يمارسون دور الله ويدعون معرفة ما لم يرون أو يسمعون.. لطالما تعجبت من القدرة الإلهية في البعض لإثارة الزوبعة واللغط حول موضوع ما.. قضية ما.. لقاء ما يصبح فجأة قضية رأي عام.. يحللون ببساطه شديدة وكأنهم كانوا متواجدون في الحدث بل غالبا ما يدعون إطلاعهم على النوايا والضمائر. من خلال عملي كصحفيه ومراسله لصحف أجنبية تعلمت ان جهد العناء للحصول على المعلومة هو ما يصنع الصحفي ويميزه وليس تناقل الإشاعات وما نسمعه من الآخرين.
تعلمت ان ما يميز الصحفي هو وجوده أثناء الحدث ثم البحث والتقصي أكثر عن خلفية الحدث والبحث والتقصي أكثر عن دقة وصحة المعلومات التي أعطيت أثناء الحدث والبحث عن مصادر جديدة تؤكد او تنفي او تلقي شبهات تتطلب عملا إضافيا للتأكد من تلك المعلومات.
للأسف ليس الجميع يعي أهمية إتباع هذه الخطوات لنقل الحقيقة وفي ظل تمكن الجميع من تناقل المعلومات عبر وسائل الاعلام الحديث اختلط الحابل بالنابل. وفي ظل غياب ثقافة التيقن من المعلومات قبل النقل عند الجمهور العام أصبح من السهل جدا تلوين أي معلومة بلون معين ورسمها وتصويرها بحسب وجهة نظر ناقل المعلومة وبحسب آرائه ومزاجاته الشخصية.
ومن المؤسف أيضا غياب دور للإعلام في تثقيف وتسليح المجتمع ليصبح قادر على المشاركة الفاعلة في صنع القرار والتمييز بين الحقيقة والتضليل بل على العكس أصبحت أكثر الوسائل المحلية خاصة مشوهه للحقائق.
كما أنه من الغريب أيضا تهافت الناس على الاشاعات لمجرد الانتقاد او التنكيل حتى وان كان مصدر معلومتهم هو خصمهم نفسه.
في ابريل 2011 في خطبة علي عبدالله صالح التي أساء فيها للنساء وشكك في أخلاق الثائرات صدمت من تأثير خطابه على شركاء الثورة قبل مناصريه أنفسهم. وصدمت أكثر ان اكبر إهانة للثائرات لم تكن على يده بل على يد ولسان شركائهم الذين تأثروا بخطابه. تنبهت ان الفرد الذي يتبع جماعه اكبر, كثيرا ما يغيب عن عقله أهمية منطقة الأمور ثم التيقن منها. وأن العقل الجمعي اقل كفاءة وقدرة على الأداء من عقل الفرد وحيدا.
توالت الأحداث وتأكد لي كسل العقل الجمعي عن التفكير. ولكن للأنصاف برزت شخصيات شبابيه تثير الإعجاب بطريقة تفكير حديثة وعقلانية سواء مستقلة أو منتمية لحزب ما تفكير بعيد عن التعبئة المسبقة والإحكام العقيمة والأهم بعيد عن الإساءة.
أيضا في لقاء الأمس مع رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة شنت حملة ضد الشباب الذين حضروا الحملة حتى من اقرب الناس إليهم دون تكلف عناء التيقن من أسباب وملابسات الزيارة وجاءت هذه الحملة لسببين.
السبب الأول: كردة فعل لما تناقلته وسائل الاعلام من تصريح لرئيس الوزراء عن "اعتذار" الشباب له بدر منهم من اعتراض وشغب في مؤتمر حقوق الإنسان الاول الذي عقد بتاريخ 9-12-2012. واعتذاره لهم لما بدر منه امام الملأ من استخدام الفاظ فاضحة وغير لائقة كردة فعل للشغب في قاعة المؤتمر.
السبب الثاني : عدم تمثيل الوفد الشبابي الذي حضر اللقاء لشريحة الشباب سواء المستقل بعمومه او الافراد الذين طالتهم إهانة باسندوة بشكل مباشر في المؤتمر.
تبدو لي اسباب منطقية للغضب ولكن ما يؤسفني اسراع القائمين بالحملة قبل التيقن من حقيقة اللقاء. اسبابه ما تم فيه ومخرجاته. ببساطه اكثر الشخصيات التي ظهرت في اللقاء معروفه ويسهل التواصل معها واخذ تصريحاتها ونقلها كما هي وعلى الجمهور ان يحدد ما إذا أراد تصديق باسندوة أو رأي ناقل الحدث او رأي الشباب الذين حضروا.. ولكن كالعادة لم يرى أصحاب الحملة ضرورة للتيقن وأثروا تصديق باسندوة والنيل من رفقاء دربهم باستخدام الفاظ لا تقل جرحا عن تلك التي استخدمها باسندوة في المؤتمر فما الفرق اذن بينه وبينهم ولماذا يحتجون عليه اذن ويعترضون على كلماته اذا كانت تملا قاموسهم ايضا. لكنني هنا لا اعمم.
