صيد ثمين بقبضة القوات الأمنية في تعز.. وإفشال مخطط إيراني خطير    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    الصين: بعد 76 عاما من النكبة لا يزال ظلم شعب فلسطين يتفاقم    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وداعاً للروتين.. مرحباً بالراحة: بطاقة ذكية تُسهل معاملات موظفي وزارة العدل!    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    ريال مدريد يحتفل بلقب الدوري الإسباني بخماسية في مرمى ديبورتيفو ألافيس    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    الاتحاد الأوربي يعلن تطور عسكري جديد في البحر الأحمر: العمليات تزداد قوة    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    نص المعاهدة الدولية المقترحة لحظر الاستخدام السياسي للأديان مميز    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    ولي العهد السعودي يصدر أمرا بتعيين "الشيهانة بنت صالح العزاز" في هذا المنصب بعد إعفائها من أمانة مجلس الوزراء    هيو جيو كيم تتوج بلقب الفردي وكانغ تظفر بكأس الفرق في سلسلة فرق أرامكو للجولف    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    وصول شحنة وقود لكهرباء عدن.. وتقليص ساعات الانطفاء    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حي الخانق بصنعاء..نموذج مصغر لواقع اليمن
نشر في الصحوة نت يوم 06 - 06 - 2012

حي الخانق .. أحد أحياء العاصمة صنعاء .. سمي كذلك لازدحام المنازل واختناقها فيه .. حتى يخيل للسائر في هذا الحي أنه يسير في أحد المتاهات الصعبة التي لا يستطيع الخروج منها ..أيضا يقال أن تسميته جاءت اقتباسا من اسم وادي المتنزه الخانق الذي يقع فيه هذا الحي والذي تتجمع فيه مياه الأمطار القادمة من الجبال المحيطة لتختنق في هذا الوادي عند مواسم الأمطار.. لكن أياً يكن أصل التسمية يبقى المسمى واحداً .. حي الخانق .. أكثر ما يلفت انتباه السائر في هذا الحي هو الفقر الشديد الذي يعيشه ساكنوه ..فالفاقة تظهر جلية في كل ما تراه عيناك وتصادفه أمامك .. بينما تختفي كل مظاهر الحياة من الخدمات الحكومية ومشاريع البنى التحتية لتحل محلها العشوائية والارتجالية كنتيجة حتمية لغياب تلك الخدمات والمشاريع من شوارع وكهرباء ومياه وصرف صحي وغيرها , فالناس هناك يعيشون على البركة كما يقال ..
حاولنا في هذا التقرير أن نغوص قليلاً في حي الخانق المليء بقصص البؤس وحكايات الشقاء لنستخرج بعضاً من تلك القصص والحكايات المدفونة في أعماقه ونبرزها على السطح عل ذلك يؤدي إلى العمل على التخفيف من معاناة أصحابها. .
الحاجة المسنة وكسرة الخبز:
عندما دخلنا حي الخانق لفت انتباهنا منزل صغير جداً ومكتظ بالأطفال ..دخلنا المنزل لنستطلع عن حال من فيه.. استقبلتنا سيدة مسنة عرّفتنا عن نفسها بأنها الحاجة خديجة محمد الجرف ..سألنا الحاجة خديجة عن وضعها وأبنائها الذين يملئون المنزل فقالت :" أنا أعيش مع أبنائي وأحفادي في هذا المنزل ..لديّ سبعة أبناء اثنان منهم ذكور وخمسة إناث ..أربع من بناتي متزوجات لكن إحداهن تعيش مع أطفالها الخمسة معنا هنا ..كذلك لدي حفيد صغير لا يتجاوز عمره السنتان يعيش معنا أيضا لأنه يتيم الأب والأم ، توفي والده بعد أشهر من ولادته، أما أمه وهي ابنتي الوسطى فتركته بعد أن تزوجت بآخر دون البحث عنه أو السؤال عليه ، والآن جميعنا نعيش في هذا المنزل الصغير في معاناة مستمرة ، فالأطفال مطالبهم كثيرة لكن لا يوجد من يوفر لهم تلك المطالب !!
