيل": الفنان المصري احمد حلمي يُشيد باليمنيين ويُعبر عن حلمه بزيارة اليمن(فيديو)    "حوثي يقتل ابن عمه ويحرق سيارته: قصة جريمة قتل تكشف الظلام الذي يخيم على صنعاء"    نهب وتدمير للاقتصاد الوطني.. كيف يعبث الحوثيون بالقطاع الزراعي؟    الحوثيون يزرعون الموت في الحقول: مزارع يمني يفقد ساقه في انفجار لغم(صورة)    صفعة قوية للحوثيين في قلب العاصمة صنعاء و تجار العاصمة يتحدون مع عدن    ايثان يدعم مبابي    الوزير الزعوري ونائب محافظ عدن يضعان حجر أساس مشروع مركز الأطفال ذوي الإعاقة بمدينة الشيخ عثمان    سلام الله على زمن تمنح فيه الأسماك إجازة عيد من قبل أبناء عدن    من جرائم الجبهة القومية ومحسن الشرجبي.. قتل الأديب العدني "فؤاد حاتم"    ارتفاع مبيعات شركة هيونداي موتورز بنسبة 1.9 بالمائة    أغلبها بمناطق المليشيا.. الأمم المتحدة تعلن ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا في اليمن    عودة التيار الكهربائي إلى مدينة مأرب بعد انقطاعه لساعات إثر خلل فني    وكالة المسافر للحج والعمرة والسياحة بحضرموت تفوج 141 حاجاً إلى بيت الله    بحوادث متفرقة.. أربعة أشخاص ينهون حياتهم في إب خلال يوم واحد    خبير آثار: ثور يمني يباع في لندن مطلع الشهر القادم    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    إعلان قطري عن دعم كبير لليمن    حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس    قرارات البنك المركزي لإجبار الحوثي على السماح بتصدير النفط    تعرف على قائمة قادة منتخب المانيا في يورو 2024    إنجاز عالمي تاريخي يمني : شاب يفوز ببطولة في السويد    الدبابات الغربية تتحول إلى "دمى حديدية" بحديقة النصر الروسية    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    خراب    الوجه الأسود للعولمة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد توقيع المبادرة الخليجية؟!
نشر في المصدر يوم 28 - 11 - 2011

طوى اليمن صفحة مهمة في تاريخه المعاصر بالتوقيع على المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية المزمنة لها بعد أشهر من الجدل والحوارات والمناورات والضغوط أيضا. وبتوقيعه على المبادرة أخيرا تحت تأثير ضغوط كبيرة، فتح صالح المجال لنقلة جديدة في حياة اليمنيين وأنعش الآمال بغد أفضل يتمنون فيه تحقق الشعار الذي كان صالح قد رفعه في حملته الانتخابية الرئاسية عام 2006م ولم يطبقه على أرض الواقع ، وهو " يمن جديد.. مستقبل أفضل".
لكن الأمنيات تظل شيئا والواقع شيء آخر، وصحيح ان التوقيع على المبادرة الخليجية، أنهى جولة مريرة من الجدل والمناورات بشأن التوقيع والرفض في اللحظات الأخيرة، الا أنه بداية مرحلة أخرى تجمع كل المؤشرات والتأكيدات بأنها لن تكون سهلة ومضمونة العواقب.
ويجري الآن التركيز بدقة على المرحلة المقبلة وتعصف بأذهان اليمنيين أسئلة كثيرة حول المستقبل ومصير صالح، هل قرر الرحيل نهائيا عن الحكم بتوقيعه على المبادرة أم اننا سنشهد فصلا جديدا من مناوراته السياسة؟ وكيف ستمضي المرحلة الانتقالية؟ وماذا عن الرئاسة الشرفية لمدة تسعين يوما والضمانات الممنوحة من الملاحقة القضائية، ومواقف الأطراف المختلفة؟.
أسئلة كثيرة وتعقيدات كبيرة تنتظر المرحلة المقبلة، ابتداء بالدخول في شيطان التفاصيل التنفيذية للمبادرة وما سينجم عنها من بوادر خلافات وتفسيرات للبنود، وليس انتهاء بتربص المتربصين من قبل النظام ودوائره بشأن مرحلة تعد في نظرهم مناقضة وعدوة للعهد القديم.