تم التواصل معي للقاء باسندوة ببساطه كما يتم التواصل معي للقاء أي مسؤول اخر يمني او غير يمني ابتداء بالرئيس وانتهاء بجمال بن عمر. بصفتي الشخصية.. كناشطة وصحفيه مستقله لا انتمى لأي حزب وكثيرا ما توافقت مواقفي في الثورة مع مواقف الشباب المستقل. السؤال الذي يراودني منذ الامس. في حين اننا كشباب مستقل لسنا جماعه او كيان كالكيانات الحزبية هل حقا يفترض بي طلب الاذن من احد قبل الذهاب الى اي لقاء؟ واذا كان طلب الاذن منطقي ممن يفترض بي اخذه؟
لماذا يريدون اضاعة حقوق الفرد واستقلاليته برأيه. اذا كنت بحاجه الى مرجعية تعطيني الاذن او تمنعني لانتميت لجماعة ما هذا ما يقوله المنطق. إذأ فزيارتي لباسندوة أمر لا يحق لأي شخص سواي تقرير صوابه من خطأه وهذا ينطبق على اي مستقل اخر كان متواجد. أما بالنسبة لمن هو متحزب فأيضا كونه ممثلا لجماعته ام لا فهو ليس من نطاق اختصاصي وهو شأنهم الخاص.
علينا الاتفاق آن باسندوة هو الآن رئيس لوزراء اليمن أي انه يمثل جميع اليمنيين الذين ارتضوا المبادرة الخليجية والذين لم يرتضوها. أي أن إهانة باسندوة طالت الجميع لأنه ممثلا للجميع ولم يكن جديرا به ان يتعاطى مع الموقف بهذه الطريقة التي تحقر من شأن الشباب. واصفا اياهم بالفاشلين وغيرها من الالفاظ. اذن فاعتذاره مستحق لجميع المواطنين بوجه العموم لشباب الثورة وبالأخص للشباب الذين تعرضوا لسبابه المباشر أثناء المؤتمر.
راوغ باسندوة أو كذب عمدا حين قال ان الشباب اعتذر له. بعض المتواجدين كانوا فعليا من الشباب المعترض في مؤتمر حقوق الانسان البعض كانوا شباب احزاب والبعض جاء ليعرض قضايا تهمه وهم من كان يتم تأجيل زيارتهم منذ اكثر من شهر. اذن لم يكن سبب الزيارة تمثيل الشباب ولا يوجد ما يغيظ في زيارة الشباب بالأمس حيث أنها ما كانت فعليا تتمحور حول مؤتمر حقوق الإنسان لكن باسندوة ظل يكرر اعتذاره ويشرح كيف تم التغرير به قبل المؤتمر بتهديد من رمزيه الارياني لتخريب المؤتمر حد قوله بالامس. وقال "اعتقدهم مندسين" لي تحفظ شخصي على كلمة مندسين حين تستخدم من رئيس الوزراء فهي تعني انه لم يعي بعد طبيعة عمله بمعنى ان جميع من يحمل الجنسية اليمنية يستحق ان يهتم رئيس الوزراء برأيه وان يضع كل جهد مطلوب للاستماع لمطالبه وتحقيقها سواء كان شمالي او جنوبي. مستقل او متحزب. مناصر او معارض.. حوثي او حراكي او مؤتمري. لا يليق برئيس الوزراء تصنيف المواطنين في رأسه وهذا رأي الشخصي. اعتمد باسندوة كثيرا في اعتذاره على حقيقة انه بشر يخطئ ويصيب طالبا من الجميع الصفح.
في المقابل تحدث الشباب بشكل واضح ودقيق ومحترم جدا وعرضوا وجهة نظرهم في أداء حكومة الوفاق وفي تأخر تحقيق المطالب الثورية وفي خيبات الشباب المستقل تحديدا من تهميش الحكومة لدورهم في كل جوانب المرحلة الانتقالية استمع باسندوة للنقد وعن وضع الجرحى والمعتقلين وعد بتحسين الاداء هذا ما حدث أما ما اعتقده انا وهو مبني على وجهة نظر شخصية قد تخطأ او تصيب انه لم يعي تماما حجم الهوة بين الحكومه والشباب.
استشهد البعض بالغضب المصري تجاه مرسي كتصعيد قد يصل اليه الشباب اليمني أيضا الم تتدارك الحكومة أخطائها أكد باسندوة اعتذاره وعرض الذهاب للاعتذار في ساحة التغيير للجميع كما عرض أن يأتي أسبوعياً للساحة ليتم مسائلته من قبل الشباب وهو الاقتراح الذي اعجبني بشده. وجاء الدكتور ياسين سعيد نعمان باقتراح انشاء رئاسة الوزراء مكتب يعنى بشؤون الشباب.
علمتني الحياة ان سياسيو اليمن وجوه مختلفة لنفس التفكير النمطي.لم اعول كثيرا على ما تم ولكني وجدته امرا صحيا وضروري. ولأني املك صوتا هو سلاحي بالمقام الاول فانا اما اصرخ داخل نفسي.. اما اصرخ في البيت.. او اصرخ في الحارة والمدرسه والمسجد. او اصرخ في المسيرات والمظاهرات.. او اظهر على التلفاز واتحدث في الراديو. او اكتب للملأ او اذهب واقول رائي ايضا لصانع القرار والمعني الاول.. بالنسبة لي كلها وسائل احدد انسبها وحدي.
لم يعتذر الشباب لباسندوة ولكن اعتذر باسندوة للحاضرين قبلوا اعتذاره او لم يقبلوا هو شأن كلا منهم لانهم ليسوا وحدة واحده بل افراد وفي المقابل ان يعترض الاخرون على الزيارة هو أمر غير منطقي لأنه ليس من شانهم ولكن اذا تم استدعائهم واعترضوا فهو امر اخر يستحق الاحترام ان يرفضوا اعتذاره او يقبلوه هو بالتأكيد أمر يستحق الاحترام وان يذهب الاخرون لوسائل اخرى كرفع قضية مثلا على باسندوة فهو أيضا حق لهم. ولكن ما ليس من حق الآخرين هو ان يملوا على سواهم خياراتهم بالطريقة التي استخدمت ضدنا.