تتكدس النفايات في شوارع صنعاء منذ الانقلاب بشكل مقزز للغاية، ويواجه اليمنيون تبعات حرب أخرى تتمثل في تفشي مرض الكوليرا الناتج عن أكوام النفايات لتصبح الكوليرا قاتلا ثانيا إلى جانب الحرب يحصد أرواح اليمنيين. وما يحدث اليوم يذكر بتاريخ الإمامة وزمن المجاعة والمرض، الزمن الذي تحدثت عنه الطبيبة الفرنسية كلودي فاديان في كتابها "كنت طبيبة في اليمن» والتي عملت في اليمن ما بين ,1950و1951 ونقلت صورة قاتمة ومخيفة عمّا كان عليه الحال قبل قيام النظام الجمهوري ب12 عاماً، وكيف كانت البلاد مغيبة عن العالم من حولها. لقد كانت المجاعة والأمراض الفتاكة تقتل اليمنيين بحسب فاديان بشكل لم تره ببلد آخر وسط تخلف وعدم اكتراث من قبل الأئمة لحال من يحكمونهم. في ذلك الوقت كان 50 في المائة من المواليد عرضة لخطر الموت لانعدام خدمات الرعاية الصحية والمستشفيات والأطباء الذين لم يتجاوزوا عدد أصابع اليد. تتحدث "أم أبراهيم الغاوي" للصحوة نت عن ذلك الزمن، عن أيام طفولتها التي عاشتها في ظل حكم الأمامة وما عانوه من الجوع وانتشار الامراض حيث كان عشرات الناس يموتون يوميا ولا يعلم بهم احد . تقول" حملني أبي وعمري آنذاك خمس سنوات فوق ظهره وجاب القري ليبحث لنا عن لقمة صغيرة نسد بها جوعنا , وكنت أرى أناس في القرى الأخرى تموت من الجوع والمرض امام عيناي ,حتى ظننت ساعتها اني سوف اهلك انا وابي، وقد اكلنا من اعشاب الأرض وبقايا الحبوب المليئة بالدود واليابسة وكتب الله لنا عمرا أخرى وتتابع ". وتقارن بين الماضي والحاضر قائلة "اليوم تتكرر نفس تلك المشاهد امام عيناي في عهد أبناء الإمامة الظالمة , الموت جوعا وبسبب الأوبئة والامراض".
* نواقيس الموت تقرع تقارير المنظمات الدولية اليوم أجراس الخطر من المجاعة التي تقتل اليمنيين بصمت والأمراض كالكوليرا التي تتمدد وتزهق الأرواح في أكثر من محافظة يمنية بعدما نهب الحوثيون مخصصات الصحة وعمال النظافة لصالح مجهودهم الحربي. انتشر المرض وتساقط الناس وتأخرت مبادرة إزالة النفايات من شوارع اليمن كثيراً بعد أودت بحياة عدد من أبناء البلاد بمرض الكوليرا الذي انتشر بالترافق مع تدهور الوضع البيئي والصحي في البلاد. آخر تقرير أصدرته منظمة الصليب الأحمر عن حالات الإصابة والوفيات بسبب مرض الكوليرا الذي اجتاح معظم محافظات الجمهورية تحدث عن إصابة أكثر من 8500 مواطن ووفاة 155 شخصا. ووفق إحصاءات صحية أطلقتها منظمة اليونيسف في اليمن فإن ما يزيد على 54% من المستشفيات والمرافق الصحية الحكومية باتت خارج الخدمة أو تعمل بشكل جزئي.
وقد ساهم ارتفاع معدلات الأوبئة الناتجة عن الحرب في انتشار أمراض الحرب، وتردي الخدمات العامة والصحية. وأشارت تقارير رسمية إلى أن أبرز المصادر المسببة للأوبئة التي تفتك باليمنيين تلوث المياه إلى جانب تراكم القمامة وتعطل خدمات الصرف الصحي وتدهور القطاع الصحي نتيجة انشغال أجهزة الدولة المفككة بالمواجهات المسلّحة وإهمال الخدمات العامة. وأعلنت منظمة الصحة العالمية في اليمن أنه ما لم يتم الاستجابة العاجلة لمواجهة الوباء فمن المحتمل أن نكون أمام 76 ألف حالة في معظم المحافظات. وأشارت إلى أن أكثر من 7.6 ملايين شخص يعيشون في مناطق متأثرة بالمرض كما أن نحو 3 ملايين نازح خاصة من النساء والأطفال معرضون لخطر الإصابة في ظل الظروف الصحية والإنسانية المتفاقمة والصعبة.
* عجز صحي يقول المواطن مسعد الحرازي للصحوة نت " الحي الذي أسكن فيه تجاوز عدد المصابين فيه بالكوليرا عشرين شخصاً، وفي منزلي إصابتان". ويوضح " أنّ صنعاء على أبواب كارثة كبيرة، فالمرضى عندما يصابون لا يعرفون ما الذي أصابهم فيصبرون أو يلجؤون إلى عيادات خاصة، والسعيد من يحصل على محاليل طبية تبقيه على قيد الحياة، والبعض يقضي نتيجة انخفاض الضغط والجفاف". من جانبه يقول محمد صالح إنه وجد ابنته الرضيعة تعاني من إسهال شديد وارتفاع في درجة حرارتها، وبعد ذهابه بها إلى مستشفى السبعين: "قالوا لي عندها كوليرا، لا أعرف هذا المرض ولا أعرف أحد مصاباً به ويضيف بغضب شديد: "لا توجد أسرّة، أعطونا بطانية، لتتعالج ابنتي على الأرض". يقول أحد أطباء المستشفيات التي تستقبل حالات الكوليرا "هناك عجز كبيرَ في المستشفى وكل مستشفيات صنعاء وعدد الحالات المحجوزة أكبر من قدرات المستشفى في الأسّرة والمعدات الطبية".
من جهته يفيد عايد الجماعي "للصحوة نت" بأن معظم الطواقم الطبية مضربة عن العمل بسبب انقطاع رواتب أعضائها كما أنّ الصيدلية المركزية استقبلت مؤخراً كميات غير كافية من الأدوية، أما المختبرات فتفتقر إلى المحاليل الوريدية ومحاليل فحص المرض، والمرضى يغطون تكاليف معظم هذه النواقص". زرنا أحد المشافي وفيه تسمع صراخ أم فقدت طفلها بعد اسعافه بساعات من محافظة المحويت التي تنعدم في مشافيها ابسط الأدوية الاسعافية. أما غمدان الذي وصل الى المشفى وهو ينازع روحه فقد غادر المستشفى جثة هامدة بعد ساعات ليلخص عهد الإمامة في نسختها الحوثية وماصل اليه اليمنيون عقب انقلابها على الدولة.