لكم كان مزعجا بالنسبة لي أن أبدأ رحلتي الطويلة بين صنعاء ووصاب بمشاهدة العديد من التقطعات القبلية لاسيما في المناطق القريبة من العاصمة صنعاء. لقد أظهرت أسئلة المسلحين وطلباتهم بشكل واضح أن هناك أصابع خفية تحرك هؤلاء الغوغاء وأنهم، من دون شك، يعملون لحساب جهات سياسية معينة. وكلما توارينا أكثر عن العاصمة صنعاء اختفت المظاهر المسلحة، وتذللت كافة الصعاب وشعرنا بالأمان التام بعد أن تجاوزنا السلاسل الجبلية المحيطة بالعاصمة وهبطنا إلى السهل التهامي.
في إحدى المناطق القريبة من مدينة الحديدة، لعلها مدينة الحسينية، توقفنا لبرهة أمام عراك بين عمال أحد المطاعم وعدد من الأشخاص، وبالكاد استطاع الناس أن يوقفوا هذا العراك الذي لم يسفر عن أي إصابات، ربما لأن سكان السهل التهامي لا يحملون السلاح الأبيض أو ما يسمى بالجنبية. تذكرت حينها أن ارتداء الجنابي في صنعاء والمناطق المحيطة بها أحد الأسباب الأساسية لارتفاع حالات القتل بشكل مخيف في تلك المناطق.
وبينما استغرقت ملياً في التفكير في إمكانية منع ارتداء الجنابي أو على الأقل الحد من ارتدائها في الأماكن العامة وفوق وسائل المواصلات والأسواق، تذكرت أن البنادق والرشاشات والأسلحة الثقيلة ما زالت تملأ العاصمة صنعاء وأن من الأفضل تجاهل موضوع كهذا.
كل المشاهد السابقة جعلت رفقائي المسافرين يغرقون في جدل لا نهاية له حول إمكانية تحويل عاصمة اليمن إلى مدينة أخرى. وفيما أصر بعض المسافرين على ضرورة إبقاءصنعاء عاصمة لليمن، اقترح آخرون تحويل العاصمة إلى عدن أو الحديدة أو تعز أو إب.
وما إن اقتربنا من المرتفعات الجبلية لوصاب حتى بدأنا نشم نسائم الهواء العليل ونستمتع بجمال الجبال المكسوة بالخضرة والجمال، حينها تزاحمت في مخيلتي الكثير من ذكريات الصبا التي جعلتني أشعر بسعادة لا تقارن.
بالفعل، تحولت بعض المناطق في وصاب إلى ما يشبه الغابات بعد عزوف الناس عن استخدام الحطب وتفضيلهم استخدام الغاز المنزلي رغم أسعاره الباهظة في قمم الجبال، لكنني لاحظت أيضاً انتشار بعض الأشجار الضارة وغير المفيدة مثل الصباريات الشوكية ذات الثمار الحمراء وما يسمى بأشجار "السول" و"الثعب" التي لا يستفيد منها أحد، الأمر الذي يستدعي تدخل وزارة الزراعة بشكل عاجل.
ما لفت انتباهي كثيراً منذ أن وصلت إلى قريتي في وصاب هو حصول ثمانية طلاب على معدلات امتياز في الشهادة الثانوية هذا العام في إحدى مدارس المنطقة فقط، أحدهم استطاع أن يحقق 97 بالمائة. لقد أدهشني فعلاً اجتهاد ومثابرة الطلاب رغم الصعوبات الكبيرة التي يلاقونها والإهمال الواضح التي تعاني منه تلك المناطق التي يصعب على أي مسؤول الوصول إليها.
يتذمر المواطنون كثيراً في وصاب، لاسيما خلال جلسات القات، من استمرار تبعية وصاب وعتمة لمحافظة ذمار، وينسجون أحلاماً وردية بشأن تحويل المنطقة إلى محافظة مستقلة حتى يتسنى لهم متابعة قضاياهم والالتقاء بالمسؤولين ووضع حد للتهميش والعزلة التي تعاني منهما المنطقة منذ عقود.
تحدث الكثير من الأشخاص عن المشاكل والعوائق التي يواجهونها جراء صعوبة الوصول إلى مركز المحافظة، مشيرين إلى أن طلاب المنطقة المتفوقين يحرمون في الغالب من الحصول على منح دراسية في الخارج بسبب المحاباة والفساد والتمييز وبعد المنطقة عن مركز المحافظة.
ومن المفارقات العجيبة أنه لا بد على سكان المنطقة تجشم عناء السفر من وصاب إلى الحديدة ومن ثم إلى العاصمة صنعاء وأخيراً إلى ذمار من أجل تعميد شهادة أو المنافسة على منحة دراسية أو ما شابه ذلك، حيث أنه لا يوجد إلى الآن طرق معبدة تربط المنطقة مباشرة بمركز المحافظة.
بالفعل، ستكون في انتظارك رحلة شاقة جداً وباهظة التكاليف تستلزم الاستعداد جيداً في حال فكرت في السفر من وصاب إلى مدينة ذمار. ولأنك ستحط رحالك في أكثر من محافظة قبل أن تصل إلى مركز المحافظة لتعميد شهادة أحد أقربائك، فإن عليك أن تملأ جيبك بالنقود التي ستصرفها للمأوى ووجبات الإفطار والغذاء والعشاء وما إلى ذلك.