يحمل فوز مرشح حزب الحرية والعدالة، الدكتور محمد مرسي، في الانتخابات الرئاسية المصرية العديد من الدلالات، والتي في مجملها تمثل إدانة لمختلف التيارات المعادية للإسلاميين سواء في مصر أو خارجها، ولعل أبرز هذه الدلالات، أنه أول رئيس عربي في التاريخ يصل إلى الرئاسة عن طريق صناديق الاقتراع وفي أول انتخابات حقيقية وتنافسية تشهدها المنطقة العربية، أي أنه يستمد شرعيته من الشعب، كما أنه أول رئيس في تاريخ مصر الحديث لا يرتدي البدلة العسكرية، وهذا يقودنا إلى دلالة أخرى، وهي أن حركة الإخوان المسلمين، ورغم أنها غالباً ما توصم من قبل مختلف التيارات المعادية لها بالعنف والإرهاب، لكن تاريخ هذه الحركة الممتد منذ أكثر من ثمانين عاماً، يؤكد أنها لم تقم طوال تاريخها بأي انقلاب عسكري من أجل الوصول إلى الحكم، كما فعلت التيارات المعادية لها، والتي تثير الخوف منها، وهاهو أول رئيس (إخواني) يصل إلى السلطة بفعل إرادة شعبية، وبعد ثورة شعبية نجحت في إسقاط واحد من أعتى الطغاة العرب. إذن، فوقائع التاريخ، الممتدة منذ انهيار الخلافة العثمانية، ثم ظهور الحركات الإسلامية والحركات القومية والتيارات العلمانية والليبرالية في العالم العربي، والبعض منها ارتبط ظهورها بحركات التحرر العربية، كل هذه الوقائع تؤكد أن حركة الإخوان المسلمين لم تكن إرهابية أو دموية كما يحاول أن يروج لذلك خصومها، فالإرهابيون والدمويون هم أولئك الذين تقاتلوا على السلطة، سواء كان ذلك في الأنظمة الملكية أم الجمهورية، وسواء كانت هذه الانقلابات عسكرية أم غيرها. ويمكن القول إن التيارات أو الأحزاب التي يجب أن يخاف منها المواطن العربي، هي تلك التيارات والأحزاب التي حكمت طوال الخمسين والستين السنة الماضية، والتي كممت الأفواه وقمعت المعارضين وملأت السجون وقتلت قادة التيارات المعارضة، ولاسيما التيارات الإسلامية، بل وارتكبت مجازر بشعة بحق الإسلاميين، ونهبت ثروات الشعوب، وتنازلت عن السيادة الوطنية، وارتهنت للغرب مستمدة بقاءها وشرعيتها منه. والمثير للجدل أن التخويف من الإسلاميين يأتي بناء على قناعات مسبقة، والمفترض أن تُمنح الحركات الإسلامية الفرصة في الحكم، ثم تُراقب طريقتها في حكم البلاد وإدارتها، وبالتالي تقييم تجربتها بالسلب أو الإيجاب. أما الحكم على الآخرين وسوء الظن بهم قبل أن يقدموا تجربتهم في الحكم، فإن هذا تجنٍ عليهم إن لم يكن إرهاباً نفسياً تمارسه هذه الجماعات أو التيارات، والتي ينطبق عليها المثل العربي القائل "رمتني بدائها وانسلت". كما تتعرض الحركات الإسلامية لإرهاب إعلامي، يهدف إلى التغطية على الجرائم التي ارتكبت ضد الإسلاميين وتبريرها، وتنامت وتيرة هذا الإرهاب في الفترة الأخيرة التي شهدت صعوداً كبيراً للإسلاميين بعد ثورات الربيع العربي، علماً أن البدايات الأولى للإرهاب الإعلامي ضد حركة الإخوان المسلمين بدأ في وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ مشاركة حركة الإخوان في الجهاد ضد الصهاينة في فلسطين، وانتقلت عدوى هذا الإرهاب إلى وسائل الإعلام الأمريكية بفعل ضغوط اللوبي الصهيوني هناك، ومنه انتشرت إلى بعض وسائل الإعلام الغربية، ثم سايرت وسائل الإعلام العربية الموالية للأنظمة المستبدة هذه الهجمات الإعلامية الشرسة ضد الإخوان، ليستمر ذلك حتى الوقت الحالي، رغم أن الإخوان في الكثير من البلدان