مازالت تداعيات توقيع وثيقة مخرجات القضية الجنوبية تتواصل تباعاً على المستويين السياسي والشعبي، سلباً وإيجاباً، غير أن أهمها انعكس سلباً على إمكانية استكمال أعمال مؤتمر الحوار الوطني نهاية هذا الشهر، لاسيما بعد تعثر التئام الفريق المصغر للقضية الجنوبية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين. وبدا أن «الانتصار الكبير»، الذي أعلن عنه عقب توقيع الوثيقة، مساء الاثنين الماضي، تحول اليوم إلى أزمة جديدة ألقت بظلالها على المشهد السياسي نتيجة تخلف ثلاثة مكونات رئيسية عن التوقيع على الوثيقة، هي: الاشتراكي والمؤتمر والناصري.
وكشفت مصادر متطابقة بمؤتمر الحوار الوطني ل«المصدر أونلاين» أن الاجتماع الذي كان من المقرر أن يعقده الفريق المصغر للقضية الجنوبية، الثلاثاء الماضي، تعثر بسبب عدم اكتمال النصاب. كما مر يوم الأربعاء أيضا دون أن يتمكن الفريق من عقد اجتماعه نتيجة عدم حضور ممثلي المكونات التي لم توقع على الوثيقة.
وعلم «المصدر أونلاين» من مصادر موثوقة أن مفاوضات تُجرى على مستويات عالية مع المكونات الرافضة للوثيقة بهدف احتواء الخلافات والتوصل إلى تسوية سياسية بصيغة مناسبة تلبي كافة مطالب الرافضين قدر الإمكان حتى يتسنى التوقيع على وثيقة المخرجات من كافة المكونات المنضوية في إطار الفريق المصغر للقضية الجنوبية، ورفع التقرير النهائي إلى هيئة رئاسة الحوار لمناقشته ضمن الجلسة العامة القادمة.
وتوقع مصدر رفيع في إحدى الهيئات العليا بمؤتمر الحوار أن الجلسة العامة الثالثة من المقرر أن تعاود أعمالها يوم الأحد القادم لمناقشة التقارير النهائية لفريقي العدالة الانتقالية وبناء الدولة، بعد إقرارهما بشكلهما النهائي من قبل رئيس الجمهورية الأربعاء الماضي.
وكانت لجنة التوفيق رفعت للرئيس مؤخرا مقترحاتها بشأن حسم المواد المختلف حولها ضمن فريقي العدالة الانتقالية وبناء الدولة.
وعلم «المصدر أونلاين» أن الرئيس هادي عقد الأربعاء اجتماعاً مع هيئة رئاسة مؤتمر الحوار، أقر�' فيه مقترحات لجنة التوفيق بحسم خلافات التقريرين وإحالتهما للمناقشة في الجلسة العامة ابتداءً من يوم الأحد القادم.
وقالت مصادر رفيعة في مؤتمر الحوار ل«المصدر أونلاين» إن هيئة رئاسة الحوار والأمانة العامة لم تقررا بعد موعدا نهائيا للجلسة الختامية؛ كون ذلك منوطاً بحسم خلافات الفريق المصغر للقضية الجنوبية الناجمة عن رفض مكونات الاشتراكي والمؤتمر الشعبي والتنظيم الناصري التوقيع على وثيقة المخرجات، لكنها توقعت أن تحسم تلك الخلافات خلال أيام قليلة، مشيرة إلى أن المفاوضات جارية بشكل مكثف مع تلك الأطراف.
وتحولت الوثيقة وتداعياتها لتكون هي القضية الطاغية على المشهد السياسي اليمني المضطرب والمتوتر في أكثر قضية وجبهة.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه معدو الوثيقة وبعض الأطراف الموقعة عليها بأنها انتصار كبير للقضية الجنوبية واليمنيين جميعا (طبقا لتصريحات جمال بنعمر في مؤتمره الصحفي الثلاثاء الماضي)، شنت الأطراف الرافضة هجوماً على الوثيقة ومضمونها ومعدوها والموقعون عليها، واعتبروها إجمالاً تأصيلاً للانفصال والتمزق والتفريق بين أبناء الشعب الواحد في الحقوق والواجبات، محذرين من خطورة تداعياتها على أمن واستقرار ووحدة اليمن.
