عند الساعة الثانية فجراً، اهتزت النوافذ المصنوعة من الحديد على وقع انفجار في زقاق الربصة بالحديدة، غربي اليمن. ومن خلف نافذة الغرفة المظلمة، أطل منصور الحطامي برأسه، كانت الدبابة قد استقرت أمام منزله وبدأت القصف باتجاه الجنوب. اتخذ منصور القرار سريعاً، وفي نصف ساعة فقط، نزح عن حي الربصة، جنوبي الحديدة، إلى منزل قريبه في حي الدهمية، وسط المدينة، وفي الفجر كان مع أسرته في طريقه لقريته بوصاب، غربي محافظة ذمار (وسط). يصف منصور تلك الساعات التي غادر فيها منزله فجأة، ب"القاسية". ويقول منصور، في حديث للأناضول، كان الانفجار الناجم عن القذيفة التي انطلقت من الدبابة عنيفاً، واعتقدنا للوهلة الأولى أن قصفاً جوياً شنته مقاتلات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، على المنزل. ويضيف "اتضح أنها دبابة تقصف من جوار منزلي (مكون من طابق واحد)، وحينها شعرت بالخوف، فالطيران الحربي سيقصف الدبابة في أقرب وقت وسنكون ضحايا، لذلك لم أجد حلاً غير الهروب". في طريق نزوحه مع أسرته المكوّنة من 7 أفرد، مرت الحافلة الصغيرة بعشرات النقاط التي نصبها مسلحو الحوثيون في الأحياء الجنوبية، التي تشهد معارك ضارية منذ أسبوع بينهم وبين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي. عند حاجز مسلح في شارع جمال، اعترض مسلح حوثي طريق الحافلة، وبدا عليه الغضب من نزوح المدنيين، واتهم منصور وأسرته ب"الجبن والخوف"، قبل أن يسمح لهم بالمرور. يضيف منصور "يريدوننا أن نبقى في المنازل، فالنزوح بالنسبة لهم جُبن، لكن في الحقيقة سيضعوننا دروعاً بشرية". وبحسب شهود عيان، فإن الحوثيين حفروا خنادقاً في معظم الشوارع الجنوبية، لإعاقة تقدم القوات الحكومية، ونصبوا سواتر ترابية خلف الحاويات، وتمركز القناصة في المباني المرتفعة. وقال شاهد عيان، إن "المسلحين صنعوا خندقاً كبيراً في طريق الكورنيش جوار المحكمة التجارية، بالإضافة إلى خندق آخر في شارع صنعاء، وآخر في حارة اليمن". والثلاثاء الماضي، شنت مقاتلات التحالف العربي غارات على حفار في دوار "يمن موبايل"، كان الحوثيون يحفرون به خندقاً. **انقطاع شبكات المياه وتسببت عمليات الحفر بتدمير شبكة المياه وانقطاعها عن العديد من الأحياء السكنية، ما أجبر السكان في الجهة الجنوبية والغربية على النزوح. وقالت نسمة الحنشي، وهي ممرضة في أحد المستشفيات الخاصة، إنها "نزحت مع أسرتها إلى منزل العائلة في مديرية المراوعة شرق المدينة، بعد أن تقطعت بهم السبل في الحصول على المياه". وأضافت أن "الماء انقطع منذ 5 أيام في المنزل، ولا يوجد أمل في إصلاح شبكة المياه خلال الوقت الحالي، فيما المعارك بالقرب منّا، لذلك اضطررنا للنزوح". ويحاول سكان آخرون الحصول على المياه من المواقع الذي بدأت تتسرب منها المياه، لكنهم يخشون القصف الجوي من التحالف، وأصبحت مسألة الحصول على المياه مخاطرة. **حركة خفيفة وتشهد أحياء وسط وشمالي المدينة حالة من الهدوء، وبدت المدينة شبه فارغة من السكان حيث أغلقت المحال التجارية أبوابها، عدا