كان مقبار القاضي محمد إسماعيل العمراني استفتاء وطنيا على رفض اليمنيين للكهنوت وعقيدة الولاية... العلامة محمد بن إسماعيل العمراني، ابن المدرسة الشوكانية، وهي مدرسة تجمع بين سعة الإلمام بالمذاهب ثم الترجيح، أي عقلانية الاستيعاب المعتزلي الزيدي، أضف إلى ذلك مزجها بالسلفية، فلقد كان الشوكاني مجايلا لمحمد بن عبد الوهاب، ومتوافقا معه في التوجه، إلاّ أن استخدام المذهب الوهابي في التمدد على حساب الأراضي اليمنية هو ما جعل الشوكاني معارضا لسلطة ابن سعود وللوهابية التسلطية والتمددية على حساب الأوطان، لكن الأرضية المعتقدية فيها مشترك كثير... العلامة محمد بن إسماعيل العمراني هو التجديد للمدرسة الشوكانية، بما يعني استيعابا وهضما لحركة الإصلاح، من الشوكاني إلى جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي والرافعي ومحمد الغزالي الخ... حين يدرس القاضي محمد بن إسماعيل العمراني قضية يسرد جملة من الآراء ثم يرجح،تاركا لك واختيارك وكلها صحيحة... بالتأكيد تم في المتخيل الثقافي والشعبوي في مواقع التواصل الإجتماعي إعادة تخليق لصورة العمراني وفق تحديات اللحظة، فهو ليس حزبيا كما تقول المنشورت، رغم عضويته في أعلى هيئة قيادية لتجمع الإصلاح لما لا يقل عن عقدين من الزمن، وهو لم يتلوث بالسياسة كما تقول المنشورات، رغم أن اسمه في جميع بيانات علماء اليمن التابعة للتجمع اليمني للإصلاح، وهو لم يفت في حرب 1994، رغم أن الواقع يقول بأنه من جملة العلماء الذين وقعوا على بيانات تندد بالانفصال كما ندد في مواجهة دستور الوحدة... بالنسبة للوحدة اليمنية أيا كانت ظروف وقادة المرحلة فإنها حتمية جغرافية وتاريخية وإنسانية، وإن اعتلاها دعاة الضم والإلحاق، فجميع أطراف الصراع كان لديهم تصور للوحدة، هو صهر للجميع وفق تصور جمهورية 5نوفمبر أو تصور "وحدة القوى الشعبية"... بالتأكيد أن شخصية العمراني المتميزة تربويا، وهو يعرض دروسه بقدر من السعة والحدثنة والعصرية، والفكاهة جعلته مؤثرا في الناس، وعديد حداثيين درسوا وحضروا دروسه منذ تسعينيات القرن العشرين، وهذا شكل فارقا لصالحه، في حين تمت شيطنة الدكتور عبد الوهاب الديلمي لأنه استعاد قولا للعلماء من كُتب الفقه والتاريخ بجواز قتل المتمترس بهم... في سنوات الحرب الأخيرة انخرطت جميع الأطراف في طرد وتصفية وسحل وقتل الناس ، بما يتجاوز ما استدل به الدكتور عبد الوهاب الديلمي... إن شعبوية مواقع التواصل هي الأخطر في التلاعب بعقول الناس وتزييف تلقيهم... لا يختلف موقف الدكتور عبد الوهاب الديلمي عن موقف القاضي محمد بن إسماعيل العمراني طيلة تسعينيات القرن العشرين... وبيانات علماء تجمع الإصلاح تقول ذلك... لقد أعاقت عقيدة الولاية سياق تطورنا، وأعادتنا إلى جحيم العصور الوسطى... حين كان صراعنا مع الإخوان المسلمين حول مرجعية الحكم و القوانين، هل هو الشعب "حاكمية الشعب"، ام حاكمية العلماء ذوي اللحوم المسمومة، المتوارين خلف رمزية رأسمال "الحاكمية لله" أعادتنا خرافة الولاية إلى عصر العبودية ل"جينات الله المختارة"! من هنا كان إجماع الناس ضد عقيدة الولاية، من خلال إعادة تخليق جامع وطني اسمه القاضي محمد بن إسماعيل العمراني...