عندما كانت الحاجة خديجة تحكي لنا قصة معاناتها وهؤلاء الصغار كانت تتحدث بصعوبة ومشقة نتيجة الأمراض التي لم تعد تفارق جسدها المنحني وآثار التعب والإعياء بادية في تقاسيم وجهها المتعرج نتيجة تقدمها في السن..
تابعت الحاجة خديجة حديثها قائلة: "زوجي توفي منذ أكثر من سنتين ومصدر الرزق الوحيد لنا الآن هو راتبه الذي نتقاضاه من الحكومة والذي يذهب جله في إيجار المنزل الذي يقدر بعشرة آلاف ريال ، نحن نعيش حياة صعبة ، أحيانا لا أجد قيمة شراء أنبوب غاز أو إحضار وايت ماء بل إنني أعجز في كثير من الأحيان عن توفير لقمة عيش رطبة أدخلها جوف هؤلاء الصغار لأطفئ بها لهيب جوع يحرق أحشائهم ..
فعلاً من يدخل منزل الحاجة خديجة يرى الفقر بعينيه ماثلاً أمامه في كل ما يحيط به، فالأطفال يظهر عليهم الجوع والحرمان وملابسهم رثة ومهترئة وكذلك حال كل شيء في المنزل ..
عندما سألنا الحاجة خديجة عن ابنها الأكبر الذي شاهدنا إحدى صوره معلقة في حائط الغرفة أخبرتنا أنه مسجون منذ ما يزيد عن ستة أشهر وأنها هي من قامت بإدخاله السجن لأنه عاق لوالديه وقاطع لصلاته لا يجلب لهم سوى المشاكل ولا يأتيهم من ورائه غير الهموم بحسب قولها..
غادرنا منزل الحاجة خديجة وكلنا ألم على حال هذه الأسرة التي أضحى جل اهتمامها في هذه الحياة منصب على التفكير في كيفية الحصول على كسرة خبز أو أنبوب غاز.
صعوبة الحياة وشح الأساسيات:
عندما خرجنا من منزل الحاجة خديجة استوقفتنا إحدى النساء اللاتي أرادت التحدث إلينا عن معاناتها وأسرتها علها تجد شيئاً من مرادها عند من يقرأ قصتها ويطلع على معاناتها.. اصطحبتنا المرأة إلى منزلها الذي بدا عليه الفقر الشديد وانعدمت فيه أبسط مقومات الحياة الأساسية وليست الثانوية حاله كحال بقية منازل الحي ، بدأت المرأة تحكي لنا قصتها وأسرتها الفقيرة قائلة: "نعيش في هذا البيت الصغير أنا وزوجي عبدالله محمد المهدلي وطفلينا بالإضافة إلى والدة زوجي المسنة وأختها الأكبر منها وابنة أختها نعيش جميعا في هذا المنزل الصغير لكن مع عدم القدرة على دفع قيمة إيجاره المرتفع ، فزوجي يعمل بمبالغ يومية زهيدة لا تكفي لشراء الاحتياجات الضرورية فضلا عن إمكانية الادخار لدفع إيجار المنزل ..
الشابة أم محمد المهدلي مازالت في مقتبل العمر لكن صعوبة الحياة وشح الأساسيات شقت طريقها بسهولة في وجهها النحيل ، ووجدت مرتعا لها في جسدها الهزيل، فمن يرى أم محمد يدرك جيدا أنها تعاني من ضعف شديد وهزال واضح نتيجة سوء التغذية والأمراض المتواصلة التي تشكو منها ، حيث تعاني من مرض حمى التيفوئيد منذ زمن كما أخبرتنا لكن زوجها الفقير لا يملك النقود لشراء الدواء لها، أيضاً خالة زوجها التي تعيش معهم تعاني من ضعف شديد في بصرها وتحتاج لإجراء عملية جراحية لإزالة المياه الزرقاء من كلتي عينيها لكن وضع الزوج وحالته لا تسمح له بتحمل تكاليف إجراء تلك العملية والآن أصبحت الخالة كالعمياء تماما نتيجة تفاقم حالتها وازديادها سوءا مع التأخر في إجراء العملية الجراحية لعينيها ..
