تدرس شركة الطاقة الوطنية السعودية ارامكو خياراتها بشأن المضي قدما في مشروع تكرير انسحبت منه شركة الطاقة الامريكية كونكو فيليبس. ومن بين تلك الخيارات ان تمضي قدما في تنفيذ المشروع بمفردها، او ان تطرح مناقصة لمشاركين جدد. وهناك حديث في السوق ان ارامكو بدأت بالفعل منذ فترة التفكير في شريك جديد، ربما يكون شركة صينية. ولم يكن اعلان كونكوفيليبس الانسحاب من شراكتها مع ارامكو في مشروع التكرير في ينبع على البحر الاحمر لانتاج 400 الف برميل يوميا من المشتقات المعدة للتصدير مفاجأة. فقد بدأت الشركة الامريكية استراتيجية جديدة تتضمن خفض نشاط التكرير في اطار سياسة تعزيز وضعها المالي بتقليل الاستثمارات عبر ما تسميه الانفاق الراسمالي "المنضبط". وكانت العقود الرئيسية للمشروع، الذي تصل كلفته الى 9 مليارات دولار، جاهزة للتوقيع كما ان المفاوضات مع البنوك المهتمة بتمويل المشروع وصلت الى مراحل متقدمة. وكان وقع الاختيار على الشركة الامريكية كشريك في المشروع عام 2006، فيما اختيرت شركة توتال الفرنسية للشراكة مع ارامكو في مشروع مماثل في الجبيل على البحر الاحمر ايضا. وربما تختار ارامكو ان تمضي قدما في مشروع ينبع منفردة، كما فعلت في مشروع تكرير اخر في جيزان يستهدف السوق المحلية بعدما كانت تسعى للشراكة فيه، كي لا تضيع الوقت. اذ ان اي تاخيرا في المشروع سيعني صعوبة محافظة ارامكو على الاسعار المنخفضة التي امنتها لعقود انشاء المشروع وسيتم بناء مشروع ينبع والجبيل بذات المجموعة من الشركات من كوريا الجنوبية واليابان واسبانيا. ولا يعني ذلك انه لن يمكن ادخال شريك في المشروع في وقت لاحق، وفي تلك الحالة تعد الشركات الصينية اختيارا مطروحا. اذ ان من شأن وجود شريك ان تضمن ارامكو سوقا لتصريف المنتجات المكررة كما يخفف عنها اعباء التمويل ايضا. وهذا ما يجعل مشروع ينبع الذي يستهدف التصدير يختلف عن مشروع جيزان. لذا يجري الحديث عن دخول شركة سينوبك الصينية محل كونكو فيليبس الامريكية في خطوة ستضيف الى الاستثمارات السعودية في قطاع التكرير والبتروكيماويات الصيني. كما ان الصين اصبحت من اكبر المشترين للنفط السعودي اذ بلغت وارداتها منه مليون برميل يوميا. وتعد الاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة السعودي متواضعة حاليا بسبب محدودية الفرص المتاحة في قطاع الاستكشاف والانتاج. اذ تفضل السعودية تاريخيا الشراكة مع الشركات الغربية التي توفر تكنولوجيا متقدمة. وتملك شركة سينوبك الصينية بالفعل امتيازا لاستكشاف الغاز الطبيعي في السعودية، لكنها لم تحقق الكثير حتى الان. كما ان لارامكو وسابك وهي شركة تملك الدولة اغلبية فيها وتعمل في مجال البتروكيماويات والاسمدة وانتاج الصلب استثمارات في مشروعات في الصين. ففي نهاية العام الماضي بدأ مشروع تكرير وبتروكيماويات في اقليم فوجيان الصيني الانتاج، وتملك ارامكو حصة 25 في المئة فيه بالمشاركة مع اكسون موبيل الامريكية التي تملك حصة 25 في المئة والبقية لشركة تابعة لسينوبك. ويهدف المشروع الى مضاعفة الانتاج ثلاث مرات الى 240 الف برميل يوميا من المشتقات البترولية الى جانب الايثيلين والبوليثيلين والبوليبروبيلين والباراكسيلين. وتدرس ارامكو ايضا الاستثمار في توسيع مشروع تكرير اخر في اقليم شاندونغ. واعلنت سابك مؤخرا عن بدء الانتاج في مصنع اقامته في تيانجين بالشراكة مناصفة مع سينوبك، وينتج المشروع 3.2 مليون طن من مشتقات الايثيلين سنويا. ولدى اعلانه عن ارباح الربع الاول من العام (التي زادت بنسبة 19 في المئة لتصل الى 1.45 مليار دولار) اشار رئيس سابك الى ان الشركة قد تستثمر اكثر في الصين. وقال ان رخص العمالة ومواد البناء وخدمات الشحن يعني ان التكاليف الاجمالية في الصين اقل بنسبة 50 في المئة عنها في الخليج. وفيما تعزز الصين علاقاتها في مجال الطاقة مع السعودية، تسعى بكين بشكل مواز لتعزيز وجودها في سوق النفط والغاز الايراني. وامدت ايرانالصين العام الماضي بنحو 450 الف برميل يوما من النفط الخام، ما جعل من ايران ثالث اكبر مصدر للنفط للصين بعد السعودية وانغولا. وتراجعت مبيعات الخام الايراني للصين في الشهرين الاولين من عام 2010 لكنها تحسنت الى حد ما في مارس. كما ان الصين مصدر مهم لواردات النفط المكرر الى ايران ووقعت الشركات الصينية عدة اتفاقيات لتطوير حقول نفط وغاز ايرانية. وهكذا يبدو انه في ظل الوضع غير الجيد للاقتصاد الامريكي، وتبعاته على الشركات الامريكية، ان الصين تعمل حثيثا ودون ضوضاء على احتلال مواقع تلك الشركات في الخارج. ولم يعد الاهتمام الصيني بسوق الطاقة ومصادر المواد الخام قاصرا على افريقيا وبعض مناطق امريكا الجنوبية واسيا، بل يتجه الان بشدة نحو الخليج. وذلك توجه لا يخلو من اثارة عوامل اخرى غير اقتصادية، اذا اخذنا في الاعتبار تجربة النفوذ الاوروبي والامريكي في الخليج.