مع انتظام الدراسة من جديد في مدارس غزة بعد انتهاء التصعيد العسكري الإسرائيلي الكبير، لم تدون المدارس التي فقدت ستة من طلابها الذين قضوا بفعل الغارات الجوية الدامية، أسماءهم في «كشف الغياب»، فلجأ مدرس إلى الكتابة في ركن السبورة المخصص في حصر الطلاب المتغيبين «لا غياب لأن إسماعيل أثبت حضوره في جنان النعيم»، فيما وضعت صور الأطفال الشهداء الستة على المقاعد ذاتها التي كانوا يجلسون عليها حتى أيام قليلة مضت. وخلال موجة التصعيد العسكري الأخيرة التي بدأت فجر الثلاثاء وانتهت فجر الخميس، وبدأت بعملية اغتيال أحد قادة المقاومة، سقط 34 شهيداً، 8 أطفال و3 سيدات ارتقوا، وأصيب أكثر من 113 بينهم 46 طفلاً و20 سيدة.
ولم يكن يعلم هؤلاء الأطفال وبينهم ستة من طلبة المدارس الذين خلدوا ليل الإثنين إلى فراشهم، على أمل الذهاب مجدداً الثلاثاء إلى مقاعد دراستهم، أن دوام ذلك اليوم الدراسي، كان آخر عهدهم بمقاعد العلم، بعد أن قضت صواريخ إسرائيلية على أحلامهم في الدراسة إلى الأبد. وقد عطّلت وزارة التربية والتعليم كباقي الوزارات عملها خلال أيام التصعيد العسكري، خشية على الأطفال من الخطر، خاصة وأن القضف الإسرائيلي استهدف نحو 100 مكان، بينها عشرات الأهداف في مراكز المدن والمخيمات والقرى، فقضى الأطفال الستة في منازلهم، التي اعتقدوا كغيرهم أنها ستكون آمنة من صواريخ إسرائيل الفتاكة. ومع بداية الدوام المدرسي الذي بدأ بالانتظام يومي السبت والأحد، بعد انتهاء فترة الطوارئ، فجع الأطفال الصغار الذين حملوا على أكتافهم الحقائب المحشوة بالكتب، بالغياب الأبدي لعدد من زملائهم، فوضعت إحدى المدارس صورا لثلاثة من طلابها هم من عائلة أبو ملحوس «السواركة» وسط قطاع غزة، في باحتها، كما وضعت صورة للطلبة الثلاثة كل على مقعده الدراسي، وكتب أسفلها «مقعد الشهيد»، كما حملت هذه الصور من زملائهم في الطابور الصباحي.
وأمام هول الصدمة، ذرفت أعين زملائهم الذين لم يتوقعوا غيابهم دمعاً وألماً، وبات الحديث عن ذكريات الطفولة والدراسة الأكثر رواجا بين الأطفال، فيما اكتست المدارس بالحداد. وقد كان من بين الأطفال الستة معاذ السواركة، الطالب في الصف الثاني الابتدائي، ذو السبعة أعوام، وهو واحد من عائلة فقدت ثمانية من أفرادها في قصف إسرائيلي عنيف استهدف منزل العائلة القاطنة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة. وفي مشهد حزين آخر، نعت مدرسة يافا الثانوية في مدينة غزة، طالبها اسماعيل عبد العال بطريقة مؤثرة للغاية، حيث كتب المدرس بعد حصر الحضور والغياب اليومي على ركن من السبورة الطباشيرية المخصص لذلك «لا غياب لأن اسماعيل اثبت حضوره في جنان النعيم».
وقد قضى في التصعيد الأخير كل من الطلبة، محمد حمودة من شمال غزة، والشهيد الطالب: إسماعيل عبد العال وأمير عياد من مدينة غزة، والشهداء معاذ ومهند ووسيم السواركة من مدينة دير البلح وسط القطاع. وأعلنت وزارة التربية والتعليم في غزة، أنه إلى جانب فقدان ستة طلاب، تضررت 15 مدرسة، نتيجة القصف الإسرائيلي الذي استهدف القطاع، خلال أيام التصعيد.
وأكدت وزارة التعليم أن إقدام الاحتلال على استهداف الأطفال والمؤسسات التعليمية، يعد «انتهاكا خطيرا للمواثيق والأعراف الدولية»، مطالبة كافة المؤسسات الدولية بالوقوف عند مسؤولياتها و»محاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم بحق الإنسانية».
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قدم تعازيه لعائلة أبو ملحوس «السواركة» في غزة التي استشهد ثمانية من أفرادها خلال التصعيد. وقال فرحان حق نائب المتحدث باسم غوتيريش «إن الأمين العام يعرب عن صادق تعازيه لعائلة السواركة ويتمنى الشفاء العاجل للمصابين، ويدعو إسرائيل إلى التحرك بسرعة لإجراء تحقيقات».
وأضاف: «نحن نعارض جميع عمليات قتل المدنيين»، مضيفًا أنه «في حالة عائلة السواركة من الواضح أنها مأساة». وكان نيكولاي ميلادينوف منسق الأممالمتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، قال إنه «لا يوجد مبرر لمهاجمة المدنيين في غزة أو في أي مكان آخر». وأضاف معقبا على قصف منزل تلك العائلة: «هذه مأساة، تعازي القلبية لعائلة السواركة وأتمنى الشفاء العاجل للمصابين»، داعيا إسرائيل للتحرك بسرعة في التحقيق.