قبل مغادرتنا منزل أسرة عبدالله المهدلي طلبت منا أم محمد أن نوصل معاناتها وأسرتها لكل الميسورين الذين يستطيعون مساعدتهم من خلال شراء علاج لها أو تحمل تكاليف إجراء عملية جراحية للخالة المسنة حتى يخففون من تلك المعاناة..
نتحمل الجوع ولكن ..؟!
أما زوجة علي المهدلي وهو الأخ الأصغر لعبد الله المهدلي فطلبت منا هي الأخرى مرافقتها إلى منزلها المجاور لمنزل عبد الله المهدلي لتطلعنا على وضع أسرتها ، عندما دخلنا إلى المنزل تفاجئنا من شكله وحجمه ..فالمنزل عبارة عن مدخل ضيق ومظلم وبجواره غرفة صغيرة فقط لا غير ، أما المطبخ ودورة المياه فلا وجود لهما سوى في أحد أركان مدخل المنزل الضيق .. وعن قيمة إيجاره تقول أم عدي :" نحن مستأجرون هذا المنزل بسبعة آلاف ريال لكننا لا نستطيع دفع هذا المبلغ الكبير شهريا ، نعجز عن توفير لقمة العيش فكيف لنا بتوفير إيجار المنزل ؟؟
واستمرت أم عدي في حديثها المحزن قائلة: "زوجي لا يعمل سوى في جمع علب المياه الصحية وبيعها لشراء احتياجاتنا لكن حتى جمع هذه العلب لا يتوفر له كل يوم لأن أغلب القاطنين في الحي يقومون بجمع تلك العلب وبالتالي تأتي أيام نبيت فيها بلياليها دون أن ندخل جوف أطفالنا الأربعة شيئاً، ومع ذلك نتحمل الجوع لكن من سيتحمل ويصبر علينا إذا تأخرنا في دفع قيمة إيجار المنزل ؟؟
وتابعت أم عدي في أسى: " تراكم الإيجار علينا حيث لم يسدده زوجي لمالكه منذ أكثر من أربعة أشهر والآن نحن مهددون بإخراجنا من المنزل إذا لم ندفع ما علينا من ديون لمالكه ..
معاناة العائل مع إيجار المنزل :
أكثر ما كان النساء في حي الخانق يشكين منه هي إيجارات المنازل وارتفاع أسعارها .. فبالإضافة لقصة عائلتي المهدلي، هناك العديد من القصص المماثلة التي يعيشها أغلب القاطنين في الحي ..فمع غياب أو ربما انعدام الوظيفة المناسبة لرب الأسرة نرى ارتفاع وازدياد جنوني في سعر إيجار المنازل على الرغم من افتقادها لأبسط المواصفات التي قد تؤهلها ليطلق عليها اسم منزل ، فلا اتساع فيها أو تهوية أو حتى إضاءة جيدة ،كما أن العديد من المنازل في الحي يصاب القاطنون فيها خاصة من النساء والأطفال بالأمراض المختلفة كحمى التيفوئيد والملاريا وغيرها من الأمراض ؛كما رأينا في حالة أم محمد المهدلي؛ وذلك بسبب طفح المجاري ومياه الصرف الصحي نتيجة عدم وجود غرف تفتيش في كل منزل كبقية المنازل الأخرى..!!
العلاقة إذا بين وظيفة العائل وإيجار المنزل أصبحت علاقة انعكاسية ، فلا تغيب الوظيفة وتنعدم إلا وترتفع قيمة إيجارات المنازل وتزداد , وبين هذه العلاقة يعلق رب الأسرة مع أسرته ليجد نفسه الضحية والمدان في الوقت ذاته .
