الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    الفريق "محمود الصبيحي" يوجه صفعة قوية للإنتقالي الجنوبي    اعلامي يكشف عن محاصرة الحوثي لهذه المحافظات الجنوبية    خمسة ملايين ريال ولم ترَ النور: قصة معلمة يمنية في سجون الحوثيين    إنجاز غير مسبوق في كرة القدم.. رونالدو لاعب النصر يحطم رقما قياسيا في الدوري السعودي (فيديو)    بوخوم يقلب الطاولة على دوسلدورف ويضمن مكانه في البوندسليغا    سقوط صنعاء ونهاية وشيكة للحوثيين وتُفجر تمرد داخلي في صفوف الحوثيين    أين المُختطفون؟ الحوثيون يُخفونَ ضحاياهم في دهاليزِ الظلام    الاستخبارات الإسرائيلية تُؤهّل جنودًا لفهم اللهجتين اليمنية والعراقية    العكفة.. زنوج المنزل    الإفراج عن مختطفين.. الزنداني يؤكد تهرب الحوثيين من الاستحقاقات وناشطون يعتبرونها متاجرة بمعاناة المختطفين    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    احالة ملف القاضي قطران إلى النيابة الجزائية المتخصصة    الوزير الزعوري يلتقي رئيس هيئة التدريب والتأهيل بالإنتقالي ورئيس الإتحاد الزراعي الجنوبي    المنتخب الوطني للشباب يختار قائمة جديدة من 28 لاعبا استعدادا لبطولة غرب آسيا    استقرار أسعار النفط مع ترقب الأسواق لاجتماع مجموعة "أوبك بلس"    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    الرئيس الزُبيدي يطّلع على مستجدات الأوضاع الإنسانية والعسكرية في محافظة الضالع    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    عساكر صبر وقادتهم مجرمين لم يتربوا في بيوتهم أو في معسكرات التدريب والتاهيل    من فضائح الشرعية المالية.. عرقلة تحويل الأموال إلى بنك عدن    معالي وزير الصحة يُشارك في الدورة ال60 لمؤتمر وزراء الصحة العرب بجنيف    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    ''زيارة إلى اليمن'': بوحٌ سينمائي مطلوب    نجم جيرونا يقهر ليفاندوفسكي وبيلينجهام    محرقة الخيام.. عشرات الشهداء والجرحى بمجزرة مروعة للاحتلال في رفح    بدء تفويج طلائع الحجاج اليمنيين من صنعاء إلى الأراضي المقدسة.. وإعلان لوزارة الأوقاف    الحوثيون يلقون القبض على متهم بقتل مواطن وحرق زوجته في حجة بعد إثارة الجريمة إعلاميا    قيادة جماعة الحوثي تصدم موظفي المؤسسات الحكومية بصنعاء قبل حلول عيد الاضحي!    شيفرة دافنشي.. الفلسفة، الفكر، التاريخ    40 دعاء للزوج بالسعادة.. ردديه ضمن أدعية يوم عرفة المرتقب    رئيس الوزراء بن مبارك يغادر عدن هربا من مواجهة الأزمات التي عجز عن حلها    الجزء الثاني من فضيحة الدولار أبو 250 ريال يمني للصوص الشرعية اليمنية    القضية الجنوبية بين عبد ربه منصور ورشاد العليمي    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    شاهد: صورة تجمع سالم الدوسري بأولاده.. وزوجته تكشف عن أسمائهم    شاب يمني ينتحر شنقاً في صنعاء الخاضعة للحوثيين (صورة)    شاهد: فضيحة فيسبوك تهزّ منزل يمني: زوجة تكتشف زواج زوجها سراً عبر المنصة!    أولويات الكبار وميادين الصدق    مارب.. افتتاح مدرسة طاووس بن كيسان بدعم كويتي    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    دراسة حديثة تدق ناقوس الخطر وتحذر من اخطر كارثة تتهدد اليمن !    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    برشلونة يختتم موسمه بالفوز امام اشبيلية    قيادة «كاك بنك» تعزي في وفاة والدة وزير العدل القاضي بدر العارضة    بينهم يمني.. شاهد: الأمن العام يُحكم قبضته على المُجرمين: لا مكان للجريمة في السعودية!    الحكومة اليمنية ترحب بقرار "العدل الدولية" وقف الهجوم العسكري على رفح مميز    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    الذهب يتجه صوب أكبر خسارة أسبوعية في أكثر من خمسة أشهر    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يارب .. آخر كلمات نجوى قاسم قبل رحيلها
نشر في المشهد اليمني يوم 03 - 01 - 2020

«يا رب عام خير على الجميع، يا رب احفظ بلادنا وعينك على لبنان»، أمسكت بهاتفها وغردت عبر حسابها الرسمي على تويتر قبل ساعات من بداية العام الجديد، ولم تدرك أنها كلمات الوداع لعالم عاشت فيه ما يقارب اثنتين وخمسين سنة، قضت أكثر من نصفها تقريباً أمام الكاميرات، تخاطب مشاهدين ومتابعين اختلفوا واتفقوا معها ومع مواقفها على مدار عمرها.
