وصفت مجلة "نيوزويك" الأمريكية عبر موقعها الإلكتروني الفريق أول عبدالفتاح السيسي، نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والإنتاج الحربي بأنه "الجنرال الهادئ"، وذلك في تقرير مطول قالت فيه إن مصر صار لديها "رجلا قويا" جديدا، بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وأن صوره انتشرت بين أيدي المصريين وفي كل مكان، أكثر من الهدايا السياحية التذكارية ل"أبوالهول". وأكملت "نيوزويك" حديثها عن السيسي، حيث قالت، إن شخصيته "مبهمة" تماما مثل نظارته الشمسية الداكنة، "وكثيرا ما تتم مقارنته بالزعيم ذي الشخصية الكارزمية جمال عبدالناصر، ورغم ذلك لا يعرف عنه الكثيرون أي شيء عن خلفيته أو عائلته، خاصة أنه نادرا ما يتحدث للصحفيين، كما أن أصدقاءه المقربين يترددون في إجراء أية حوارات عنه". وفي بحثها عن أقربائه بدأت "نيوزويك" من ذلك المتجر في خان الخليلي والذي يسمى "السيسي"، ووجدت أنه نشأ في حي الجمالية، "في نفس الأزقة والحواري بين المساجد، والتي كتب عنها الأديب المصري صاحب جائزة نوبل، نجيب محفوظ، في ثلاثيته المعروفة: بين القصرين وقصر الشوق والسكرية"، مضيفة أنه نشأ في أسرة متدينة، كأغلب الأسر المصرية، وفي المتجر التابع للعائلة، والذي يديره شخص يدعى "حسين علي"، قال الأخير، إنه قد بلغ بعدم الحديث حول السيسي الذي يعرفه منذ سنوات. وأضاف: "لستم في حاجة لي للحديث عن عبدالفتاح السيسي، وإذا تكلمت عن حسين خليل السيسي، فأنا أتكلم عن كل أولاده، لأنهم نسخ منه"، متابعا: "كان يحب القراءة في التاريخ والقانون، والاستماع إلى أغاني أم كلثوم القوية والوطنية، كما كان يعرف كبار رجال الدين الذين كانوا زبائنه في متجره، وفي الوقت ذاته أصدقاءه"، موضحا أن والد السيسي لديه خمس بنات وثلاثة أبناء كلهم ذوي تعليم جامعي. وأسهب حسين علي في الحديث حول والد السيسي حيث قال: "عبدالفتاح السيسي يشبه والده كثيرا، حيث كان والده ملهما للكثيرين من حوله، وعندما ينظر إلى عينيك كان يعرف ما تود قوله تماما. كان يعرف كيف يوصل رسائله عندما يتحدث، وإذا تحدث لطبيب فإنه يتحدث إليه بلغته، وعندما يتحدث لعامل بسيط، فإنه يتحدث كأنه مثله تماما، وقد أخذ عنه أبناؤه ذلك". وتابع أن كل ابن من أبنائه اتخذ طريقا يشبه أباه فيه: "أحد أبنائه عمل بالتجارة مثل أبيه وهو حسن، وآخر صار قاضيا وهو أحمد والثالث أصبح قائدا في الجيش وهو عبدالفتاح السيسي، حيث كان حسين السيسي مثل قائد الجيش، كل شيء في موعده وكل شيء بنظام"، وعلى العكس من والده، يقول تامر شقيق حسين علي والذي يعمل في المتجر معه، فإن عبدالفتاح السيسي نادرا ما يمزح، بينما والده كان يحب إلقاء الدعابات والنكات "كان من الممكن أن يجلس عبدالفتاح في المكان طويلا، دون أن تصدر عنه سوى كلمة واحدة أو كلمتين فقط". "الجميع، بما في ذلك الأولاد، زاروا المتجر حيث تعلم الأب ومارس حرفته الشاقة، مع عدد لا يحصى من قطع صغيرة من الصدف يدمجها في الخشب المنحوت بدقة، ويخلق قشرة قزحية الألوان من أنماط متشابكة معقدة، كلها كان تعتمل في عقل الأب"، هكذا أضاف تامر وقال: "الأب