ذهبنا إلى منزل شخص يدعى محمد الغادر قيل لنا بأنه توفي قبل حوالي عامين ولديه خمسة أطفال أكبرهم يبلغ أحد عشر عاما بينما لا يتجاوز عمر الأصغر السنتين.. أسرة الغادر تعيش في منزل صغير استأجرته بعشرة آلاف ريال ، وعلى الرغم من أن الأسرة محرومة من عائل يقوم على شؤونها ويدفع ذلك المبلغ عنها كل شهر إلا أنها تقول إنها مضطرة لاستئجاره لأنها عائلة كبيرة ولا يوجد مكان أخر تذهب إليه أو خيار ثاني تلجأ له ..
كذلك هناك منزل آخر يشد انتباه السائر بطريقة بنائه فهو مبني من قطع الصفيح وصفائح الحديد ، ومع ذلك أخبرنا قاطنوه أنهم يدفعون إيجارا لمالكه على الرغم من أنه يحوي غرفة يتيمة لاغير ..وهناك الكثير والكثير من قصص المعاناة التي تعانيها الأسر مع إيجار المنازل ومع سوء حال العائل التي لا يتسع المجال هنا لذكرها.
شجون وأحزان:
عندما كنا نسير في حي الخانق ونرى الفقر والبؤس بادياً في وجوه الجميع كنا نشعر بالأسى والحزن، فما ذنب الأب المسكين الذي يرى بؤس أطفاله وشقاء أسرته مع قلة حيلته وكثرة معاناته ومع تفاقم الوضع الاقتصادي المزري الذي زادت الأزمة الأخيرة المفتعلة من حدته ؟؟ ما ذنبه ليتجرع مر الألم ومرارة المعاناة ويتحمل وحده تبعات ذلك الوضع وتلك الأزمات التي ألقت بضلالها القاتمة على حياته وحاله؟؟
ما ذنب الأب الفقير الذي يجافيه النوم ليحتضنه الأرق والسهر بينما تتسابق الهموم وتتزاحم الكروب على عقله وتفكيره لتحرمه لذة الراحة وطعم السعادة والحياة الكريمة ؟؟
ما ذنب هؤلاء الأطفال الفقراء ليعيشوا جل حياتهم في بؤس وشقاء محرومين من أبسط متع الحياة ؟؟ بدل أن يجدوا مساحات واسعة من الخضرة والأشجار ليلعبوا بها مثل بقية الأطفال ، يجدوا مكانها مساحات ضيقة من النفايات والمخلفات ليبحثوا فيها عن كسرة خبز أو قطعة قماش أو ربما عن علب بلاستيكية قد يبيعونها ليشتروا بها ما يسدون به جوع أسر قابعة في بيوتها تنتظر ما قد تسوقه لها الأقدار على أيدي هؤلاء الأطفال الكادحين ؟؟
ما ذنب الأمهات وهن يتحرقن حزنا على فلذات أكبادهن وهم يبكون جوعا وبؤسا وحرمانا بينما لا يستطعن عمل شيء لهم سوى التألم في صمت ؟؟
إذا أراد السائر في حي الخانق أن يسرد شجونه وأحزانه على حال الناس هناك فلن يكفيه شيء لسردها لأن حجم شجونه وأحزانه مقرون بعدد من رآهم أو استمع إليهم وما أكثر ما رأينا وسمعنا من قصص البؤس وحكايات الشقاء..!!
قصة الأعمى:
محمد حازم الغرباني أعمى فقير لديه ستة أطفال بينما أخاهم السابع ينتظر خروجه إلى عالم الحرمان بعد أيام لينضم إلى بقية إخوته الكادحين ..
