الكراهية عمياء، لكن الحب أعمى أيضا، وربما يجعل المرء يدافع عن الخطايا التي تأخذ ببقائها من حياته وأولاده. قديما قالت العرب "ومن الحب ما قتل" كتعبير عن حالة التعلق المرضي التي تعمي صاحبها عن رؤية المخاطر الآتية ممن يحب، ومما يحب. وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا في الحقيقة أن الأخطاء تتكرر لأنها لا تنتقد.. ولا شيء أكثر خطورة من حالة التعايش معها بدافع أنها طبيعية وعابرة، وأن ثمة من يضخمها، أو يتوهم وجودها في حين ينتفي وجودها أصلا. وتحت مبرر أن الإضاءة عليها قد يشوه صورة المجتمع الذي ننتمي إليه ويضر بالعمل وبنا أيضا كأفراد. بينما تلك الأخطاء تنخر يوما بعد آخر كالسرطان، وتتوسع حتى تحدق بالفرد والمجتمع ككل، كما لو أننا إزاء صورة أب دلل ابنه كثيرا، ولم يسمع لمن ظلوا يحذرونه من تداعيات ومآلات أخطاء ولده عليهما معا. واستمر في عدم الإصغاء بدافع الحب وتعلقه وثقته بابنه الذي لا يمكن أن يأتي منه إلا كل خير ونفع لأبيه. لكن ما حدث هو أن الولد في خاتمة المطاف وصل إلى مرحلة خطيرة من الانجراف والانحراف، فأطلق النار على والده وأرداه قتيلا. لو قيل للأب في البداية أن ابنه سيقتله، لكان من الاستحالة أن يصدق. لكن الأخطاء تضر، وتقتل..وتدمر، وإن لاحقا. يقول إميل سيوران "الإنسان في صراع مع قوى التاريخ، وهذه القوى عمياء عن حياة الفرد". لكن لماذا قد يشعر الإنسان بالاستفزاز والإهانة الشخصية، حين يتم توجيه النقد إلى النظام الاجتماعي أو السياسي القائم رغم تضرره منه؟ يجيب الباحث محمد علاء: "- عجز الذات عن أن تفهم نفسها خارج النظام القائم. - تواطؤ الذات مع تشكيل وتعزيز النظام القائم. - استفادة الذات من مكاسب وفجوات النظام القائم. هذه الفكرة مُخيفة، أنّك تقاوم النظام الاجتماعي أو السياسي الفاسد أو البالي، لأنّك تخاف أن تفقد تعريفك لنفسك، في ظلّ نظام اجتماعي جديد أو مُغايِر". من البلاء العظيم أن يعيش الإنسان لسنوات في قلب العاصفة ووسط جحيم الحرب، ولا يصبح جاهزا بعد لأخذ درس الحياة وعبرة التاريخ. ومن البلوى المدمرة على أمة ما أن تكون قياداتها التنفيذية من نوعية الشخصيات المدجنة والمخدرة التي تردد في كل حال ومآل ومقال "الأمور طيبة.." على غرار العبارة الشهيرة والقديمة "كل شيء تمام يا فندم". في حين أن النار باتت تشتعل على أطراف ثيابها. ثمة آمال زائفة تودي بالفرد والمجموع للهلكة والفناء، وليس كل أمل حالة إيجابية، فقد يكون تسويقا لوهم يشبه الأفيون الذي يخدر الناس والشعوب إلى أن يقع الفأس في الرأس. في كتابه "هروبي إلى الحرية"يلفت علي عزت بيجوفيتش إلى أن دقة الفكر ووضوحه، وقوة النقد ودوام الملاحظة والتقييم والمراجعة والإصلاح، أحد مصادر قوة الغرب.