بعض المطاعم والمتاجر الصغيرة في الشوارع الرئيسية. ويقول عمر محمد، أحد النشطاء في المدينة، إن حركة طفيفة بدأت الأربعاء والخميس، أما في الأحياء الجنوبية فالسكون يخيم عليها، عدا مرور بعض العربات التابعة للحوثيين. ومعظم محطات تموين الوقود للسيارات مغلقة، وقلما تُفتح بعضها لساعات فقط، مما ينذر بأزمة في الوقود، بينما توقفت وسائل المواصلات العامة، سواء الجماعية أو التاكسي. ويعيش نحو 600 ألف شخص في المدينة - بحسب تقديرات الأممالمتحدة - في قلق بالغ. ويقول مروان عبد الله "نخشى أن تتحول المعارك إلى حرب شوارع مثل مدينة تعز، نحن نريد التخلص من الحوثيين، لكن بأقل الخسائر في صفوف المدنيين، فسكان المدينة أغلبهم من الفقراء". **تحليق وبوادر حرب شوارع دوي تحليق المقاتلات الحربية لا يتوقف في سماء المدينة مع دوي الانفجارات العنيفة، وبحسب شاهد عيان، للأناضول، فإن "نحو 100 انفجار سُمع دويه خلال ساعات فقط". وتدور المواجهات بين الطرفين في شارع المطار وحي "أمين مقبل" وشارع "الكورنيش"، وابتداءً من سوق السمك ودوار "السقاف"، إلى دوار "يمن موبايل" ودوار "المطاحن"، بالإضافة إلى معارك تدور في شارع الخمسين من جهة الجنوب. ويستعد الحوثيون لحرب شوارع في المدينة، فالأحياء السكنية تشكل نقطة قوة لهم، وفق مراقبين عسكريين. وعقب انسحابهم من المطار - الذي يُعد مساحة مفتوحة واسعة - انتشر الحوثيون في حيي الربصة وغليل وطريق صنعاء وحي الكورنيش جنوبي المدينة، ونشروا مدرعات ودبابات جوار قاعة سبأ. وقال وكيل محافظة الحديدة وليد القديمي، في تغريدة له على صفحته بموقع "تويتر"، إن مسلحين حوثيين يحملون صواريخ "لو" اقتحموا مبنى مركز الدرن، جوار مستشفى الثورة. وأضاف أن المسلحين اعتدوا على أمن المستشفى، واحتموا بالمبنى واتخذوه درعاً لمنع استهدافهم من قبل المقاتلات. ** ممنوع التنزه وبسبب المعارك وتوتر الوضع في المدينة، حُرم السكان من التنزه في كورنيش وسواحل المدينة المطلة على البحر الأحمر، التي تُعد متنفسهم الوحيد، وقضى معظمهم إجازة العيد في منازلهم. وقال محمد جميل، وهو طبيب صيدلي، إنه قضى إجازة العيد في منزله. ويعيش أغلب سكان مدينة الحديدة على نمط مختلف في الحياة، فهم لا يدخرون أي أموال أو مواد غذائية في منازلهم، واعتادوا على شراء المواد الغذائية والخبز بالتجزئة بما يكفي يومهم فقط. وتتواصل منذ أسابيع العمليات القتالية على طول الساحل الغربي لليمن باتجاه محافظة "الحديدة"، التي بدأت القوات اليمنية بإسناد من التحالف العربي، عملية عسكرية لتحريرها من الحوثيين. وأعلنت القوات الحكومية، الثلاثاء، سيطرتها على مطار الحديدة، الذي يحوي المطارين الحربي والمدني، إضافةً إلى موقع عسكري تابع لقوات الدفاع الجوي. وتسببت المعارك في نزوح آلاف الأسر اليمنية من مناطق أخرى إلى أماكن آمنة في المحافظة وفق الأممالمتحدة، التي تقول إن الحرب قد تؤثر سلبيًا على حياة أكثر من 250 ألف مواطن في المدينة. الأناضول https://twitter.com/Twitter/status/1010070760482856960