لا مجال للنقاش الهادئ حول قرار اتخذه مجلس النواب الاميركي مساء الثلاثاء بغالبية ساحقة بلغت 395 من اصل 435 عضواً يطلب من ادارة الرئيس باراك اوباما مراقبة ومعاقبة المحطات التلفزيونية العربية التي تحرض على العنف ضد الولاياتالمتحدة والاميركيين، ويسمي قناة الأقصى والمنار والرافدين.. لأنه بمثابة إعلان صريح بأن الحرب التي شنتها اميركا على العالمين العربي والإسلامي قبل ثماني سنوات، استؤنفت من جديد، وبأشكال وأدوات لا تختلف ابداً عن تلك التي استخدمتها ادارة الرئيس السابق جورج بوش. القرار لا يمثل خروجاً على تقاليد الكونغرس الاميركي بمجلسيه، والذي اثبت في جميع قراراته الخاصة بالقضايا العربية والإسلامية انه لا يختلف كثيراً عن برلمان عربي يبصم للقائد ويجهد لإثبات صحة أقواله وأفعاله، ويزايد عليه في الذهاب الى الحروب والنزاعات.. لكنه يتعارض مع أجواء شاعت في اعقاب انتخاب اوباما بأن الاميركيين قرروا مراجعة حملتهم العسكرية الراهنة ومد يد المصالحة مع العرب والمسلمين، وحصر معركتهم بالإرهابيين الفارين من وجه العدالة، وتحديداً قادة تنظيم القاعدة، وزعيمهم اسامة بن لادن الذي استعيد ذكره مراراً في الجدل الاميركي المستمر حول الاستراتيجية الجديدة في أفغانستان.
وبغض النظر عن الربط الضمني المتجدد بين القاعدة وبين التنظيمات التي تشرف على الأقنية التلفزيونية المستهدفة، فإن المسألة هي في المقام الاول تمس حرية الرأي والتعبير التي لا يجوز ان يحرم منها حتى بن لادن نفسه، فكيف اذا كان ذلك الرأي يخص حركات سياسية علنية وشرعية وذات قاعدة شعبية لا شك فيها.. لا تقول في اجهزتها الاعلامية اكثر بكثير مما يقوله الجمهور العربي والإسلامي عموماً، ولا طبعاً ما يقوله الجمهور الأميركي نفسه الذي يبادل العرب والمسلمين مشاعر العداء والكراهية.
اسوأ ما في القرار انه يعكس هذه الأجواء المشحونة والمتبادلة ويغذيها مجدداً، ويوحي بأن اميركا تريد ان تفتح صفحة جديدة من الحرب، بدلاً من ان تغلق بعض الصفحات المفتوحة، وتساهم في توسيع دائرة أعدائها وخصومها الذين لا يكنون الكثير من التقدير لتلك القنوات التلفزيونية المستهدفة، لكنهم يحرصون على ان تظل قادرة على البث والوصول الى الجمهور، مهما كان موقفها متطرفاً ومهما كان جمهورها معبأ.. ضد سياسة اميركية تنشر اكثر من نصف مليون جندي في معظم بلدان العالمين العربي والإسلامي، حيث لا يقومون بمهمات إغاثة أو أعمال خيرية.
لعل تجديد الحرب على أفغانستان يعيد اميركا اليوم ثماني سنوات الى الوراء. ولم يقم الكونغرس في قراره الأخير سوى بالتقاط تلك الإشارة الواردة من الرأي العام الاميركي والتعبير عنها بصراحة وتوجهيها نحو قنوات وتنظيمات إسلامية، ليس في برامجها من تحريض على العنف ضد الولاياتالمتحدة والأميركيين، سوى ما تستدرجه اميركا نفسها، وما لا يحتاج الجمهور العربي والإسلامي الى اي محطة تلفزيونية كي يرتكبه او يؤيده او يتقبله باعتبارها جزءا من مواجهة بات من المستحيل الخروج منها.