تقول أم عبد الرحمن الغرباني :" أصيب زوجي بالعمى قبل أربعة عشرة عاما ، فقد كان شابا متفوقا في دراسته وطموحا ، أكمل تعليمه الثانوي وكان يطمح للبدء في تلقي التعليم الجامعي ، لكن في فترة من الفترات بدأ محمد يشكو من ألم في عينيه ورأسه ، ذهب به والده إلى أحد المعالجين في القرية والذي قام بدوره بكيّه في أماكن متفرقة من عنقه ووجهه وحول عينيه كوسيلة ناجعة للعلاج الذي كان يتبع حينها ومازال في بعض القرى والأرياف ، بعد جلسات مستمرة من العلاج كانت النتيجة تمزق كامل للعروق والشرايين حول العينين بسبب الكي المتواصل بالنار ليصاب بعدها محمد مباشرة بالعمى!! بعد إصابته بدأ يعامل في الخدمة المدنية من أجل أن يصرف له راتب متقاعد نتيجة إعاقته وفعلا نزلت الوظيفة لكن المسئولين في الخدمة طلبوا منه دفع مبلغ ثلاثمائة وخمسين ألف ريال لأخذ الوظيفة التي نزلت باسمه ، وعندما عجز عن دفع ذلك المبلغ قام المسئولون في الخدمة ببيع تلك الوظيفة التي طالما كان يعامل من أجل الحصول عليها ودون أبسط مراعاة لظروفه الصعبة وحالته الاستثنائية ..!! والآن لا يوجد لدى محمد أي عمل يقوم به ..!!
سألنا أم عبد الرحمن عن كيفية حصول الأسرة على مصدر رزقها مع إعاقة عائلها وعدم قدرته على توفير احتياجاتها فأجابت: "نحن نعتمد في مأكلنا ومشربنا بعد الله تعالى على ما يحضره لنا جيراننا من طعام ،وأحيانا يقوم ولدي الأكبر عبد الرحمن الذي يبلغ من العمر خمسة عشر عاما بتجميع علب المياه وبيعها ليشتري لنا الخبز، أيضا يذهب هو وأخوه الأصغر لإحضار الماء من (البئر) كل يوم لأننا لا نستطيع إحضار وايت ماء ..
وفيما يخص دراسة أبنائها البنين والبنات قالت :" أبنائي الحمد لله يدرسون لكن ولدي الأكبر عبد الرحمن مدرسته بعيدة جدا حيث لا توجد مدرسة للثانوية في حينا وهو يذهب كل يوم إلى مدرسته سيرا على الأقدام تنهدت أم عبد الرحمن بأسى وتابعت :" نحن لا نملك قيمة حذاء لعبد الرحمن عندما يذهب إلى مدرسته فكيف لنا أن ندفع أجرة الباص اليومية ؟؟
محزنة تلك الكلمات لكن الأشد حزنا هو غياب الرحمة في قلوب الكثيرين خاصة ممن اختارهم الناس ليكونوا مسئولين عنهم ..!!
جراحات وحسرات :
أثناء تجوالنا في الجهة الأخرى من الحي استوقفتنا إحدى النساء المارات لنسألها عن الأسر الفقيرة في تلك الجهة من الحي فأخبرتنا عن وجود أسرة تعيش وضعاً صعباً في ظل غياب عائلها عنها ومرور الأبناء بحالات قاسية وظروف صعبة ، ذهبنا إلى منزل الأسرة والتقينا بالأم التي فضلت عدم ذكر اسمها أو اسم عائلتها وسألناها عن وضع الأسرة فقالت :" لدي عشرة من البنين والبنات ، ابني الأكبر أصيب بحالة نفسية شديدة بسبب التعذيب الذي تعرض له في زنزانته في أحد سجون السلطة عندما كان يعمل في الجيش.. أما ابني الثاني فقد أصيبت يده اليسرى بكسر نتيجة تعرضه لطلق ناري أثناء مشاركته في إحدى المسيرات المناهضة للنظام السابق .. أما أخوهم الثالث فقد أصيب هو الآخر بحروق مختلفة في جسده عندما انفجرت عليه أنبوبة الغاز في إحدى الخيم في ساحة التغيير..
والآن يجلس أبنائي الثلاثة في الساحة دون أي عمل يقومون به جراء الإصابات التي تعرضوا لها حيث يرفض أصحاب الأعمال توظيفهم لديهم بسبب تلك الإصابات باستثناء ولدي الأوسط حيث تم تجنيده في الفرقة الأولى ومن راتبه الذي يتقاضاه ندفع إيجار المنزل ونشتري الاحتياجات..
