بدأ اهتمامي بالشيخ حميد الأحمر منذ العام 2006 عام الانتخابات الرئاسية عندما وقف بكل قوة مع مرشح اللقاء المشترك المرحوم فيصل بن شملان، والأهم من ذلك أنه وقف تلك الوقفة الشرسة ضد مرشح المؤتمر الرئيس على عبدالله صالح الحليف الأهم لوالده الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. ولا زلت أتذكر تماما ذلك المنظر غير المألوف يوم وقف المهندس (الحضرمي) فيصل بن شملان على المنصة في محافظة عمران وأمامه عشرات الآلاف من أبناء حاشد المعروفين بولائهم الدائم للرئيس علي عبدالله صالح.
كان الكل يعلم أن المخطط لذلك المهرجان والداعي في قبائل حاشد ليس إلا الشيخ الشاب حميد الأحمر.
بالنسبة لي كانت تلك اللحظة لحظة إدراك أن هناك من أبناء الشيخ عبدالله من سيكون لاعباً رئيسياً في السياسة اليمنية، و قطباً محورياً و ميزان قوة للسنوات القادمة، كما كان الشيخ الأب لعدة عقود مضت. فمن كان يتوقع أنه وفي ظل وجود الشيخ عبدالله الأحمر، الداعم للرئيس في تلك الانتخابات، وأيضا في وسط قبائل حاشد الداعمة القديمة للرئيس، يجتمع ذلك الحشد للهتاف للمهندس فيصل بن شملان!
لم أرَ تفسيراً لذلك، غير أن الشيخ الشاب ذو سلطة ونفوذ، وأنه ذكي ومقنع يستطيع أن يجند تلك الخصال لأهدافه التي لم تكن واضحة آنذاك. انتهت تلك الانتخابات وظننت كما ظن كثيرون أن المياه عادت لمجاريها، وأن الشيخ حميد قد عاد لولائه للرئيس بعد وفاة والده.
ثم أتت مقابلتا "الجزيرة" مع الشيخ حميد، الأولى في برنامج "بلا حدود" مع لونا الشبل، والثانية مع سامي كليب في أولى حلقات "الملف". وقد جددت تلك المقابلات اهتمامي بالشيخ الشاب وكتبت آنذاك مقالة بعنوان "قراءة في مقابلة الشيخ حميد على الجزيرة" لم أخفِ فيها إعجابي بحنكة الرجل السياسية وفطنته وقدرته على الحوار. وبينت في تلك المقالة كيف أن الشيخ حميد ظهر أشد قسوة على النظام ورأسه أكثر من أي مقابلة سابقة، وكانت تلك المقابلة بمثابة دق المسمار الأخير في نعش العلاقة مع الرئيس.
منذ ذلك الحين والشارع اليمني - وأنا منهم- في حيرة من أمر الرجل؛ فهو من ناحية شديد اللهجة على النظام ورئيسه، ويسعى للتغيير ويؤمن بمستقبل أفضل لليمن حيث تتساوى حقوق المواطنة، ويؤمن أيضا بإصلاح الوضع السياسي والاقتصادي للبلد، ولكنه على الجانب الآخر تحوم حوله الكثير من التساؤلات كحقيقة عدائه للرئيس والعلاقة مع السلطة ووضع إخوته وإرث المشيخة وأعماله الخاصة إلى آخره من التساؤلات التي ما ذكر حميد الأحمر إلا و ذكرت معه.
ثم جاءت لي فرصة الالتقاء بالشيخ حميد لأول مرة في منزله، حيث اغتنمت فرصة إيصال والدي للغداء في منزله للقاء بالرجل. ووالدي الدكتور ناصر العولقي هو عضو في لجنة الحوار الوطني مع كونه مؤتمرياً بامتياز، فقد انضم للمؤتمر الشعبي العام منذ تأسيسه في1982، و كان عضوا في أعلى هيئة تنظيمية في المؤتمر، وهي اللجنة العامة لمدة 16 عاماً. و رغم ذلك فقد رأى ككثيرين من رجالات اليمن أن الوضع الحالي لا يسكت عليه وأن اليمن بحاجة للحوار العادل و الجاد.
كنت في تلك المناسبة أراقب تصرفات الرجل عن بعد، وأرى أسلوب تعامله مع الناس، وقد أكبرت فيه تواضعه الجم الذي لا ينكره أحد، حتى أنه كان يقوم للسلام على الكبير والصغير، وعندما يودع شخصاً يوصله إلى الباب ولا تفارقه الابتسامه في وجه ضيوفه. بعد الغداء، وكما هي عادة اليمنيين في الجلوس لتخزين القات، رأيت نقاش الشيخ واستمعت للحوار الذي دار بينه وبين ضيوفه، وكيف أن كل كلمة يقولها مدروسة ولا ينكر أحد أن الرجل فصيح و حاد الذكاء.
في ذلك اللقاء عرضت على الشيخ عمل مقابلة للشباب يوضح من خلالها أهدافه ونناقش فيها رؤيته المستقبلية، وقلت له إن الأسئلة ستكون واضحة وصريحة وبلا حدود فأعطاني رقمه و طلب مني التواصل.
السبب في طلبي المقابلة مع الشيخ هو إيماني أن اليمن ينشد التغيير، وأن الوضع الحالي لا يحتمل، و أن كل مطبل لهذا النظام لا يعدو أن يكون مغفلا أو مستفيداً. و أن أي شخص غيور ووطني لابد أن يبحث للبلاد عن مخرج مما نحن فيه.