كانت لديه رؤية، صنع نماذج جديدة، ولم يكتف برؤية النماذج المعتادة ويصنع مثلها، بل كان مجددا وصبورا". وتتبع "نيوزويك" أسرة عبدالفتاح السيسي، حيث حاورت شقيقه أحمد السيسي الذي وافق على إجراء الحوار على مضض، فقال، إنه على العكس من الرئيس السابق حسني مبارك والذي كان معروفا هو وأسرته جميعا لدى المصريين، فإن عبدالفتاح السيسي استطاع أن يحمي خصوصية أقاربه، "عبدالفتاح لديه أربعة أبناء، ثلاثة أولاد وبنت، وزوجته ترتدي الحجاب التقليدي، وهو ما تقوم به النساء المصريات حاليا بشكل طبيعي، على عكس نساء الجيل السابق"، وتحدث أحمد عن شقيقاته قائلا: "الشقيقات الخمس وكذلك زوجة السيسي لا يعملن"، مؤكدا أن "نساءنا لا تعمل. يبقين في المنزل لرعاية الأطفال"، مضيفا أنهم جميعهم في مهن طموحة، حيث أنهم خرجوا من أسرة "تقود ولا تقاد". وتمضي "نيوزويك" قدما في البحث في تاريخ عبدالفتاح السيسي لتقول إنه "في 2006، اختير السيسي لحضور الكلية الحربية الأمريكية خلال فترة مشحونة في الشرق الأوسط، وفي الكلية التاريخية في بنسلفانيا، وجد السيسي نفسه في مواجهة ضباط الجيش الأمريكي الخارجين للتو من حرب العراق، التي كانت تفشل وتزداد خسائرها للأمريكيين والعراقيين على حد سواء، بينما ينفق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن ملياري ونصف المليار دولار أسبوعيا على تلك الحرب". ووفقا لشريفة زهور الباحثة وأحد أساتذة السيسي في الكلية الحربية الأمريكية فإن السيسي كان دائما على استعداد للنقاش الهادئ وليس العدائي، "في الوقت الذي كان يدخل فيه الجنود الأمريكيين في نقاش حاد وساخن مع نظرائهم العرب"، مضيفة أنه "كان يمكن أن يغضب لكنه كان يعرف كيف يتحكم في نفسه، ويختار عدم الرد في الوقت الذي يقوم الآخرون فيه بذلك، فلم يكن هادئا لأنه سلبيا، بل لأنه أكثر تأملا وانتظارا ومشاهدة". وتكمل شريفة زهور أن السيسي آنذاك قدم ورقة بحيثة من 11 صفحة بعنوان "الديمقراطية في الشرق الأوسط"، ففي الوقت الذي يؤمن فيه الأمريكيون بالحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة، "فإن الثقافة الإسلامية تتمسك بمبادئ العدالة والإنصاف والمساواة والوحدة والإحسان". وبينما ينظر الأمريكيون إلى الآباء المؤسسين لدولتهم، فإن المسلمين يعتزون بذكريات دولة الخلافة القديمة، "وهذا لا يعني قيام دولة ثيوقراطية ولكن دولة ديمقراطية بمفاهيم إسلامية"، وكان هذا ما كتبه السيسي في ورقته البحثية، وأضافت زهور أنه "يعرف الكثير عن التراثث المصري والإسلامي ويفخر به"، متابعة أنه "ربما ليس من المستغرب الآن أن هذا القائد الفخور أمريكي التدريب، لا يحتاج أو يحب أمريكا، ويجعل ذلك واضحا. فمنذ عزل مرسي، وجد السيسي أن أمراء الخليج أكثر سخاء من الولاياتالمتحدة، حيث ضخت المليارات من الدولارات في صورة مساعدات من المملكة العربية السعودية والإمارات، الذين لديهم أجندتهم الخاصة في مصر، وفي رأي السيسي الخاص، فإن مصر حصلت على القليل من الدعم من الولاياتالمتحدة عندما تحول مرسي والإخوان إلى الاستبدادية وتخريب الإرادة الشعبية. كما قال بصراحة في حواره