سمع الأذان أثناء انتظاره للتاكسي، فما كان منه إلاّ أن اتخذ من الشارع مُصلى، وما كان من عابر للطريق إلاّ أن فرش له جاكته. لم يصطف "العابر" خلف شوقي للصلاة، ربما لأنه يعرف حق الطريق، فلو اتخذ الناس من الطريق مصلى لكان في ذلك تعديا على الفضاء العام كحق من حقوق الناس. لكن شوقي القاضي نشأ على الحكايات التي كان داعيته الأستاذ عبد المجيد الزنداني يختلقها بغرض التأثير على العامة، حين كان يحدثهم عن فتوحاته بإقناع مئات وآلاف البروفسورات في الغرب بالإسلام، وكيف كان يقضي ثلاثة أيام بلياليها دون نوم من أجل هدايتهم وسوقهم أفواجا، وكنّا نلتفت إلى قدرته الخارقة على السهر دون أن نعطي اهتماما بقدرة الشخص "المهدى" على مواكبة سهر الشيخ! شوقي يؤسلم الطريق وصاحب الجاكت على طريقة معلمه الزنداني. هي مدرسة في الاختلاقات السمجة واللزجة بغرض التأثير على السامع والقارئ، نجد جذورها التاريخية لدى القُصاص في التاريخ الاسلامي، لكن التاريخ احتفظ لنا بسرديات القصاص ضمن أدب الكُدية والحمقى. حكايات لم تنته بأسلمة علماء الغرب وأسلمة المعرفة، لكنها لدى شوقي تصل إلى اسلمة الفضاء العام، وجعل الطريق مصلى! أعرف شوقي القاضي منذ كان في النصف الأول من ثمانينيات القرن العشرين يصدح بصوته المنغم والمنبور والجهوري، وبمكبرات صوتية يتفنن الإخوان المسلمين بالعناية بها، كوسيلة ناجعة في السيطرة على وجدان مجتمع شفاهي- ليحدث الحاضرين في "سَمَر" "نادي الأحرار" التابع للإخوان المسلمين بتعز-عن الفارق بين ظُلْمة وظُلمات عبد الفتاح إسماعيل اليمني"الشيوعي" ونور وأنوار عبد الفتاح إسماعيل المصري "الإخواني" الذي أراد-حسب قوله- "الطاغية" جمال عبد الناصر إطفاء وهجه الحركي بقتله، ويحدثنا عن فسق الأغاني والموسيقى الشيطانية وخيرية الأناشيد الجهادية، عن جُند الله وجُنود الشيطان ! شوقي المستثمر في المدارس والمعاهد والمراكز الخاصة، والناشط في دكاكين المجتمع المدني، والمستثمر لبازار التبرعات لساحة "الحرية" صافر بتعز أثناء أحداث 11فبراير 2011، والمستثمر في ورش وتدريب ذوي الجنسيات الإسرائيلية على "حقوق الإنسان"بتركيا-بإمكانه أن يحكي لك القصة من منظورين متنافيين. في عام 2010 تقريبا حكى لنا أثناء ندوة تتعلق بمحكمة الجنايات الدولية رتب لها منتدى الشقائق بالعاصمة صنعاء-كيف أن اليمن كادت أن تصادق على الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، وأن كتلة المؤتمر الشعبي العام بمجلس النواب كانت موافقة على تلك الاتفاقية، لولا أن الشيخ عبد المجيد الزنداني تواصل مع الرئيس البشير ليقنع الرئيس علي عبد الله صالح برفض الانضمام إلى تلك الاتفاقية، وهو ما جعل كتلة المؤتمر الشعبي تغير موقفها. ذات القصة يرويها شوقي القاضي قبل سنوات لكن بتغيير زوايا الحكاية وقناعات شخصياتها، فالرافض للاتفاقية عند سرد الحكاية للمرة الثانية كان علي عبد الله صالح، وأن الزنداني كاد أن يكون معها لولا تخويف الرئيس علي عبد الله صالح له بأن الاتفاقية تستهدف جرجرتهما مكبلين إلى تلك المحكمة!.