تخشى الشركات الألمانية إمكانية تعرضها بصورة غير مباشرة إلى أضرار لا يستهان بها نتيجة الرسوم الجمركية التي قررها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لأن الآليات والسيارات التي تصنعها الشركات التابعة لها في الصين، التي يتم تصديرها إلى الولاياتالمتحدة، يمكن أن ينتهي بها المطاف إلى أن تتأذى بقدر الأذى الذي يصيب المنتجات التي تصنع من قبل الشركات الصينية بالكامل. أولريتش أكِرمان، رئيس دائرة التجارة الخارجية في اتحاد شركات الآليات الألمانية، قال إنه ظل طوال الأسبوع يتلقى مكالمات من شركات تشعر بالقلق من الأثر المحتمل للرسوم الجمركية.
وأضاف: "من البدهي أن الشركات التي تَصنع في الصين وتورِّد إلى الولاياتالمتحدة تشعر بالغل، وهي تريد أن تعرف ماذا سيحدث لأعمالها إذا بدأ سريان مفعول الرسوم الجمركية. والاحتمالات تشير إلى أنها ستتأثر بالتأكيد".
وباعتبارها اقتصادا يعتمد اعتمادا مكثفا على الحدود المفتوحة والتجارة الحرة، تراقب ألمانيا بقلق متزايد النزاع بين واشنطن وبكين الذي يتبادل فيه البلدان الإجراءات ضد بعضهما بعضا على طريقة "واحدة بواحدة".
مصدر الخوف هو أن الرسوم الجمركية التي تهدد بفرضها كل من الحكومة الأمريكيةوالصينية، في حال سريان مفعولها، سيكون لها أثر تعطيلي هائل في كامل الشبكة المعقدة لسلاسل القيمة العالمية، على نحوٍ يؤذي البلدان الأخرى التي ليست داخلة بشكل مباشر في الحرب التجارية.
ويلاحظ دينيس سْنُووَر، رئيس معهد كيل للاقتصاد العالمي، أن "الأنموذج الألماني يعتمد على كون التجارة حرة إلى أقصى قدر ممكن" بالتالي "إذا ألحقت أذى بالحركات التجارية، حينئذ تتأذى ألمانيا".
وهددت الصين الأسبوع الماضي بفرض رسوم جمركية على ما قيمته 50 مليار دولار من الواردات الأمريكية، بما فيها فول الصويا والطائرات والسيارات. جاء هذا القرار بعد أن قالت الولاياتالمتحدة إنها ستفرض رسوما جمركية إضافية على قائمة من 1330 سلعة صينية، وهي خطوة قالت إنها رد انتقامي على سرقة الملكية الفكرية المستمرة منذ عقود، المدعومة من الدولة في الصين.
وتخشى الشركات الألمانية جرجرتها إلى أي نزاع بين القوتين الاقتصاديتين العظميين. ومن القطاعات المعرضة للأذى بشكل خاص قطاع السيارات الذي هو أحد أركان الاقتصاد الألماني. مثلا، شركة بي إم دبليو، ومجموعة ديملر، الشركة الأم لشركة مرسيدس، ستكونان مكشوفتين بشكل كبير أمام أي رسوم جمركية تفرضها الصين على السيارات الأمريكية، لأنهما أكبر شركتي تصدير للسيارات من الولاياتالمتحدة من حيث القيمة، والصين هي أكبر سوق لهما.
فبحسب بيانات من "إيفركور آي إس آي"، وهي شركة أبحاث، تصدر "ديملر" و"بي إم دبليو"، وهما من شركات السيارات الفاخرة، نحو 115 ألف سيارة من الولاياتالمتحدة إلى الصين سنويا، في حين تصدر "فيات كرايزلر" و"فورد" و"جنرال موتورز" مجتمعة أقل من 30 ألف سيارة.
ووفقا لآرندت إلِنجهورست، وهو محلل لدى "إيفركور"، ستخسر شركات صناعة السيارات الألمانية 1.7 مليار يورو نتيجة الرسوم الجمركية الصينية، مقارنة ب 737 مليون دولار للشركات الأمريكية المنافسة. وقال إن جنوبي ألمانيا، الذي هو موطن صناعة السيارات الألمانية، سيصاب بأكبر قدر من الأذى "في حرب تجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، وهي حرب لا علاقة لألمانيا بها ولا تريد أن يكون لها أي دور فيها". لكن تداعيات الحرب التجارية لن تطال جميع الشركات الألمانية التي لديها شركات تابعة في الصين. مثلا، شركة ترومبف المختصة بصناعة عُدد الآلات ذات التكنولوجيا العالية، قالت إن أكثر من 90 في المائة من الآلات التي تنتجها في الصين تذهب إلى السوق الصينية. ومعظم ال 10 في المائة المتبقية يذهب إلى بلدان أخرى في آسيا، مثل إندونيسيا والهند وسنغافورة.
وقالت "كوكا"، شركة صناعة الروبوتات الصناعية، إن جميع الآلات التي تصنعها في الصين تباع في السوق الآسيوية، ولا يتم تصدير أي منها إلى الولاياتالمتحدة وأوروبا.
في الوقت نفسه، قال مارتن فانزليبِن، المدير الإداري للغرفة التجارية والصناعية الألمانية، إن الشركات الأخرى ستتأثر حكما "ألمانيا متكاملة إلى حد كبير في الاقتصاد العالمي، ونحن نعتمد اعتمادا هائلا على سلاسل القيمة الدولية".
وأشار فانزليبِن إلى أن هناك مصدرا آخر للقلق لدى الشركات الألمانية، وهو أن الطلب الصيني على قطع الغيار وغيرها من المعدات المصنوعة في ألمانيا يمكن أن يتراجع إذا لم يعد يسمح للشركات الصينية بالتصدير إلى السوق الأمريكية.
وتشعر الشركات بالقلق أيضا من أن الرسوم الجمركية التي تهدد كلا من الصينوالولاياتالمتحدة بفرضها يمكن أن تؤدي إلى انحرافات كبيرة في تدفق التجارة. وقال فانزليبِن: "إذا تم إغلاق السوق الأمريكية في وجه شركات التوريد الصينية، فإنها ستحاول بيع المزيد في الأسواق الأخرى، وهذا يعني أن هناك احتمالا أكبر لأن تتنافس وجها لوجه مع الشركات الألمانية".
وأردف: "هناك مثل ألماني يقول: حين يقتتل شخصان، يفرح الثالث. لكن هذا لا ينطبق في هذه الحالة. بالتالي يصبح المثل: حين يقتتل شخصان، يبكي الثالث".