«ماتت فجأة نتيجة لأزمة قلبية»، ربما استمعت إلى هذه الجملة مئات بل آلاف المرات كإجابة لسؤالي الأول عن سبب وفاة شخص ما، ولكنني هذه المرة ولسبب لم أعلمه بداية قد شعرت بشعور مخيف مع قراءتي لخبر وفاة الإعلامية اللبنانية نجوى قاسم، تخيلت لوهلة أني مكان الزميلة الراحلة أنهيت للتو حلقة من أحد البرامج التي أقدمها، ثم توجهت إلى بيتي لأكتب عبر حسابي على تويتر تغريده ما، ثم توقف قلبي عن النبض واصفرّ وجهي، وباتت أطرافي جامدة باردة، وخرجت روحي إلى بارئها، وكتب الناس رحل فلان، فما الذي تركته خلفي حينها؟ هل تركت من يترحم علي ويتذكرني بالخير، أم تركت من إذا سمع سيرتي سبّني وشتمني وكره أن يذكر اسمي أمامه؟
بحكم عملنا الصحفي وإذا ما أكرمك الله بقليل من النجاح فقد أصبحت وجهاً مألوفاً للكثيرين خلف الشاشات، وأصبح صوتك محفوظاً داخل جدران آلاف المنازل، وأصبحت كلماتك وما تكتب يتم تداوله من جهاز لجهاز ومن صفحة لصفحة، لتجد نفسك غارقاً في وحل الانتشار وحجم المشاهدات وفتنة اللايكات وضغوط الخوف من الفشل وكيفية الحفاظ على النجاح، ولكني ومع قراءتي لخبر وفاة نجوى قاسم وجدتني أسأل هذه الأسئلة لنفسي: فلماذا نكتب، ولماذا نعمل، وما الغاية من ظهورنا اليومي أمام الشاشات، وما الحكمة من مقالات نكتبها وتغريدات ننشرها وكلمات نقولها وآراء نعلنها في كل يوم مرة أو مرتين؟ أهي الشهرة التي ستذهب مع أزمة قلبية مفاجئة، أم هي كلمات الإطراء التي ستختفي مع دخولك القبر وانتهاء عملك؟ أم هي الأموال والمناصب المهنية التي ستتركها خلفك لأكثر الحاقدين عليك أثناء حياتك؟
مساء الرابع من شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2014، وأثناء وجودي داخل استوديو قناة مكملين الفضائية، في مدينة إسطنبول التركية، على الهواء مباشرة تسلل اثنان من المصريين إلى داخل مبنى القناة، وكادا أن يصلا إلى داخل الاستوديو، وأنا على الهواء أذيع أول تسريب من داخل مكتب السيسي، لولا أن اثنين من الزملاء قد استوقفاهما، وبالتحقيق معهما تبيّن أنهما دخلا تركيا منذ يوم واحد فقط، وقدما من القنصلية المصرية في إسطنبول، والبقية معروفة، في هذه الليلة لا أعرف هل كان من الممكن أن يُلحقا بي الأذى أم لا، ولكنه تأكد لي في السنوات التالية أنني وآخرين من الصحفيين المصريين مهددون بأي شيء يمس حياتنا وأمننا، مادام استمر عملنا الصحفي ضد النظام، والأمثلة كثيرة على صحفيين دفعوا حياتهم ثمناً لعملهم الصحفي، وليست جريمة اغتيال وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي منا ببعيد.