حميد الأحمر يعرض مشروعاً، ولنا الحق في استيضاح ذلك المشروع، وفيما إذا كان حقيقة يسعى للتغيير وليس فقط يطيح بالنظام بسبب عداوته له و يستبدله بنظام آخر تطغى فيه سلطة القبيلة والمناطقية.
كثيرون يقولون إن الشيخ حميد يحمل إرثا يثقل كاهله، ولا يمكن أن يحمل المشروع البديل، ويعزون ذلك إلى أنه أصلا ابن النظام و ابن حليف الرئيس، و هو ابن القبيلة وصاحب المال و الثروة.
هو بالفعل كل ذلك، لكن الصحيح أيضا أن التغيير لن يتم إلا بأصحاب القوة و النفوذ، ولا يمكن أن يتم التغيير في ظل الوضع الحالي بشخص لا يملك تلك العوامل مهما كانت نزاهته ومؤهلاته والسبب في ذلك بسيط وواضح، وهو أن 30 عاما من الحكم الفردي لم تتح المجال لأي شخص كان أن يقود التغيير ما لم يمتلك قوة وسلطة مضادة، والكل يعلم أن من قوانين الكون أن القوة لا تتراجع إلا في وجه قوة أكبر، وكما يقول المثل الدارج "ما للحجر إلا أختها" و "لا يفل الحديد إلا الحديد".
ولذا فإن كان في مشروع الرجل إصلاحاً للوضع وتفانياً في صنع مستقبل أفضل؛ فلا يهم ماضيه أو ماضي أسرته و إخوته، و ما يهمنا ما يؤمن به الشيخ و ما يؤهله لأن يقودنا إلى التغيير.
بل إنه من المشجع فعلا أن يخرج من رحم القبيلة ومن عمق السلطة رجل يؤمن بالحقوق والحريات، ويؤمن بالتساوي بين شرائح المجتمع ويطالب بأن يجتمع الحوثي والجنوبي والاشتراكي والإسلامي والناصري تحت مظلة واحدة، ويؤمن أيضا أن التغيير يمكن أن يكون سلمياً و يؤمن بدولة المؤسسات بدلاً من دولة القبائل.
بعد ذلك اللقاء عرضت على متصفحي صفحة الشيخ حميد في الفيس بوك المشاركة بطرح أسئلة على الشيخ، ولكن للأسف لم يكن يصدق كثيرون أن الشيخ حميد ممكن أن يجيب على أسئلتهم فلم ترد أسئلة كثيرة، ولا يلام المتصفحون في ذلك، فلم يألف اليمنيون من قادتهم و زعمائهم التواصل المباشر وهم الذين عودونا أن بيننا وبينهم ألف حجاب.
قمت بإعداد ما استطعت جمعه من أسئلة و عمدت إلى اختيار الأسئلة التي تركز على التساؤلات التي طالما تذكر عندما يذكر الشيخ حميد كموضوعات تهرب شركاته من دفع الضرائب إلى اتهام البعض له بأن خلافه مع الرئيس صوري ليس إلا و اختلاف على الكعكة إلى موضوع إرث المشيخ و تصرفات إخوانه التسعة وعلاقة القبيلة بالدولة و احتكامه للنظام والقانون بدلاً من قوة قبيلته و تواصله مع معارضة الخارج و الحوثيين إلى مواضيع أخرى كثيرة.
الجدير بالذكر أن الشيخ لم يضع أية شروط أو تعديل على الأسئلة، وقد تعمدت أيضا عدم السماح لأحد بقص الأسئلة أو تعديلها، وكنت مصراً أن يجيب الشيخ على كل الأسئلة التي سأطرحها عليه، وقد كان جوابه وقت المقابلة عندما قلت له أنني أريده أن يجيب على كل الأسئلة، وأن يعطيني الوقت الكافي فرد علي بابتسامة: "البيت بيتك".
بعد اللقاء طلبت من الشيخ مراجعة المقابلة، فقد رأيت أن الحوار ساخن، ولكنه رفض وقال "بث المقابلة كاملة لا داعي للمراجعة". ولذلك أحببت أن أؤكد هنا أنه لم يكن للشيخ أو أي شخص آخر يد في وضع الأسئلة أو تعديلها، و أن المقابلة أذيعت كاملة دون حذف أو قص كما ألفنا ذلك في قناتنا الفضائية الكريمة.
وأود أن أذكر هنا تنويهاً عن طاقم التصوير و الإخراج. في البداية، وبعد أن عرضت على الشيخ إمكانية عمل مقابلة فكرت أنه من الأفضل تصوير المقابلة بدلاً من عمل مقابلة مكتوبة، ومن ثم بدأت بالبحث عن شركة تصوير وإخراج، وبعد الاتفاق مع إحدى تلك الشركات تراجعوا عن ذلك بعد أن عرفوا الشخص الذي أنوي مقابلته، وأبلغوني ليلة المقابلة اعتذارهم عن التصوير. لم أكن أتصور أن موضوع الشيخ حميد ومعارضته للنظام يمكن أن يصل لهذا الحد، و لذلك اضطررت أن أطلب من سكرتير الشيخ التواصل مع قناة سهيل لاستعارة خبرتهم.
نعم أنا مع من يريدون النهوض باليمن ويريدون أن يقتنعوا بمشروع لإخراج اليمن مما هي فيه، والسؤال الذي يطرح: هل فعلا تملك لجنة الحوار الوطني الحل؟ و هل سيقود التغيير القادم الشيخ حميد ويصدقنا الفعل كما صدقنا القول؟ وحدها الأيام ستجيب على هذه التساؤلات.