بعد طول انتظار وتكرار إعلان العربية باللون الأحمر عن موعد بث مقابلة الرئيس صالح مع المذيعة منتهى الرمحي .. طل الرئيس من نافذة قناة العربية وقد وضع أمامه كوب زجاجي ملئ بالماء ويضع إحدى قدميه على الأخرى .. شعر رأسه يكسوه البياض وتعلو وجهه مسحة رمادية شاحبة وتكشف حجم الأرق واضطراب المزاج النفسي للرئيس .. الرئيس طوال المقابلة كان كثير الحركة و يلجأ إلى كأس الماء بصورة متكررة، يبلل جوفه، تعلو نبرة صوته تكلفاً في بعض الفترات، و هذا كله يحتاج إلى قراءة نفسية من مختص ولكن مع ذلك يستطيع المراقب العادي أن يدرك بحدسه حجم المأزق الذي وصل إليه الرئيس بعد أربعة اسابيع من مطالبة شعبه له بالرحيل الفوري . المقابلة جاءت بعد أيام مما سماه شباب الثورة (جمعة الرحيل) وسماه النظام (جمعة التسامح) وتسرب أنباء عن إتفاق وشيك يضمن إنتقال سلمي للسلطة جاءت المقابلة مع الرئيس كمحاولة لإظهار نفسه كرجل قوي وأنه مازال يمسك بزمام الأمور بعد انضمام اللواء / علي محسن وكبار القادة للشباب. وأن الحديث عن تسليم السلطة هو ضرب من الخيال .. إضافة إلى تقديم رسائل التهديد بمستقبل اليمن للداخل والخارج عبر قناة عالمية كالعربية لإدراكه أن قنوات نظامه فاقدة للمصداقية لا تلقى القبول و المشاهدة. لقد أشفقت على الجنرال علي صالح كثيراً وأنا أصغي لإجاباته وأراقب تحركاته، وأدعو من قلبي على الأيادي الإعلامية القريبة التي دفعته إلى حبل هذه المقابلة التي باعتقادي زادت من تعقيد حال الرئيس، وأثبتت للشعب أنه لم يبق بينه وبين تحقيق هدفه برحيل النظام سوى القليل. حالة من التيه خيمت على إجاباته وصورة من التشويش الذهني بادية .. فالقاموس السياسي خانه كثيراً فعاد لتكرار اسطواناته المشروخة (الاخوان المسلمين) (اللقاء المشترك ) (الحوثيون) (القاعدة) (الحراك) التي تحولت إلى جرس عال يتردد صداه في جوانب رأس الرئيس كنوع من الهذيان فأصبحت قيادات اللقاء المشترك الساعية للكرسي كوابيس وأشباح تطارده في مكتبه وتطل من عدسة الكاميرا وتختبئ خلف كرسي الحكم أو ربما تحت مخدته في غرفة نومه. لقد حاول الجنرال الرئيس أن يقدم للعالم هذه المقابلة رسالته التي أنفق عليها المليارات في ما سماه (جمعة التسامح) شعبي يحبني حد الجنون، ومستعد للموت من أجل بقاءه فالمحتشدين أمامه في الميدان السبعين جاءوا طواعية بلا مقابل ودون أمر من أحد أو حشد من تنظيم بحسب ما جاء في كلمته يوم الجمعة .. و بالتالي إذا المشترك يعتصم بعشرين ألف فهو قادر على الحشد بمليون و بالتالي فمن أنشق وقدم استقالته من المؤتمر أو الحكومة أو الجيش ما هم إلا أوراق الخريف الميتة أو الغدد السرطانية بحسب سكرتيره الصحفي (أحمد الصوفي) .. رغم محاولة تقديم هذه الرسالة إلا أن المقابلة أظهرت الرئيس محاصراً في زاوية ضيقة محدود الخيارات ذابت دائرة الثلج من حوله .. فالعناد و المكابرة في لغة الرئيس تقول ذلك (لا مقارنة بيني و بين علي محسن وأنا قادر على عزله، كما إن ما أدلي به كشف حجم هذا الحصار حتى المعلومات للسفراء المستقلون هم أربعة والجيش المنظم لثورة الشباب أعلن توبته .. المعتصمون الثوار لا يتجاوز عددهم عشرون ألف .. و الإخوان المسلمون لا يحبهم الشعب و يتخوف منهم حتى وصل إلى كبد الحقيقية التي يخشاها ويعيشها (اللقاء المشترك يقولون لي في اجتماع أنت تنحي ولا تتصل بأحد يريدون أن يغلقوا علي في غرفة بالمفتاح .. هذا هي الحقيقة التي نخشى مواجهتها حقيقة الشعور بالنبذ والإهمال التي قد تقوده إلى الانتحار السياسي والطبيعي والمجازفة بمستقبل الشعب اليمني والوطن لتفاديها ولذا هو سيعهد إلى حماقات في الأيام المقبلة التي تسبق سقوطه. لقد اختزلت المقابلة شخصية الرئيس ل 33 عاماً وكشفت معالم سياسته أن كان له سياسته إن كان له سياسة (أنا إذا تركت السلطة سأبقى رئيس للمؤتمر الشعبي و سأعمل لهم (محانب ومقالب) وهو صادق في هذه .. فالرئيس خلال فترات حكمه لم يكن سوى مشروع محانب وبرامج فتن، من صعده إلى الجنوب إضافة إلى محاولته بيان حقيقة تعامله مع شعبه فالقبائل والشباب مغرر بهم وأفراد عائلته موظفين لدى الدولة والحرب الأهلية قادمة وتشظي اليمن قادم .. كل هذا يقودنا إلى التأكيد إلى أن الجنرال سيسعى إلى زرع الفتن و المحانب وإحداث فراغ أمني لبث الرعب في نفوس اليمنيين حتى يحقق مقولة (ما لنا إلا علي) (نحن من قبلك عدم ومن بعدك ندم)، وأخيراً نقول دارة الدائرة وعجلة التعبير ستقود قطاره إلى نهايته وستدوس على كل من يقف في طريقها بما فيهم الجنرال.