استفتاء شعبي تدير دفته الأممالمتحدة وسط غيبوبة عربية هو ما سيحدد مصير جمهورية السودان العربية قريباً بعد أن علّق مصير جنوبها بين خياري الوحدة والإنفصال عن شمال البلاد، وهو، بلسان الغربيين، سيكون الحدث الأكثر أهمية في المنطقة منذ عقود، وبلسان الرئيس السوداني عمر البشير مجرد علم ب"وجود مؤامرة صهيونية عالمية تحاك ضد السودان، ومخطط تفتيتي يستهدف وحدته، ليطال بذلك عدداً من الدول العربية، وليس البلاد التي يرأسها فقط". السودان، هذا البلد الذي وطأته أقدام الإحتلال البريطاني عام 1896 مجذراً مفهوم الإنفصال بين طرفي البلاد الشمالي والجنوبي للوصول إلى العمق الإفريقي، هو نفسه الذي شهد في التاسع من كانون الثاني/ يناير عام 2005 اتفاقية "سلام" وقعتها الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" للحد من استفحال الظروف الأمنية في البلاد بعد حرب أهلية استمرت 21 عاماً في الجنوب مخلّفة نحو مليوني ضحية، وهو نفسه الذي يخوض اليوم معركة الغرب من داخل الوطن العربي، ليشكّل عبر محاولات القرصنة الصهيو أميركية على موارده وثرواته الطبيعية المتنوعة، لاسيما النفطية منها، موضع استنزاف وحدة الأمة العربية وكينونتها المعنوية والجغرافية. فالسودان يعد من أكبر الدول العربية والقارة الإفريقية من حيث مساحته الجغرافية التي تقدّر بمليون ميل مربع، أي ما يعادل حوالي 2% من مساحة اليابسة فوق الكرة الأرضية، وتكمن أهميته الإستراتيجية في كونه همزة وصل وجسر ناقل للثقافة والحضارة العربية والديانة الإسلامية إلى العمق الإفريقي الذي تسود فيه الوثنية، كما أنه يلامس بحدوده عدة دول عربية وإسلامية كمصر وليبيا، ويجاور عدة دول أفريقية كأثيوبيا وكينيا أوغندا. أما لجهة ثرواته الطبيعية، فالسودان يملك ما يعادل حوالي 45% من الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي، ويعتبر من أغنى الدول العربية والإفريقية بثروته الحيوانية، والأهم مما سبق، موارده النفطية التي تقدّر الإحصائيات احتياطها بحوالي مليار ومائتي مليون برميل معظمها من الجنوب والغرب، وخاصة بإقليم دارفور الذي يطفو على بحيرة من البترول، فضلاً عن امتلاكه أكبر محزون يورانيوم في العالم من النوع العالي النقاوة، وعن ثروته المعدنية الهائلة والمتنوعة من ذهب ونحاس وكروم، وغيرها. مصير جنوب السودان الذي قد تحدده نظرياً الأيام المقبلة، دون أن تُعرف خباياه وتكشف تداعياته في المقبل من الأعوام على السودان أولاً والمنطقة ثانياً، شكّل عنوان حديث أجرته "الانتقاد" مع السفير السوداني في لبنان إدريس يوسف الذي أكد أن مصير انفصال جنوب بلاده لا يزال رهن خيار المواطن الجنوبي الذي سوف يدلي بصوته في صناديق الاقتراع، لافتا إلى أن أية نتيجة ستسفر عن الاستفتاء، سواء كانت الوحدة أو الانفصال، ستكون محل رضا الحكومة السودانية وقبولها، آملاً أن يتم الاستفتاء بصورة سالمة وآمنة وفي أجواء حرة ونزيهة وشفافة.