ومن خلال استعراض جانب من ردود الفعل القادمة من الحزب الاشتراكي وحزب المؤتمر الشعبي العام والتجمع الوحدوي الناصري، يبدوا واضحاً أن الاشتراكي، الذي تغيب عن التوقيع، لم تكن مشكلته الرئيسية مع مضمون ومحتويات الوثيقة، بل مع الطريقة التي سيتم خلالها تحديد شكل الدولة الاتحادية القادمة وخيارات تقسيمها إلى أقاليم، معرباً عن قلقه من وجود توجه يمهد لإقرار مشروع «الستة أقاليم»، بدون تقديم أي حيثيات منطقية، على حساب تهميش مشروع الإقليمين (شمالي وجنوبي) الذي تقدم به بحيثياته ومبرراته.
وأكد مقدم الوثيقة، المبعوث الأممي جمال بنعمر، ذلك في مؤتمر الصحفي الذي عقده ظهر الثلاثاء «أن اعتراض الحزب الاشتراكي على الاتفاقية كان فقط حول الخيارات المطروحة بشأن الأقاليم، وليس مضمون الوثيقة والمبادئ المثبتة في الوثيقة، وأن الحزب لم يعترض على القضايا المضمونية المتعلقة بالمبادئ ولا أظن أن هناك مشكلة في هذا الموضوع».
وعلى العكس من ذلك، تجسدت مشكلة المؤتمر الشعبي العام مع مضمون ومحتويات الوثيقة بشكل عام، لا مع مشروع «الستة أقاليم» الذي يدعو إليه. ورفض مصدر مسؤول في المؤتمر توقيع الدكتور عبدالكريم الإرياني، النائب الثاني لرئيس الحزب، على الوثيقة واعتبره موقفاً شخصياً لا موقف الحزب، فيما اعتبر مضمون الوثيقة تأصيلاً للانفصال.
من جهته، أيضا، يرفض التنظيم الوحدوي الناصري مضمون الوثيقة إلى جانب مشروعي الستة أقاليم والإقليمين. وينطلق التنظيم في رفضه كون الوثيقة من وجهة نظره «تؤسس لخلافات داخلية عميقة في اليمن حول بناء الدولة وتكرس مبدأ الهويتين داخل الدولة الواحدة».
والأربعاء، أصدر التنظيم بياناً عن الاجتماع الموسع الذي عقدته الأمانة العامة مع أعضاء اللجنة المركزية وممثلي التنظيم في مؤتمر الحوار الوطني.
تضمن البيان مبررات رفض التنظيم التوقيع على الوثيقة، مشيراً إلى أن أهم الملاحظات المطروحة «تلك التي تتعلق بالنصوص التي تؤسس لهوية جنوبية وهوية شمالية داخل كيان الدولة، ومنها ما ورد في المادة تسعة الذي ينص على تمثيل الجنوب بنسبة 50 بالمائة في كافة الهياكل القيادية في الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية والجيش وأجهزة الأمن وفي مجلس النواب في الدورة الانتخابية الأولى بعد إقرار الدستور».
واعتبر أن هذا النص «يهدم حقوق المواطنة المتساوية في الدولة الواحدة ويتناقض مع مبادئ الوثيقة ذاتها في المبادئ السابقة على هذا المبدأ ويتناقص مع القسم الأول من الوثيقة الخاص بمعالجة مشكلات الماضي وتطبيق أركان العادلة الانتقالية والتي نؤيدها جُملة وتفصيلاً».
وأضاف البيان: «إن الأخطر في الوثيقة أنها تُؤسس لكيان جنوبي في مواجهة كيان شمالي والعكس بصورة دائمة»، مشيراً بالتوضيح إلى النصوص التي تضمنتها الوثيقة بهذا الصدد.
