أَصدفةٌ يا تُرى أن يتسم الموقفُ الخارجي بالارتباكِ إزاء المساعي الأممية ثم إحباط (ولو إعلامياً) جهود تسوية المشكلة اليمنية. مثلما حدث لمبعوث الأممالمتحدة رالف بانش مطلع عام 63 حينما شهد سيطرة الجمهورية على أهم مناطق اليمن الجمهوري رغم الادعاءات الإعلامية المضادة بعكس ذلك (...). ثم يمر بعدن حيث الحكم البريطاني، ويزور القاهرة حيث المدد الناصري للجمهورية بصنعاء، فيُفاجأ برفض الرياض استقباله بحجة "عدم حياده ووضوح انحيازه للجمهورية". فتنتهي مهمته الديبلوماسية سريعاً. حينما يُستعار الالتزام القديم ب"الشرعية" رغم المواقف والآراء الشخصية السابقة من حملة "الشرعية". على نحو ما التزمته السعودية تجاه الإمام المنصور بالله محمد بن أحمد حميدالدين الشهير بمحمد البدر - بعدما كان يكنى "الأمير الأحمر" - كونه إماماً شرعياً عقدت له البيعة وتمرد عليه "عصاة صنعاء" كما سمى "الثوارَ" رئيسُ الوزراء الأمير فيصل عبر "بيان إلى الشعب السعودي للتعبئة العامة ضد الاعتداءات المصرية على مناطق الحدود – كانون الثاني 1963(...)". تزامناً مع تمسك "المملكة بالاعتراف بحكومة جلالة الإمام البدر الشرعية التي ما زالت تعترف بها الأكثرية الساحقة من دول العالم (...)" كما قال الملك سعود في الذكرى التاسعة لتوليه العرش (تشرين الثاني 1962)!! إذ تجدد بعض تفاصيل الحاضر ذكرى قديمة للمشاهد والأحداث والمواقف والآراء، فالمرجو أن تتكرر "حالة إيجابية طيبة" بإجراء "حوار المعنيين باليمن"، على غرار اتفاق "الانفكاك" أو "فك الارتباط في اليمن" الذي أبرمه من في الرياضوالقاهرة برعاية السفير الأميركي إلسوورث بانكرز المبعوث الشخصي للرئيس جون إف كينيدي (نيسان 1963). ثم تأليف "وفد مساعي حميدة" من الجزائر والعراق عام 1964 لتنقية الأجواء بين الشقيقين وحل المشكلة اليمنية (...) ترسيخاً لاستئناف علاقات العربيتين السعودية والمتحدة (شباط - آذار 1964) قبل اتفاق الإسكندرية (أيلول 1964)، فاتفاق جدة (آب 1965)، وأخيراً لقاء الخرطوم (آب 1967) حينما ودّع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الملف اليمني بكله وكَلكَلِه - منصرفاً لشؤونه الداخلية بعد نكسة 5 حزيران 67 -، وبعدما تكشف له - ثم كاشف الملك فيصل بذلك خلال اجتماع لاحق عام 69 - أن "حرب اليمن أثرت على العلاقات بيننا (مصر والسعودية)، وجعلتها تتحول إلى طريقٍ لم نكن مخططين له ولم تكونوا مدبرين له أيضاً (...) [كتاب: محاضر اجتماعات عبد الناصر العربية والدولية 67-70]". إثر انسحاب الجيش المصري من اليمن، بدأت "الحقبة السعودية" مقرةً بأن "التاريخ تقرره الأعمال الحاسمة لا الحجج القانونية" – على حد تعبير المفكر والديبلوماسي اللبناني الدكتور شارل مالك- إذ صنع اليمنيون بأنفسهم تلك الفترة أعمالاً حاسمة مهدت صون الأمن القومي للمنطقة. فالتقت الرياضُ حمائمَ وصقورَ الجمهورية بصنعاء، وتبدى أن "صقور" الجمهورية أقل تشدداً - حتى - من "حمائم" الملكية إزاء بعض الشؤون (...)، فاعترفت المملكة بالجمهورية عام 1970. وبعد زوال "الفيتو" السعودي وتبين مدى سيطرة الجمهوريين على الوضع، تقاطرت اعترافات دول صغرى وكبرى، تخلفت عن تقدم موسكو وواشنطن بالاعتراف عام 1962، رغم إدراك الأخيرة أن ما بصنعاء وكذا "الغارات المصرية على الحدود لا تهدد بقاء الملكية السعودية) [العلاقات السعودية الأميركية في البدء كان النفط]". معطياتُ انبعاثِ الصراع –يومئذٍ -، وهياجُ العواصفِ -يومنا- هو "ثالوثٌ متجدد" يتمثل في: "مخاوف إقليمية، حزازات متبادلة، وتصلب سياسي" تسطر بمجمل مسارها حقيقةً ساطعة وآيةً بينة: "الحوار حلاً". * النهار اللبنانية