ولعل ما يدعو للريبة أكثر ان التوقيع الأخير لم يأت بسهوله والكل يعلم ان ضغوطا كبيرة، محليا واقليميا ودوليا، مورست على صالح منذ شهور والذي سبق له التراجع عن التوقيع في ثلاث محطات رئيسية، وكانت هذه هي المرة الرابعة التي قبل فيها التوقيع على المبادرة مجبرا بعد تحريك ملف اليمن في مجلس الأمن الدولي وصدور قرار من قبل المجلس دعاه إلى توقيع المبادرة فورا ما لم فإن قرارا جديدا كان ينتظره وكان على وشك الصدور.
وطبقا لمصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة، فإن صالح تلقى تهديدات واضحة من قبل مجلس الأمن هدده بفرض عقوبات تشمل تجميد أرصدة عائلته ومنعه من السفر وإحالة ملفه إلى محكمة الجنايات الدولية في حال أصر واستمر في رفض التوقيع على المبادرة الخليجية.
ولوحظ في محطة الرياض أثناء التوقيع، كيف بدا خطاب صالح غير تصالحي وثأري وفيه إشارات كثيرة توحي بأن المرحلة المقبلة لن تكون خالية من المصاعب والإعاقات وسياسة التربص. وقد ركز خطابه على حادثة جامع دار الرئاسة، وهي الحادثة التي أصيب فيها بحروق بالغة مع عدد من قيادات الدولة بداية يونيو الماضي، وهو شبه ما حدث بأنه أسوا من جرائم الصهاينة الذين قال بأنهم استهدفوا الشيخ أحمد ياسين، زعيم حركة حماس، وهو خارج المسجد وليس في داخله.
وقال أيضا ان المهم ليس التوقيع على المبادرة الخليجية وإنما حسن النوايا في تنفيذها وان البلاد بحاجة إلى عشرات السنين لاعادة ما خلفته الأوضاع الحالية، وهي الحقيقة التي يتفق معه فيها الكثير من المراقبين والمتابعين، وإن كانوا يحملونه المسئولية.
وفي هذا السياق، يقول خبير روسي في الشئون اليمنية، ان "حل جميع المشاكل التي تراكمت خلال حكم صالح يتطلب عقودا من الزمن"، ولفت الخبير الروسي إلى ان المبادرة كانت موجهة لمنع حدوث تطورات مأساوية، وان البلاد كانت على وشك حرب أهلية.
ويؤكد مراقبون بأن المسألة اليمنية تحظى الآن بمتابعة سعودية ودولية عالية المستوى وان هذه الجهود هي من ستمنع انزلاق البلاد إلى مصير مجهول وستفوت الأمور على المتربصين بتنفيذ المبادرة. وقرأ هؤلاء كلمة العاهل السعودي بعد التوقيع من هذا المنظور عندما ركز على قضية الوفاء بالعهود، مخاطبا الحاضرين واليمنيين بالقول "ان العهد كان مسئولا"، ودعاهم إلى تجاوز الماضي بكل آلامه.
وإلى جانب الضغط الإقليمي والدولي الذي يجري التعويل عليه لنجاح المبادرة، يرى أخرون ان صالح حصل على شروط جيدة للخروج من السلطة لم يحصل عليها سابقيه كالقذافي ومبارك وبن علي في تونس، فالأول خرج من السلطة مطاردا ومقتولا في النهاية، والثاني غادر السلطة مخلوعا ولم تسعفه الظروف بالخروج بضمانات قانونية من المحاكمة، والثالث فر هاربا وينتظر شبح الملاحقة القضائية.
أما صالح، فعلاوة على انه سيبقى رئيسا شرفيا لمدة تسعين يوما، تمنحه المبادرة الخليجية أيضا حصانة قانونية من الملاحقة القضائية مع رموز نظامه ولازال الحزب الذي يترأسه حاضرا بقوة في المعترك السياسي وسيدخل الحزب حكومة الوفاق الوطني، طبقا للمبادرة، مناصفة مع المعارضة، وكما يبدو سيحاول صالح من خلاله ممارسة الحكم بطريقة أو بأخرى، وهو ما يعقد قراءة المستقبل والتوقعات بشأن مضي المرحلة الانتقالية بسلاسة خاصة مع بقاء تركيبة نظام صالح في أكثر من مكان وتركة 33 عاما من حكمه.