أثناء حديث هذه الأم المكلومة عن فلذات أكبادها الذين أصبحوا مقعدين عن العمل دونما ذنب اقترفوه سوى أن الزمن جار عليهم وكذلك البشر كانت نبرات الأسى والحزن بادية في صوتها وتنهدات ممزوجة بألم محرق وحسرة خانقة تطلق من أعماق صدرها لتكون أبلغ من كل الكلمات في وصف حزنها ومرارتها وألمها..
سألنا الأم عن بقية أبنائها فقالت :" أبنائي الأخرين مازالوا صغارا يدرسون في المرحلة الابتدائية ،أما والدهم فقد تركنا منذ زمن طويل عندما تزوج بأخرى وهو الآن يقيم معها في الريف بينما نحن هنا نتذوق الأمرين ونعاني كثيرا نتيجة غياب العائل وارتفاع أسعار المواد الغذائية وارتفاع إيجار المنزل..
براءة الطفولة وقسوة الحرمان:
أثناء سيرنا في الحي مررنا بجوار قطعة أرض كبيرة جدا قيل لنا أن أحد المحسنين الميسورين تبرع بها كوقف لأبناء الحي من أجل بناء مسجد ومدرسة ومنتزه ، حيث أعطى فاعل الخير قطعة الأرض لتقوم الحكومة بإنشاء المسجد والمنتزه والمدرسة لكن مرت سنوات طويلة دون حدوث شيء من ذلك وظل الوقف على حاله دون أي تغيير..لكن ما لفت انتباهنا أكثر هو مبنى صغير يقع في جوانب قطعة الأرض الموقوفة وعلمنا من الناس أن أسرة فقيرة تعيش في هذا المبنى بعد أن عانت كثيرا جراء عدم قدرتها على استئجار منزل إلى أن تم إعطائها هذا البناء الصغير لتبقى فيه إلى أن يتم إنشاء المسجد والمنتزه ..أيضا أخبرنا الناس أن تلك الأسرة المكونة من أب وأم وستة أطفال لديها طفل معاق وآخر لا يستطيع الكلام (أعجم) ذهبنا إلى المنزل لنرى هؤلاء الأطفال ونستمع إلى قصتهم .. عند دخولنا إلى المنزل استقبلنا هؤلاء الأطفال بحفاوة وسعادة وترحاب بينما ظلت طفلة صغيرة جالسة في أحد زوايا غرفة المنزل دون أن تشارك أخوتها في استقبالنا ، ذهبنا إليها لنسألها عن سر انعزالها وعزلتها لكنها لم تتحدث أو تجب علينا لتخبرنا أختها الصغرى عبير أنها عاجزة عن الحديث (عجماء) ، حزنا كثيرا على حال هذه الطفلة التي تدعى صابرين فصابرين طفلة ذكية جدا ولديها مواهب متعددة ، وكانت تتمنى أن تذهب إلى المدرسة مثل بقية أخوتها لتلقي العلم كما أخبرتنا بذلك أختها ، كذلك أرتنا عبير دفتر الرسم الخاص بالطفلة الجميلة صابرين والألواح الجذابة التي تقوم برسمها وكأنها بذلك تحاكي ألواحها ورسوماتها عندما تعجز عن الحديث مع أخوتها والناس من حولها..
أما أيمن وهو الأخ الأصغر لصابرين وعبير فيعاني هو الأخر من إعاقة في أحدى ساقية نتيجة لزيادة في طولها عن الأخرى وذلك ما دفع والدته إلى إخراجه من مدرسته الواقعة بعيدا عن المنزل والتي يتطلب الذهاب إليها مشقة وصعوبة بالغة تجهد أيمن وتتعبه كثيرا..
