ما أن وصل إلى واشنطن إلا وسارع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتوجيه صفعة جديدة للمراهنين على المفاوضات المباشرة عبر التأكيد أن حكومته لا تعتزم تمديد فترة الحظر المؤقت للنشاطات الاستيطانية والتي تنتهي في 26 سبتمبر / أيلول . ووفقا للإذاعة الإسرائيلية ، فإن نتنياهو استبق لقاءه مع أوباما في مطلع سبتمبر وقبل ساعات من انطلاق المفاوضات المباشرة بإبلاغ وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خلال اجتماعه معها أن حكومته لا تعتزم تمديد فترة الحظر المؤقت للنشاطات الاستيطانية . ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد استغل نتنياهو عملية الخليل التي أدت إلى مقتل أربعة مستوطنين إسرائيليين للفت الانتباه بعيدا عن قضية الاستيطان والتركيز فقط على موضوع الأمن وهذا ما ظهر واضحا في المؤتمر الصحفي الذي عقده أوباما بعد اجتماعه مع نتنياهو في البيت الأبيض . فقد وجه الرئيس الأمريكي تحذيرا لحركة حماس أكد خلاله أن ما أسماها "الأعمال الإرهابية" لن تمنع الولاياتالمتحدة وحلفاءها من الاستمرار في الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في المنطقة. وأدان أوباما الهجوم الذي قتل فيه أربعة إسرائيليين بالقرب من مدينة الخليل في الضفة الغربية والذي أعلنت حماس مسئوليته عنه ، قائلا :" أريد أن يكون الأمر واضحا جدا ، الولاياتالمتحدة لن تحيد عن دعمها لأمن إسرائيل ، ونحن سنرد كل تلك الهجمات الإرهابية ، ولهذا فالرسالة التي تذهب إلى حماس وإلى جميع من يتبنى المسئولية عن تلك الجرائم الشنيعة هي أنها لن توقفنا". ورغم أن الظاهر من التصريحات السابقة أنها تهاجم حماس إلا أنها تنسف المفاوضات المباشرة قبل انطلاقها حيث بعثت برسالة واضحة للجميع أنه لا صوت يعلو على أمن إسرائيل ، فأوباما تناسى تماما جوهر القضية وهو الاحتلال والاستيطان وخاصة في الضفة الغربيةوالقدس الشرقية وركز فقط على أمن إسرائيل رغم أن عملية الخليل وقعت في أرض محتلة ويعيث فيها المستوطنون فسادا . هذا بالإضافة إلى أن تصريحات أوباما تبدو وكأنها تتجاهل أيضا ما أشار إليه الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس الفلسطيني محمود عباس لإنجاح المفاوضات المباشرة . فقبل ساعات من القمة الخماسية التي استضافها أوباما في البيت الأبيض في مطلع سبتمبر ، أكد الرئيس المصري حسني مبارك أن على إسرائيل تمديد وقف النشاطات الاستيطانية لإنجاح المحادثات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي. وأضاف في مقال نشرته له صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في مطلع سبتمبر أن المستوطنات الإسرائيلية تسد الطريق إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وأنه من الضروري أن توقف إسرائيل النشاط الاستيطاني في الضفة الغربيةالمحتلة . وتابع مبارك أن المستوطنات والسلام لا يتفقان لأن المستوطنات تعمق الاحتلال الذي يسعى الفلسطينيون لإنهائه ، قائلا :" إن وقفا كاملا للتوسع الاستيطاني من جانب إسرائيل في الضفة الغربيةوالقدس الشرقية جوهري إذا أريد للمفاوضات أن تنجح على أن يبدأ ذلك بمد أجل وقف البناء الاستيطاني الذي قررته إسرائيل والذي ينتهي في سبتمبر ". وكشف الرئيس المصري في مقاله أيضا المباديء العامة التي يرى كثير من العرب أنها أساسية لعقد أي اتفاق وتشمل قيام دولة فلسطينية على الأرض الفلسطينية التي احتلت في حرب عام 1967 وأن تكون القدس عاصمة للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية. وفي السياق ذاته ، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن ما يهمه هو أن تبدأ المفاوضات المباشرة لمناقشة قضايا المرحلة النهائية وعدم الانجرار للدخول في أي قضايا أخرى ، معتبرا أنه حتى تكون تلك المفاوضات جدية يجب على إسرائيل تمديد وقف الاستيطان الذي ينتهي في 26 من سبتمبر . ورفض في تصريحات لصحيفة "الأيام" الفلسطينية أي صيغة إسرائيلية يستمر بموجبها التوسع في الكتل الاستيطانية مع وقفه في المستوطنات المعزولة ، مطالبا بوقف الاستيطان بشكل كامل وشامل. وحذر من أنه في حال رفضت إسرائيل تمديد وقف الاستيطان سيكون من الصعب على الجانب الفلسطيني الاستمرار في المفاوضات المباشرة . ورطة عباس
ويبدو أن عباس بات في موقف حرج للغاية بعد ما أبلغه نتنياهو لوزيرة الخارجية الأمريكية ، ففي حال لم تنجح القمة الخماسية التي جمعت في مطلع سبتمبر أوباما وعباس ونتنياهو والرئيس المصري والعاهل الأردني عشية انطلاق المفاوضات المباشرة في إجبار نتنياهو على تمديد قرار تجميد الاستيطان ، فإن عباس سيخسر الكثير إذا واصل تلك المفاوضات ليس فقط لأن أغلبية الفلسطينيين ضدها وإنما لأنه سيظهر أيضا في هذا الحين وكأنه يقدم غطاء لعمليات الاستيطان الإسرائيلية . ولعل ما يضاعف من مأزق عباس هو تعويله كثيرا على الموقف الأمريكي ، فمعروف أن إسرائيل كانت قررت تجميد الاستيطان جزئيا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لمدة 10 أشهر بضغط من الولاياتالمتحدة التي تعارض التوسع الاستيطاني وبهدف إقناع الفلسطينيين بالعودة للمحادثات . وطمأن عباس الشعب الفلسطيني بأن المفاوضات المباشرة ستتناول كافة قضايا الوضع النهائي والتي تشمل القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والأمن والمياه والإفراج عن الاسرى ، كما هدد أكثر من مرة بالانسحاب من المفاوضات المباشرة التي تبدأ يوم الخميس الموافق 2 سبتمبر في واشنطن ما لم تمدد إسرائيل قرار تجميد الاستيطان . ويتوقع أن تكون المفاوضات المباشرة أمام اختبار حقيقي في 26 سبتمبر عند انتهاء المدة التي أعلنت فيها إسرائيل عن تجميد مؤقت للنشاطات الاستيطانية في الضفة الغربية . ورغم أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أكد لعباس في رسالة بعث له بها في آب/أغسطس الماضي استمرار تجميد الاستيطان في حال موافقته على الدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل ، إلا أن التجربة أثبتت أن تعهدات أوباما سرعان ما تتلاشى على صخرة العناد الإسرائيلي ، فهو كان وعد خلال حملته الانتخابية بوقف الاستيطان إلا أنه لم يستطع أن يحصل في النهاية سوى على تجميد مؤقت ل 10 أشهر . والخلاصة أن تصريحات أوباما عقب اجتماعه مع نتنياهو والتي لم تتطرق لموضوع الاستيطان تؤكد أن تلك المفاوضات تهدف فقط لتحسين شعبية أوباما قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ولحشد العرب خلف تشديد العقوبات على إيران ولن تسفر عن تحقيق أي تقدم فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي . محيط