ربما يأتينا الموت كصحفيين بطريقة أو بأخرى، وكلها متعلقة بطبيعة عملنا وكشفنا للحقائق، فلو كنت مراسلاً للحرب فقد تأتيك قذيفة أمريكية تقتلك داخل مقر القناة التي تعمل بها، كما حدث مع زميلنا الشهيد طارق أيوب، مراسل الجزيرة، أثناء حرب العراق، ولو عملت مقدماً لبرنامج إذاعي يتحدث عن مرض خطير يهدد أهل بلدك كما فعل المذيع بابي مومبي في الكونغو الديمقراطية، عندما تحدث عن مرض الإيبولا فتم قتله وحرق منزله وطعن زوجته، من قبل مجهولين، أو ربما يتم اختطافك وتعذيبك داخل سجن لا يعلم أحد عن مكانه شيئاً حتى يتم قتلك مثلما فعلت السلطات السعودية مع الصحفي تركي الجاسر، الرابط المشترك بين كل هذه الحالات أننا نتعاطى مع قصص قتلهم بشكل عاطفي، يُبرز بطولتهم، وكيف أنهم دفعوا حياتهم ثمناً للكلمة ووفاء للمبادئ التي آمنوا بها وعاشوا حياتهم من أجلها وقدموا أرواحهم فداء لها.
الصورة تختلف كثيراً عندما يموت الصحفي موتاً مفاجئاً، فما سيبقى ليس قصة موته، لأن الناس لن يجدوا فيها بطولة صحفية كما القصص الأخرى، ولكن كلماته ستكون أثره الباقي الذي ربما يظل متداولاً لسنوات، عندما أكتب منشوراً لا يعجب البعض فيبدأ الهجوم والانتقاد، وأحياناً التطاول والاتهام بغير حق، أتوقف لأسأل نفسي، وماذا لو أصابني موت الفجأة الآن، أهذا ما سيبقى لي؟ اتهامات بغير حق وأناس يسبونني ليل نهار؟ فيا ويلنا لو أننا عملنا وعملنا وتعبنا وغالبتنا ضغوط الحياة المميتة، حتى قضت علينا، ثم ما كان لنا من أثر طيب تركناه بين الناس.
طيلة كتابتي لهذا المقال وأنا لا أرى أمامي إلا ذلك الشاب الفلسطيني، الذي كان مرافقاً لي في مقر النادي الأهلي الفلسطيني في قطاع غزة، أثناء زيارتي لفلسطين مارس/آذار 2012 كمنسق إعلامي لقافلة أميال من الابتسامات رقم عشرة، صوته لا يفارقني وهو يسألني عما أفعله على جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بي في كل ليلة، والطائرات الزنانة تحلق فوق المبنى، وفي الأجواء، وأنا خائف أساله ما الذي سيحدث، فيقول لي جملة خالدة، هي التي تبقيني مطمئناً أثناء عملي الإعلامي والصحفي الآن، وأستعين بها على خوفي من موت الفجأة، أتذكر كلماته ولا أذكر اسمه وهو يقول لي: «أياً كان ما تقوم به الآن من عمل فجدد فيه نيتك، واجعله خالصاً لوجهه الكريم، فربما نموت الآن بقذيفة من الطائرة الزنانة، أو يأتينا أجلنا فجأة، في كلتا الحالتين اجعل نيتك لله في عملك هذا، علّك تلقى الله به».
رحم الله نجوى قاسم، وجعل ما نقوم به من عمل صحفي خالصاً لوجهه، لا نبتغي به رضا الناس أو حبهم أو إطراءهم أحياء أو بعدما نرحل.
المصدر: عربي بوست - أسامة جاويش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.