كانوا ضحية الإرهاب الجسدي الذي مارسته الأنظمة القمعية ضدهم، ثم تتهمهم بالعنف والإرهاب، ومع ذلك يمارس ضدهم الإرهاب النفسي والإعلامي. إن فوز الدكتور محمد مرسي برئاسة مصر لم يأت من فراغ، ولكنه يمثل حصاداً لأربعة وثمانين عاماً من النضال هي عمر حركة الإخوان المسلمين منذ نشأتها عام 1928م، وطوال هذه الفترة، لم تفكر حركة الإخوان حتى بمجرد التفكير في أن تخطط لانقلاب عسكري من أجل الوصول إلى الحكم، ما يعني أن الحركة ذات توجه ديمقراطي بحت منذ نشأتها. أما ما حصل في الجزائر عام 1991م، فإن ذلك لا يعني أن الحركات الإسلامية تقاتل من أجل السلطة، ولكن الذي حدث هو أنه تم استدراج الحركة الإسلامية هناك من قبل النخب العلمانية والجيش إلى العنف بغير إرادتها، فقبلت هذه الحركة باللعبة السياسية الديمقراطية وشاركت في الانتخابات، ولكن الجيش والنخب العلمانية والقوى الدولية لم تقبل بنتيجة هذه الانتخابات التي جاءت لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ودفعت الجزائر إلى حالة صراع كارثية، هي أسوأ في نتائجها وآثارها بالتأكيد من الآثار المتوقعة لوصول الجبهة الإسلامية إلى الحكم، إذا كانت الجبهة بالفعل تخطط لتحولات جذرية في السياسة والمواقف، حيث قتل حينها أكثر من مائتي ألف مواطن جزائري، فهل لو ترك للحركة الإسلامية أن تقدم تجربتها في الحكم كان سيسقط هذا العدد من القتلى؟! ورغم أن فوز مرسي برئاسة مصر كان متوقعاً حتى قبل الجولة الأولى من الانتخابات، غير أن ما أكسب فوزه نكهة خاصة تلك الخطوات التي اتخذها فلول النظام السابق ومسانديهم من التيارات المعادية لحركة الإخوان بهدف إفشاله من أجل أن يفوز مرشح الفلول أحمد شفيق برئاسة مصر، وتتمثل هذه الخطوات في حل المجلس الشعب المنتخب من أجل دفع مرسي إلى الانسحاب من السباق الرئاسي، وبالتالي الاستفتاء الشعبي على رئاسة أحمد شفيق، لكن ذكاء قادة حزب الحرية والعدالة دفعهم إلى عدم سحب مرشح الحزب من السباق الانتخابي رغم الدعوات التي طالبتهم بذلك، وذلك لتفويت الفرصة التي يتمناها المجلس العسكري، الأمر الذي دفعه إلى الإقدام على خطوة انتقامية أخرى، وهي الإعلان عن ما أسماه "الإعلان الدستوري المكمل" الهادف إلى تجريد الرئيس المنتخب من صلاحياته. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل فقد كانت هناك خطوات جادة من قبل الفلول لتزوير الانتخابات، لكن تفاني شباب حزب الحرية والعدالة ورقابتهم الصارمة على الانتخابات، ومتابعة النتائج والإعلان عنها أولاً بأول، ونشر محاضر اللجان على الانترنت، كل ذلك أفشل خطة الفلول لتزوير الانتخابات، ويأتي في هذا الإطار تأخير الإعلان عن نتيجة الانتخابات، لكن الإرادة الشعبية ضد محاولات تزوير إرادة الشعب كانت تقف للفلول بالمرصاد. إن فوز محمد مرسي برئاسة مصر يمثل عهداً جديداً في تاريخ الدول العربية الحديثة، وذلك للمكانة العريقة التي تحتلها مصر في العالم العربي، وتأثير التطورات التي تشهدها على مختلف الأوضاع في المنطقة، ويعني ذلك أن ثورات الربيع نجحت في ما قامت من أجله، والجميع يترقب كيف سيكون هذا العهد الجديد، وما هي التطورات المحتملة مستقبلاً في المنطقة، وما مدى التغيير الذي سيحصل، وما نوعية هذا التغيير. وفي المجمل، يمكن القول إن عهد الاستبداد قد ولى، وأن العصمة اليوم بيد الشعوب التي ثارت ضد الظلم والطغيان.