وبرغم التأكيد قبل نشر الصيغة النهائية للآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، بأن صالح سيسلم كامل صلاحياته لنائبه هادي فور توقيعه على المبادرة، وسيبقى رئيسا شرفيا من دون صلاحيات لمدة تسعين يوما. الا ان الآلية لم تتضمن ما يشير إلى ذلك بشكل واضح، وما جاء في البند الخامس منها التالي " يعتبر الجانبان أن الرئيس قد فوض نائب الرئيس، بموجب المرسوم الرئاسي رقم (24) لعام 2011، تفويضا لا رجعة فيه، الصلاحيات الرئاسية اللازمة للتفاوض بشأن هذه الآلية وتوقيعها وإنفاذها، إلى جانب جميع الصلاحيات الدستورية المتصلة بتنفيذها ومتابعتها وممتد الصلاحيات لتشمل الدعوة إلى اجراء انتخابات مبكرة، وجميع القرارات اللازمة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، بما في ذلك تنصيب أعضائها وغيرها من الهيئات المنصوص عليها في هذه الآلية".
ويفهم من هذا التفويض الرئاسي بأنه ليس كامل الصلاحيات بعد ان سبقه تسريبات عن رفض عبد ربه منصور التوقيع على المبادرة بسبب الصلاحيات الممنوحة له، وهو تغيب أيضا عن مراسم التوقيع في الرياض بعد تأكيد المستشار الاعلامي لصالح قبل يوم من التوقيع في الرياض بأنه أقسم يمينا بأنه لن يوقع على المبادرة.
وفيما أرجع عبد ربه منصور هادي عدم توقيعه على المبادرة بأنه كان مخولا بالتوقيع عليها فقط أثناء غياب صالح خارج البلاد. غير ان هذا الموقف يتناقض مع تأكيد الأخير في أول خطاب له عقب عودته من رحلته العلاجية من الرياض، بأن نائبه مخول في كل الظروف بالتوقيع على المبادرة الخليجية حتى بعد رجوعه إلى البلاد.
وتحدد الآلية التنفيذية الفترة الانتقالية بشكل مفصل، حيث قسمت إلى مرحلتين. تنتهي المرحلة الأولى يوم الثلاثاء الموافق 21 فبراير 2012م وذلك بانتخاب عبد ربه منصور هادي رئيسا جديدا للجمهورية بالتوافق.
وبموجب الآلية تشكل حكومة الوفاق الوطني في فترة أقصاها 14 يوما، وتتألف من 50% لكل طرف( المؤتمر وحلفائه والمشترك وشركائه) مع وجوب مراعاة تمثيل المرأة فيها. وما يتعلق بتقسيم الحقائب الوزارية، يقوم أحد الطرفين بإعداد قائمتين بالوزارات تسلم للطرف الآخر الذي يكون له حق اختيار إحدى القائمتين.
وعند تشكيل حكومة الوفاق الوطني، تشكل لجنة اتصال تتولى التواصل مع حركات الشباب في الساحات وباقي أنحاء اليمن لنشر وشرح تفاصيل الاتفاق وإطلاق نقاش مفتوح حول مستقبل البلاد والذي سيتواصل من خلال مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وبعد الانتخابات الرئاسية المبكرة، تبدأ المرحلة الانتقالية الثانية التي تستمر سنتين، ويتم خلالها إجراء حوار وطني شامل لحل المشاكل الكبيرة فضلا عن البحث عن شكل جديد للنظام ودستور جديد.
ومع احتفاء محدود لشباب الثورة بتحقيق ما اعتبروه الهدف الأول للثورة برحيل صالح عن السلطة، الا ان الغالبية رفضوا ما جاء في الاتفاق خاصة بند الضمانات الذي يتيح له النفاذ من الملاحقة القانونية. وعبر أحد الشباب عن امتعاضه من هذا البند، بالقول " لم نخرج إلى الشوارع ونقدم التضحيات حتى يحصل صالح وأقاربه على الحصانة من الملاحقة القانونية".
وحاول رئيس أحزاب المشترك الدكتور ياسين سعيد نعمان طمأنة شباب الثورة بتأكيده على ان هناك لجنة خاصة ستشكلها حكومة الوفاق الوطني للتحاور معهم بهدف اشراكهم في العملية السياسية المقبلة.
لكن ذلك لم يمنع من خروج مسيرات ومظاهرات شبه يومية تأكيدا لاستمرار برنامج التصعيد الثوري ورفض الاتفاق واعتباره مؤامرة على الثورة، على حد تعبير الحوثيين وبعض الشباب المستقل.
