بات مؤكداً أن الفقر والعوز الذي يعاني منه ثلث سكان العالم العربي، ثغرة تعبر منها المجموعات المتطرفة إلى عمق البلاد العربية. فالمال يعد أحد مصادر "الإغراء" الأساسية التي تستخدمها المجموعات المتطرفة لتجنيد شبان وشابات في صفوفها. حالة التراجع الاقتصادية التي يعاني منها الشباب، دفعت المسؤولين الاقتصاديين إلى مطالبة الحكومات جدياً باعتماد سياسة "الشمول المالي"، التي تقوم على تقديم الخدمات المالية والنقدية لأكبر شريحة ممكنة من السكان، من بينها أصحاب الدخل المحدود والمتدني، بهدف الابتعاد عن أعمال التطرف لكسب المال من جهة، وخلق وظائف جديدة والحد من الفقر من جهة أخرى، مما يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي. إذ بات الشمول المالي يشكل حاجة ملحة لتنمية الاستقرار، لاسيما بعدما بيّنت الأرقام وجود نسبة كبيرة من الأشخاص ممن لا يتعاملون مع المصارف وليست لديهم حسابات مصرفية محدودة أو بسيطة. وظهر بحسب الدراسات التي عرضها اقتصاديون ومصرفيون في الدورة العشرين ل"المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2015" التي شارك فيها مئات المصرفيين والاقتصاديين العرب واللبنانيين، بعنوان "خارطة طريق للشمول المالي 2015-2020" أن "200 مليون عربي بعيد كل البعد عن منابع الاقتصاد، ونصف البالغين في أنحاء العالم، أي 2.5 مليار نسمة لا يحصلون على خدمات مالية رسمية. كما أن 75 في المئة من الفقراء لا يتعاملون مع المصارف نتيجة تدني قدراتهم المالية". ولتغيير هذا الواقع، رأى رئيس اتحاد المصارف العربية محمد بركات أن "اتجاه الحكومات الى اعتماد نظام الشمولية المالية ضرورة"، مشيراً إلى أنه "بات يتعيّن حالياً على السلطات المصرفية والاقتصادية وضع إستراتيجيات عمل وتبني الشمول المالي كمفهوم قابل للتطبيق ووضعه ضمن اولوياتها، نظراً لنتائجه الايجابية على المصارف لناحية زيادة مدخراتها المالية، وعلى المجتمع". وبعدما طاول الارهاب دول عربية عدة، كان لمصر حصة وافية منه، أكد نائب رئيس مجلس إدارة "بنك مصر" أحمد ابو العز ل"السفير" أن "مساعي جدية يبذلها المصرف المركزي المصري لاشراك أكبر عدد ممكن من الشباب المصري في التحولات النقدية"، مشدداً على أن "الشمولية المالية تدخل في إطار محاربة الارهاب وتجفيف منابع التمويل المالي للمتطرفين، لذا فإننا ملتزمون بالكثير من الاتفاقيات والمعاهدات التي تنص على قواعد تحكم التعاملات المالية وكيفية استقبال الأموال وتحويلها بشكل يحمي البلاد". ولفت ابو العز الانتباه إلى أنه "بالرغم من المشاكل التي تواجه النظام المصرفي والنقدي العربي بشكل عام، لا يزال ثابتاً ومستقراً ويؤدي الدور المطلوب منه، وما هي المشاركة في هذا المؤتمر إلا سعياً لتطوير القطاع المصرفي بشكل يخدم المجتمعات العربية". إلا أن رئيس رابطة المصارف الخاصة العراقية وديع الحنظل رأى أن "مشاكل كثيرة تعيق تطبيق نظام الشمولية المالية في العالم العربي". وأوضح ل"السفير" أن "التغيير في دول اوروبا الشرقية حصل بفعل قرارات الزامية فُرضت على المؤسسات المعنية، حتى وصلت نسبة العملاء والمستفيدين من الخدمات المالية الى 60 في المئة من الشباب، في حين لا تتعدى نسبة المستفيدين من هذه الخدمات في العالم العربي ال17 في المئة، وهذا ما نحن بحاجة إليه في العالم العربي، اي ان تقوم جامعة الدول العربية بفرض القرارات والتوصيات التي تصدر عن المؤتمرات الاقتصادية وإلزام جميع المصارف والمؤسسات الخاصة بالعمل بها". وأكد أن "التعاون بين المصارف الدولية والمصارف العربية مطلوب ولكن علينا قبل طلب التعاون لفرض الشمول المالي، العمل على تدبير بيتنا الداخلي". وكان للمصارف الاسلامية التي تعمل وفق مبادىء الشريعة الاسلامية حصة في المؤتمر لكونها جزء ناشط في القطاع المصرفي، وتستقطب شريحة واسعة من المتعاملين. وقد عبّر الرئيس التنفيذي وعضو مجلس الادارة في بنك "البركة الاسلامي" في البحرين محمد المطاوعة عن وضع المصرف ونظرته إلى مفهوم الشمول المالي. إذ أشار ل"السفير" إلى أن "مبدأ الشمول المالي حساس نتيجة لما يقع في المنطقة العربية والعالم من احداث على المستوى السياسي والاقتصادي"، مشددا على أن "ضمان نجاحه يتطلب منا تقديم خدمة سريعة لتلبية العملاء، ما قد ينتج عنه احياناً اخلالاً بالضوابط العامة، لاسيما من الجهات التي قد تكون على ارتباط بمنظمات ارهابية". وأكد أن "ذلك من شأنه ايضاً اخضاع المصارف العربية إلى المزيد من الرقابة والخرق الدولي، إذ تلجأ بعض المنظمات الدولية إلى خرق السرية المصرفية لبعض المصارف العربية والحصول على معلومات وبيانات خاصة بالعملاء الذين قد تُثار حولهم تهم ارتباطهم بالارهاب". من جهتها، أكدت وزيرة المال السابقة ريا الحسن أن "سياسة الشمول المالي لا تُتطبق فقط بمبادرة من المصرف المركزي أو القطاع الخاص والمصارف حصراً، بل هي عملية تشاركية للمؤسسات الرسمية على تنوعها، ففي إحدى الدول المتقدمة يتم إشراك وزارة الاتصالات مثلا، نظراً لارتباط الاتصالات بالمعاملات المصرفية"، مشيرةً إلى أن "الهدف الاساسي للشمولية المالية، عدا عن اشراك الفئات الاكثر تهميشاً للحد من نشوء بؤر الارهاب، التركيز على اشراك النساء. ولا نقصد هنا النساء الأكثر فقراً، بل النساء المنتجات اللواتي لا يجدن أي حافز يدفعهن للمشاركة في الخدمات المصرفية". الامر نفسه، شدد عليه نائب حاكم مصرف لبنان محمد بعاصيري في حديث ل"السفير"، مطالباً المصارف ب"لعب دورها الاجتماعي"، معتبراً أنه "يقع عليها مسؤولية اجتماعية تجاه الافراد والمجتمع، تقوم على الالتزام بالمعاهدات والقرارات الاقتصادية مثل (فاتكا - قانون الامتثال الضريبي الأميركي الذي يُطبق على أصحاب الحسابات الجديدة والراغبين في تحديث بياناتهم) و(بازل3 – القائم على تعزيز صلابة المصارف) من جهة، واشراك الافراد الاكثر عوزاً ضمن خدماتها من جهة أخرى".