وفيما استعرض البيان، المطول، مجموعة نصوص أخرى ومقترحاته بتعديلها، أكد أنه «سيظل مع الاجماع الوطني واحترام التوافق وقواعد الحوار الوطني»، في الوقت الذي شدد فيه على «ضرورة معالجة الأسباب الحقيقة للقضية الجنوبية والأزمة الوطنية»، مشيراً إلى أنه «يرى أن أي حلول تجعل من الجغرافيا ومن الجيو-سياسية التي كانت قائمة قبل الوحدة كأنها السبب وليس الحكم العصبوي المستبد، تؤسس لمشكلات وأزمات وطنية أخرى، وهو ما ننبه اليه ونحذر منه».
وفي سياق متصل، هاجم الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام، عارف الزوكا، مضمون ومحتويات الوثيقة، في لقاء مع قناة «اليمن اليوم» التابعة لرئيس حزب المؤتمر، صالح.
وهاجم الزوكا المبعوث الأممي جمال بنعمر، الذي قدم وثيقة «ستقود البلد للتدمير الشامل، وتضع اليمن أمام المجهول». وقال إن «الوثيقة كان يفترض أن تعالج القضية الجنوبية وتضع الحلول العادلة لأبناء هذه المحافظات، لكنها تجاهلت مسؤوليتها وانصرفت لتسوية أوضاع بنعمر الذي يريد أن يقضي بقية حياته في اليمن».
يأتي ذلك، فيما رح�'ب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بوثيقة الاتفاق «المتضمنة الوضع المستقبلي لجنوب اليمن والهيكل الجديد للدولة اليمنية».
وأشاد أمين عام الأممالمتحدة في بيان تلاه المتحدث باسمه، الثلاثاء الماضي، بجهود مستشاره الخاص لشؤون اليمن جمال بنعمر في تسهيل المفاوضات بشأن هذه القضايا خلال الأشهر الثلاثة الماضية وبشكل وثيق مع الرئيس عبد ربه منصور هادي وقادة الأحزاب والأطراف السياسية في اليمن.
وأوضح بان كي مون أن هذا الاتفاق ينص على إنشاء دولة اتحادية جديدة، ويحدد المبادئ التي ستقوم عليها فضلاً عن كونه يحدد الآليات الخاصة بتمثيل الجنوبيين في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكذلك في الخدمة المدنية، لافتاً إلى أن الاتفاق قضى بأن يتولى الرئيس هادي تشكيل لجنة برئاسته تتولى تحديد عدد الأقاليم في الدولة الاتحادية الجديدة تمهيداً لإقامة دولة جديدة موحدة على أسس فيدرالية وديمقراطية، تراعي حقوق الإنسان وسيادة القانون والمواطنة المتساوية من خلال خلق هيكل وعقد اجتماعي للدولة الجديدة.
وفي ختام بيانه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف في اليمن إلى مواصلة العمل معا بحسن نية وبالتعاون مع مستشاره الخاص بهدف حل القضايا العالقة والمضي قُدما في عملية الانتقال السياسي.
وضمن ردود الفعل حول الوثيقة الخاصة بمخرجات وحلول وضمانات القضية الجنوبية، اعتبر نائب رئيس مؤتمر الحوار عن فصائل الحراك الجنوبي، ياسين مكاوي، أن الوثيقة «تلبي عملياً استحقاقات جنوبية حقيقية بنسبة 70% لصالح الجنوب على أرضه في إعادة هويته، وتمكنه من تحقيق ملامح كيانه الجديد».
ونقل موقع «الجزيرة نت» عن مكاوي قوله ان الأسس والمبادئ التي نصت عليها الوثيقة للدولة الاتحادية القادمة تعد مطلباً أساسياً لإعادة بناء المؤسسات الجنوبية التي تعرضت للنهب والتدمير منذ حرب صيف 1994 وخلال فترة حكم نظام الرئيس السابق على عبدالله صالح.
وحيث أوضح أن الوثيقة لم تحدد بعد عدد الأقاليم للدولة الاتحادية، وقد فوضت رئيس الجمهورية لتشكيل لجنة لدراسة خيار ستة أقاليم أربعة بالشمال واثنين في الجنوب، إلى جوار خيار الإقليمين، شمالاً وجنوباً، أكد بالقول: «ونحن كممثلين عن الحراك الجنوبي مع مبدأ أن تكون هذه الدولة من إقليمين، وهذا هو خيارنا الأدنى».