لطالما سعت إيران جاهدة لتصبح قوة إقليمية رائدة لذا لم يكن مستغرباً إعلانها في أواخر نوفمبر 2016 م عزمها إنشاء قواعد بحرية لها في كل من سورية واليمن قد تكون أكفأ بعشرات المرات من قوة نووية ، ورأت مجلة (فورين أفيرز) في مقال لأحد كبار الباحثين نشرته في عددها الأخير، أن إقامة قواعد في كل من سورية واليمن تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لإيران. فاليمن يشرف على مضيق باب المندب أحد أكثر الممرات المائية حركة في العالم ، وأوضح كاتب المقال - وهو كبير الباحثين بمعهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة (تل أبيب) (يوئيل غوزانسكي) أن من شأن إقامة قاعدة بحرية هناك منح طهران منفذاً إلى البحر الأحمر وجعلها في وضع مواتٍ أكثر لتهديد المملكة العربية السعودية خصمها اللدود في المنطقة ، كما أنَّ وجود قاعدة إيرانية في اليمن ستمكنها من تقديم دعم أفضل للميليشيات الحوثية - وهي واحدة من عملائها اجتاحت العاصمة اليمنيةصنعاء في سبتمبر 2014. ولا تملك إيران حالياً من القدرات العسكرية والموارد المالية ما يجعلها قادرةًعلى التوسع ، فسلاح بحريتها متهالك وما زال يستخدم معداتٍ عفا عليها الزمن منذ عهد الشاه ، وقال الباحث في تل أبيب ( غوزانسكي ) - الذي كان مكلفا بالملف الإيراني في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي - إن الحصار الذي فرضه االتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية على اليمن حال دون وصول إيران إلى شواطئ اليمن. فقد أُرغمت سفن إيرانية كانت تحمل شحنات أسلحة إلى الحوثيين في أكتوبر 2016 م على العودة من حيث أتت بعد أن اعترضتها سفن حربية أميركية. وأضاف أن تلك الحوادث دفعت إيران إلى إقامة قاعدة بحرية في اليمن لتفادي مثل هذه المشكلة. ومن شأن قاعدة إيرانيةٍ في سورية أن تمد الذراع البحرية الإيرانية إلى البحر الأبيض المتوسط وتعزز الوجود العسكري الإيراني على مقربة من السواحل الأوروبية ، كما أنها ستكون عونا لحلفاء إيران مثل الحزب المسمى ( حزب الله ) وحركة ( حماس ) ونظام الأسد في سورية ، وستتيح لإيران نقل معداتها العسكرية ومساعداتها المنتظمة الأخرى إلى حزب الله دون الحاجة لتوصيلها عن طريق البر أو الجو عبر العراق وتركيا هذا إلى جانب أن هذه القاعدة ستجعل إيران تستغني عن السودان الذي ظل لأمدٍ طويل يمثل ميناء لدخول الأسلحة الإيرانية إلى البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا قبل أن يدير هذا البلد الأفريقي ظهره لطهران مؤخرا ويتقارب أكثر مع المملكة العربية السعودية. ومضى الباحث إلى أن ما أسماه الصراع الإقليمي الدائر بين إيران من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى أتاح لهاتين الدولتين العربيتين ميزة تمثلت في تحكمها في منطقة البحر الأحمر بإقامتهما قواعد بحرية في جيبوتي وأريتريا لذا فإنَّ بناء قاعدة إيرانية في سورية قد يساعد طهران على إصلاح هذا الخلل في ميزان القوة ، وتنسجم القاعدتان في سورية واليمن مع خطة إيران الكبرى لبسط سلطانها في المنطقة وما وراءها. وتعكف طهران على تعزيز حضورها على طول سواحل الخليج العربي وخليج عُمان . وربما أوحى توقيت إعلان طهران في نوفمبر 2016 م بأن انتخاب (دونالد ترامب) رئيسا للولايات المتحدة جعل القلق ينتاب الإيرانيين ، وتنظر إيران بحذر إلى ترمب الذي وصف الإتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى بالمقيت ، وإذا لم يتم كبح جماح إيران فإنها قد تتمكن من تطوير القدرة على تهديد خطوط الملاحة الحيوية في بحر قزوين والمحيط الهندي ، لذا ينبغي على إدارة ترامب المقبلة بذل مزيد من الجهد للتصدي للخطر الذي تشكله إيران لا سيما في المجال البحري الذي تتميز الولاياتالمتحدةالأمريكية بتفوق واضح فيه .