وجاء في بيان صادر عن المكتب الاعلامي لعبد الملك الحوثي " نؤكد رفضنا للتسوية السياسية التي تمت مع النظام المجرم، والتي تعيده إلى المربع الأول الذي ثار الشعب عليه وتمنحه حصانة من الملاحقة القانونية جراء جرائمه الفظيعة بحق الشعب اليمني، ونعتبر أي اتفاقية مع النظام الظالم تعتبر خيانة لدماء الشهداء والجرحى، واستخفافا بتضحيات الشعب اليمني وطعنة موجعة للثوار الأحرار الذين تحملوا كل أنواع المعاناة والسجن والتعذيب والقتل لأكثر من عشرة أشهر".
أما موقف الحراك الجنوبي، وكما جاء في تصريحات بعض قياداته، فقد اعتبروا التوقيع على المبادرة مسألة لا تعنيهم وأنها "تسوية سياسية بين النظام والمعارضة"، مؤكدين ان القضية الجنوبية مختلفة تماما وانه قد تم تجاهلها في الاتفاق، بالرغم من تضمين الآلية حلا شاملا للمشاكل العالقة في البلاد خلال المرحلة الانتقالية وبواسطة عقد مؤتمر حوار وطني شامل.
وسيبحث المؤتمر، طبقا لأحد بنود الآلية التنفيذية لمبادرة الخليج " القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وآمنه".
واعتبر الجيش المؤيد للثورة الاتفاق خطوة أولى على طريق الثورة السلمية. ودعا في بيان له، عقلاء المؤتمر وقوات الحرس والأمن والنجدة للعمل معا ولملمة شتات النسيج الاجتماعي والثقة بأن الوطن يتسع للجميع.
وقال البيان ان " ما حدث خلال الأشهر العشرة الماضية من عمر الثورة السلمية المباركة من تجاوزات في حق أبناء الشعب ومقدرات الوطن ومكتسباته يعد أمرا مؤسفا ومؤلما لنا جميعا, وأضحى من الطبيعي أن يمد العقلاء من أبنا ء اليمن كافة أياديهم إلى أيادي بعضهم البعض وكافة مكونات الثورة للوقوف جميعا صفا واحدا ضد أصحاب المشاريع الصغير ة المفلسة الذين كبدو ا الوطن والشعب الكثير والكثير نتاج صبرنا وسكوتنا عليهم".
وطغت بيانات الترحيب على المواقف الدولية والعربية وتعليقات الصحف، لكنها لم تخل في معظمها من اشارات إلى حجم التحديات التي تواجه اليمنيين خلال الفترة المقبلة، وكذلك التشكيك بنوايا صالح ورموز نظامه.
وقال مصدر بالخارجية الأمريكية إن توقيع صالح على المبادرة "لا يبدو أنه نهاية المشكلة". وأوضح المصدر ان "هناك شيئا ما يجعلنا نشكك فى نواياه الحقيقية"، مضيفا أن صالح، فى الخطاب الذي ألقاه فى الرياض عند التوقيع على الاتفاقية، شن هجوما عنيفا على المعارضة واستعمل آيات قرآنية "وكأنه يقول إنه على حق"، وقدم نفسه على أنه حريص على مصلحة اليمن أكثر من المعارضة.
وتناول المصدر الأمريكي شكوك كثير من المراقبين وتحليلاتهم لشخصية صالح ولفت إلى الثغرات التي تتربص بالاتفاق وتلك الحيثيات التي بدأت في الظهور حتى الآن.
ففي يوم الخميس الماضي، أي بعد يوم من التوقيع على المبادرة، بدا صالح وكأنه يواصل أداء مهامه الرئاسية المعتادة بالتوجيه إلى وزارة الداخلية للتحقيق في حادثة إطلاق النار من جانب مليشياته على مسيرة سلمية بصنعاء، خرجت للتنديد بالاتفاق ورفض منحه الحصانة من الملاحقة القضائية، وكذلك في تهنئته للقوات المسلحة والأمن بمناسبة العام الهجري الجديد.
وعدت مصادر معارضة ذلك خرقا للمبادرة الخليجية، فيما قال صالح في برقيته للقوات المسلحة والأمن " نتطلع بكل الأمل والثقة إلى أن تتعامل كافة الأطراف السياسية وكل القوى الخيرة بإيجابية مع المبادرة وآليتها التنفيذية، وان لا يتم التنكر لها كما تنكر الذين وقعوا في عمان عام 1994م على وثيقة العهد والاتفاق وأشعلوا الحرب وأعلنوا الانفصال".