لم نستطع أن نتعرف على أي شيء فيما يخص حال الأسرة ووضع عائلها نتيجة غياب والدتهم عن المنزل حينها..وفي اليوم التالي عندما عدنا إلى الحي لالتقاط بعض الصور، دخلنا إلى مسجد الحي الخاص بالنساء وهناك رأينا أحداهن تبكي بألم.. سألنا إحدى النساء عن سر بكاء المرأة فقالت لنا أنها تبكي على حال أطفالها المرضى وبعدها علمنا أن تلك المرأة هي والدة صابرين.. ذهبنا إلى أم صابرين لنسألها عن سبب بكائها فقالت والدموع الحارة تنهمر بغزارة على خديها :" أخذت اليوم ولدي أيمن إلى المشفى لعمل فحص طبي لعينه.. وهناك قال الأطباء أن عينه بحاجة لإجراء ثلاث عمليات جراحية من أجل إزالة المياه البيضاء قبل أن تنتشر المياه فيها وإلا ستصاب عينه بالعمى مثل العين الأخرى..تفاجئنا من ذلك الكلام ، فعندما ذهبنا إلى منزل صابرين في اليوم السابق لم نلاحظ أن أيمن مصاب بالعمى في أحدى عينيه وانه لا يرى سوى بعين واحدة كما أن أخوته لم يخبرونا بذلك..لكن أكدت لنا أم أيمن ذلك وأضافت:"صابرين أيضا مصابة بضعف حاد في البصر في كلتا عينيها كذلك تعاني من ألم شديد في ظهرها نتيجة اختفاء أحدى الفقرات في عمودها الفقري ما يسبب لها آلام حادة ومستمرة.. وتابعت بألم :" أنا حزينة جدا على أطفالي..أنا لا أريد لأيمن أن يصبح أعمى فهو معاق وهناك أمل في إنقاذ عينه بإذن الله من خلال تلك العمليات قبل أن تصبح كأختها الأخرى.. أملنا بعد الله تعالى بمساعدة المحسنين له في إجراء تلك العمليات..وعن عمل زوجها قالت أم أيمن :" أقسم بلله أن زوجي لا يعمل سوى في جمع علب المياه الصحية فقط لا غير..
ودعنا أم صابرين وغادرنا المسجد لكن كلماتها المؤلمة ودموعها الحارة رفضت أن تودع تغادر ذاكرتنا وبقيت في مخيلتنا لتكون شاهد صدق على مآسي الخانق ..
حوار مع الشيخ :
في نهاية جولتنا في حي الخانق أردنا أن نختم هذه الجولة بحوار سريع مع عاقل حارة الخانق الشيخ شرف الزبيح لنتعرف منه أكثر عن وضع الحي خاصة من الناحية الخدمية.. سألناه في البداية عن مشاريع البنى التحتية من مياه وكهرباء وصرف صحي وعن مستوى تنفيذها من قبل الحكومة ..فقال الشيخ الزبيح :" الخدمات والمشاريع منعدمة كما ترون, فالكهرباء في الحي عشوائية حيث أن أبناء الحي هم من يقومون بتوصيلها إلى منازلهم عن خلال الأعمدة الموجودة في الشوارع الرئيسية وهذا الشيء يؤدي إلى حدوث التماسات وحرائق متعددة تودي بحياة الكثيرين من أبناء الحي..
