فجأة قررت جماعة الحوثي وبتوجيهات من أعلى سلطة فيها إعادة توظيف بيت الثقافة في صنعاء لإنجاز مهمة أخرى صادمة، فالصالة التي كانت تعج بالأنشطة الثقافية والإبداعية تحولت إلى معرض للملابس النسائية، هكذا دون مناسبة تستوجب هذا الفعل القبيح الذي تعيد من خلاله هذه الجماعة الطائفية ترتيب أولويات الشعب اليمني بما يتطابق مع الوضعية الرديئة التي قادت إليها حرب الجماعة على الشعب اليمني. أرسلت قيادة الجماعة بهذا القرار رسالة واضحة لليمنيين، لتكن اهتماماتكم محصورة ضمن هذه الحدود، وأرادت من خلال هذه الرسالة أن تطفئ نور العقل وأن تعطل ملكة الإبداع والتفكير وهي ملكات تشترط الحرية والكرامة قبل كل شيء وأي شيء. أعتاد مثقفو العاصمة صنعاء منذ أكثر من عقدين على زيارة بيت الثقافة الجميل في العاصمة صنعاء، لقضاء وقتٍ متميزٍ على هامش الأحداث الثقافية التي يستضيفها البيت وهي متنوعة بين معرض دائم للكتب ومعارض موسمية للفنون التشكيلية والصور الفوتوغرافية والندوات أو حتى للقاء والمثقافة. لا يوجد أفضل من ذلك المكان ليشعر المرء بأنه يتنفس ويغادر الاعتياد اليومي في مدينة يهيمن عليها طقس تناول القات وتستغرقها الهموم المعيشية، ففي بيت الثقافة كما في مركز الدراسات والبحوث الذي يرأسه المثقف العتيد البرفسور عبد العزيز المقالح، يمكن للمرء أن يقول شيئاً ذي قيمة ويتبادل أطراف الحديث حول الجديد من نتاج الحياة الثقافية والإبداعية في اليمن والوطن العربي والعالم. لا يبعد بيت الثقافة كثيراً عن القصر الجمهوري الواقع في قلب العاصمة صنعاء، حيث أقيم هذا البيت في ساحة مبنى الهيئة العامة للمخطوطات والآثار ودور الكتب، الذي أنشئ بتمويل كويتي في سبعينيات القرن الماضي، وأُعيد توظيفه ليكون مقراً لهيئات ثقافية وآخرها الهيئة العامة للكتاب. كانت الثورة اليمنية ضد الإمامة البائدة في السادس والعشرين من سبتمبر 1962 ومن قبلها ثورة 1948 نتاج عقول مستنيرة هيأت البيئة الاجتماعية وحررتها من الارتهان الفكري والعقدي الذي حولها إلى قطيع منقاد ذليل وفاقد للكرامة الإنسانية، لهذا تريد هذه الجماعة أن تستعيد هذا القطيع، وهذا هو السبب وراء تركيزها على صغار السن والنشء والذي تدفعه إلى دورات ثقافية تسلبه أنبل ما أودعه الإسلام الحنيف، وما زرعته الجمهورية من قيم الحرية والكرامة قبل أن تحولهم إلى أدوات قتل حادة وغاشمة لا تقيم اعتباراً لأحد بما في ذلك الآباء والأمهات. لذلك علينا أن ننظر إلى الانتهاك السيئ الذي طال بيت الثقافة باعتباره جرس إنذار ينبه الجميع إلى أن هذه الجماعة تقوم بفرض القيم الإمامية البائدة بالتقسيط وأنها في الوقت ذاته تثأر بطريقة فجة من الشعب الذي قرر أن يتحرر في منتصف القرن الماضي ويتصل بالعصر، ومن المؤسف أن تفعل كل ذلك بواسطة عناصر غاشمة من اليمنيين، ترى الشجاعة في الأذى، إذ تفعل ذلك وهي تلهج بعبارات تشي بالاستسلام والعبودية البشرية المقيتة، التي تُجير في الغالب لصالح من يرون السلطة امتيازاً سلالياً.