وحذر من الالتفاف على ما تم الاتفاق عليه أمام مرأى ومسمع كل دول العالم من خلال ما وصفها " أعمال التصعيد ومحاولة تفجير الموقف والاستمرار في قطع الطرق والكهرباء وأنابيب النفط والغاز، وإشاعة الرعب والخوف في أوساط المواطنين الآمنين، والاستمرار في التمترس والتخندق في الشوارع والإحياء والاعتداءات المتكررة على معسكرات القوات المسلحة والأمن وذلك بهدف إفشال الاتفاق".
وتأكيدا لاستمرار دوره في المرحلة المقبلة، قال وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال، أبو بكر القربي، في حوار مع صحيفة "الحياة اللندنية" يوم السبت الماضي، " نظام علي عبد الله صالح لم يرحل عن اليمن، وصالح لن يرحل، بل سيظل يمنيا له الحق في البقاء، ولعب دور سياسي من خلال المؤتمر الشعبي العام".
كما برزت الشكوك بنوايا صالح للثأر من العهد الجديد أو تركه للحكم بسهولة في تحليلات معظم السياسيين والتعليقات الصحفية، حيث ركزت التحليلات على إرث الفساد والتوتر الذي خلفه حكمه خلال 33 عاما، وذلك من خلال تأليب القبائل ضد بعضها البعض، وغض الطرف عن نشاط تنظيم القاعدة.
وكذلك في إهماله للحركات الاحتجاجية في شمال الشمال والمحافظات الجنوبية واللعب الدائم على وتر التناقضات المحلية والاقليمية والدولية. وانتهت صحيفة أمريكية إلى خلاصة مفادها أن صالح رجل يكن الأحقاد في داخله، وأنه على الرغم من أن توقيعه على المبادرة الخليجية، تعد ضربة موجعة لغروره، إلا أنه يترك وراءه كأسا مسمومة ستحقق له الانتقام الذي يسعى إليه.
ودعت جريدة "الخليج الاماراتية" اليمنيين إلى عدم تكرار تجربة نظام يحكم لأكثر من ثلاثة عقود وأن يقتنعوا بأن نسخة ثانية منه يجب ألا تتكرر مرة أخرى. وحذرت مصادر دبلوماسية من عيوب في الاتفاق يمكن استغلالها لتقويض تطبيقه في كل مرحلة.
وأشارت المصادر إلى حجم الصعوبات في المرحلة الانتقالية وخاصة اللجنة المناط بها إعادة هيكلة الجيش. وقال المحلل في مركز بروكنجز بالدوحة، إبراهيم شرقية، ان اهم التحديات ستكون اعادة هيكلة الاجهزة العسكرية والامنية التي يسيطر عليها أبناء صالح وأبناء اخوته.
وأضاف "هذا هو الاختبار الحقيقي، هل سيتم تغيير النظام او تغيير علي عبدالله صالح؟ هل سيتم اقصاء احمد نجله الذي يقود الحرس الجمهوري مع أبناء عمه؟ بقاؤهم يعني بقاء النظام".
ويرى المحلل السياسي، عبد الغني الإرياني، ان قلائل يعتقدون أن الاتفاق يؤشر الى نهاية طموحات صالح السياسية. ويضيف "هو يظن أنه يوفر بقية مناوراته لمرحلة ما بعد التوقيع".
وبدوره، يرى المحلل السياسي، علي سيف حسن ان "الرعاية السعودية والدعم الدولي للتوقيع سيضمنان الى حد كبير نجاح التطبيق". ويضيف ان " كل الاطراف التي يمكنها ان تعرقل الحل هي تحت السقف السعودي".
لكنه يرى أيضا ان الطريق صعبة جدا ويتخوف من تشكيل "حكومة ضعيفة" غير قادرة على اخذ قرار، بما يشكل "تكرارا للمشهد المصري".
وقال الدكتور، فارس السقاف، "هناك تجارب مريرة سابقة مع صالح من حيث الانقلاب على الاتفاقات، لكنه الآن وقع على المبادرة وخيارات عدم التنفيذ محدودة جدا بالنسبة له لانه بات تحت المراقبة والمتابعة من السعودية وكل المجتمع الدولي".

*عن الناس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.