وأضاف الشيخ :" لنا أكثر من أربعة أعوام ونحن نتلقى الوعود بإقامة مشاريع للكهرباء لكن دون الوفاء بتلك الوعود, أنا الآن عدت من المنطقة الثانية للكهرباء حيث كنت أعامل هناك من أجل صرف لوازم الكهرباء من أعمدة ومحولات وشبكات وغيرها لكن دون فائدة حيث قامت شركة الكهرباء وبعد دراسة طويلة بتحويل خمسة عشر عمودا مع توابعها إلى المخازن لنأخذها من هناك لكن عندما ذهبنا إلى المخازن لم نجد فيها سوى أربعة أعمدة فقط على أساس أن يتم صرف بقية الأعمدة لاحقا بالتقسيط لكن هذا التقسيط في تحويل الأعمدة يؤدي إلى خسارة كبيرة بالنسبة لنا لأننا نقوم بتحميل هذه الأعمدة على متن بوابير كبيرة من حسابنا الخاص يكلفنا الكثير بحيث لا نستطيع استئجار تلك الحافلات لأكثر من مرة لأن مبلغ أجرتها كبير لذلك طلبنا منهم أن يصرفوا لنا كل الأعمدة دفعة واحدة لكن ذلك لم يحدث ومازلنا ننتظر.. أما بالنسبة للمياه فلا يوجد مشروع للمياه حيث يتم شراء وايتات الماء لمن لديه القدرة على ذلك أو جلبها من الأبار أو المساجد القريبة لمن لا يستطيع شراء الوايتات، ونفس الشيء بالنسبة للمجاري والصرف الصحي بالإضافة إلى أن هذا الحي يقع في وادي المتنزه الخانق حيث تتجمع مياه السيول النازلة من الجبال المحيطة به عند مواسم الأمطار لتختنق في الوادي ومنه تدخل إلى جميع الحواري والمنازل الواقعة فيه مما يؤدي إلى غرق الكثير من المنازل وسقوط العديد من الضحايا جراء ذلك.. وتابع :" حي الخانق تنعدم فيه أبسط مقومات الحياة فتخيلوا أن هذا الحي على كبره لا يوجد فيه مستوصف أو مركز طبي و أحد ، فالمريض يتم نقله إلى المستشفيات العسكرية أو الحكومية على بعدها وغالبا ما يتوفى المريض لأنه في كثير من الأحيان لا يجد قيمة الذهاب إلى تلك المستشفيات للعلاج..أيضا لا يوجد زفلت في أي شارع من شوارع الحي وغير ذلك الكثير مما يدل على افتقاد الحي لأبسط الخدمات ..
وفي نهاية حديث الشيخ شرف الزبيح معنا طالب الشيخ حكومة الوفاق القيام بتشكيل لجنة وزارية من قبل رئاسة الوزراء ونزولها إلى الحي للإطلاع على وضعه وعمل تقرير شامل عن المشاريع والخدمات التي يفتقد إليها الحي من أجل البدء في تنفيذها على أرض الواقع في القريب العاجل..
مساعدة قد تنهي مأساة :
كثيرة هي المآسي والأحزان التي يعيشها أبناء الشعب اليمني ، فالفرد لم يعد يدري على من يبكي ولمن يتألم؟؟ يتألم لحال المعاق المظلوم أم لوضع الفقير المحروم ؟؟ يبكي لبكاء اليتيم الذي لم يعد يجد من يمسح عنه دمعته أم لبؤس المسن الذي فارقت الابتسامة شفته..؟؟
من يرى حي الخانق المليء بكل أشكال المآسي يدرك جيدا أن هذا الحي هو مجرد نموذج مصغر لواقع اليمن التي يضم في طياته تلك المآسي في كل شبر من أرضه وترابه ..
الأسر الفقيرة في الخانق محتاجة كثيرا للمساعدة ممن يستطيع تقديمها لهم سواء من الأفراد الميسورين أو من أصحاب الشركات والمصانع وكذلك من المنظمات والجمعيات الحكومية أو الخيرية كالقيام بتوظيف رب الأسرة الفقيرة كل بحسب مجاله وخبرته لمساعدته في توفير متطلبات أسرته أو بتقديم مساعدات عينية للأسر المحرومة من وجود عائل يقوم بشؤونها جراء الوفاة أو الطلاق أو السجن أو حتى مع وجود العائل لكن إصابته بنوع من الإعاقة أو الحالة النفسية بحيث تكون تلك المساعدات كمشاريع صغيرة توفر دخل يومي للأسرة يساعدها في مواجهة صعوبات الحياة ومشقتها, كشراء ماكنة خياطة لربة الأسرة أو دراجة نارية (موتور) لأحد الأبناء أو غير ذلك من المعونات التي تعين تلك الأسر في التخفيف من معاناتها ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.