الأخير مع واشنطن بوست، في رسالة واضحة إلى البيت الأبيض والبنتاجون ووزارة الخارجية الأمريكية، وربما أصدقائه القدامى في الجيش الأمريكي، مؤكدا أن مصر تقود ولا تقاد". وعادت "نيوزويك" لتكمل الحكاية لتقول إنه بعد إقالة طنطاوي، وجد المصريون وجها أصغر وأقل شهرة في موقعه، وهو عبدالفتاح السيسي، الذي كان مديرا للمخابرات الحربية، والذي تقدم للكاميرات ليدافع عن الاتهامات التي وجهت للجيش في الفترة الانتقالية، فيما يعرف بقضية "كشوف العذرية". وأكدت أنه وفقا لعدد من المصادر المطلعة فإن طنطاوي هو من اختار السيسي خلفا له، لكن السيسي الآن يثبت أنه من الممكن أن يكون له دورا على المشهد السياسي المصري الجديد، متابعة أنه في الوقت الذي انتقلت فيه البلاد نحو انتخابات 2012، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن جماعة الإخوان المسلمين لديها عملية سياسية أفضل وهي من ستفوز بالرئاسة، وحينها أدرك رجال الأعمال النفعيين وكذلك ضباط الجيش أنهم مضطرون للجوء إلى التفاوض مع أعدائهم السابقين حول كيفية تأثير انتصار الإخوان على الجيش، مشيرة إلى أن مرسى كان ممثل الإخوان فى تلك المحادثات، فيما تكلم السيسى نيابة عن الضباط". وتابعت "نيوزويك" أنه بعد انتخاب مرسي في صيف 2012، بدأ في تغيير ديناصورات الجيش القدامى، وما أثار العجب هو عدم مقاومة القيادة العليا لقراراته، دون أن يدركوا أنه كان تغييرا في الأجيال، أو ثورة داخل المؤسسة العسكرية نفسها بقيادة السيسي، الذي عينه مرسى وزيرا للدفاع، ظنا منه على ما يبدو أنه لا هو ولا غيره من القادة الجدد للجيش سوف ينقلبون عليه طالما أنه يحترم امتيازاتهم الاقتصادية. وأيا كانت أهدافه الأصلية، فإن السيسي بدأ نهاية العام الماضي يناور للوصول لمنصب أكثر طموحا بكثير، وذلك في الوقت الذي بدأ فيه مرسي يحصل على المزيد من السلطات الديكتاتورية، ويعمل على إقصاء معارضيه، ويحصن نفسه ضد أحكام القضاء، ما أدى إلى اندلاع أعمال شغب دموية، وبدا أن البلاد تذهب مرة أخرى نحو الفوضى". وأكملت "نيوزويك" أنه حينما طلب من قوات الأمن الدفاع عن نظام تتناقص شعبيته بسرعة، "بدأ السيسي التصرف علانية كلاعب مستقل عن حكومة مرسي، ودعا إلى اجتماع لإجراء محادثات مع جماعات المعارضة، وبدأ ضباط المخابرات الحربية في التواصل سرا عبر وسطاء مع أولئك الذين أرادوا إجبار مرسي على ترك منصبه". واستطردت المجلة أنه في مايو "اجتمعت النخب من الحرس القديم، بمن في ذلك المثقفون والصحفيون مع السيسي في مناسبة عسكرية وشجعوه على التدخل، لكنه قال: (لهم لا تتعجلوا، كل شيء في الوقت المناسب)، ومع اقتراب موعد المظاهرات المخطط لها في 30 يونيو الماضي، تم تشجيع الناشطين من قبل الوسطاء المتحدثين باسم الجيش لبناء ضغط في الشارع، وفقا لقادة المظاهرات، وكذلك قائد جيش متقاعد، الذين عملوا كوسطاء بين المؤسسة العسكرية والمعارضة، ولكن في الخلفية، انتظر السيسي اللحظة المناسبة بصمت، وأعطى مرسى والإخوان الحبل الذي شنقوا به أنفسهم، ثم أخيرا خرج إلى النور ليكشف ما كان يبنيه بعناية وحرص". * نقلا عن بوابة فيتو المصرية