لا يخفى على الجميع حجم الإساءات البالغة التي تلقاها الأستاذ محمد سالم باسندوة إبان رئاسته لحكومة الوفاق الوطني.. ولم تكن مجرد إساءات نقدية، وإنما تجاوزت ذلك لتصل إلى درجة العنف اللفظي والسخرية والاستهزاء والنيل من وطنيته وأدواره النضالية، بل بلغت حدّ نكران هويته اليمنية.. كل من كان يشعر ب(خرمة) السباب والشتائم أطلق لسانه تلقاء شخص باسندوة باعتباره الجدار القصير الذي يسهل القفز عليه؛ لأنه بلا قبيلة تحميه أو حزب يسنده.. بل إن الأحزاب السياسية توافقت ضد باسندوة أكثر من توافقها على الحلول السياسية.. فمثلاً حين كان يغضب الرئيس السابق صالح من الرئيس هادي أو أحزاب المشترك يشنّ هجوماً لاذعاً على شخص باسندوة.. وحين كان هادي يبحث عن مبررات لفشله وعجزه يرمي بدائه على باسندوة.. وحتى أحزاب اللقاء المشترك تعاملت مع باسندوة باعتباره كبش فداء يقدمونه وقت الحاجة والطلب!! وكان باسندوة يقابل كل ذلك بالمزيد من الحلم والصبر والتسامح.. وربما لأنه رجل نباتي (لا يأكل اللحم) فلم يكن يعرف الحقد والكراهية، وإذا ما غضب فسرعان ما يعود لهدوئه، بل ويبادر هو بالاتصال بالطرف الآخر والاعتذار له -إذا ما تطلب ذلك- وقطع دابر القطيعة بينه وبين الآخرين مهما كانت إساءاتهم ومكائدهم. ونظراً لأن الجميع مشتركون في الإساءة لباسندوة سواء بإساءات مباشرة أو بالسكوت عن تلك الإساءات.. فلعل الجميع قد أصيب ب(لعنة باسندوة) كما يبدو ذلك جلياً إثر مغادرته لرئاسة الحكومة؛ حيث كانت بداية انفراط عِقْد اليمن التي باتت بلا حكومة وبلا رئيس وبلا جيش وبلا مؤسسات وبلا أحزاب وطنية مسؤولة، وصولاً إلى الاحتراب الداخلي والحرب الخارجية على اليمن واليمنيين، ولم يعد ثمة مواطن بمنأى عن تداعيات هذه الحالة الكارثية، فكل بيت يمني لديه قتيل أو جريح أو معاق أو مختطف أو نازح في الداخل أو لاجئ في الخارج أو عاطل عن العمل أو جائع لا يجد قوت ساعته! فعلاً لقد خذلناك -يا باسندوة- وأنت تذرف الدموع من أجل هذا الوطن وهذا الشعب الذي لم يشعر بفداحة خذلانه لك إلا بعد فوات الأوان.. خذلناك رئيساً لحكومة متشاكسة واستطعت أن تجعلها حكومة وفاق وكانت آخر حكومة وفاق.. خذلناك وأنت تسعى للمحافظة على بلد كان على جرفٍ هار من الانهيار الشامل.. وأنت تكابد من أجل استقرار سعر العملة المحلية وتعديل اتفاقية الغاز المسال، واعتماد مائة ألف وظيفة جديدة، وإقرار العمل بنظام البصمة في الجيش والأمن.. خذلناك حين كنت تحثّ الخطى لتصويب الأخطاء وتوحيد الخطوات والمصابرة على خطايا الرئاسة والقوى السياسية.. خذلناك حين كنت تتموضع في الخطوط الأمامية لجبهات النضال الوطني وتتصدر واجهة المشهد السياسي والثوري في البلاد.. حين كنت صامداً في وجه العواصف والأنواء دون سندٍ حزبي أو قبلي.. حين نأيت بنفسك وبأقربائك عن حفلات التقاسم والمحاصصة.. لقد خذلك الحلفاء قبل الخصوم، وكنت محارباً جلداً في معركة غير عادلة.. نعترف الآن بأنك كنت صمام أمان لبقايا دولة وحكومة وقوى سياسية متشاكسة وغير جديرة حتى بإدارة ذاتها، فضلاً عن إدارة دولة.. نعترف الآن وقد هدموا المعبد فوق رؤوس الجميع.. وولجت البلاد في أنفاق الهرج والمرج! نعرف جيداً بأنك لم تكن حريصاً على منصب رئيس الوزراء سواء قبل تولّيك أو أثناء تسنّمك إياه، وقد أفصحت عن ذلك في أكثر من مناسبة ومنها رسالتك لأحزاب اللقاء المشترك والتي أبديت فيها استعدادك للتخلي عن المنصب وتقديم استقالتك إذا كان ذلك سيساهم في معالجة أزمات البلد.. كنت حريصاً على الوطن أكثر من حرصك على نفسك وعائلتك. الآن أدركنا بأن إسقاط حكومتك كان تقويضاً تاماً لآخر وأهم دعائم وصروح الشرعية وأبرز معالم التوافق السياسي. اليوم فقط عرفنا بأنك كنت تشغل حيزاً كبيراً من فراغات الساسة وكنت ساتراً لعيوبهم وعجزهم وفشلهم في اختيار حكومة جديدة، فضلاً عن رئيس جديد!! لقد خسرناك سياسياً متّزناً ومتوازناً وكنت تمثل قاسماً مشتركاً بين الجميع.. متحرراً من القيود الحزبية والجغرافية.. رقماً يقبل القسمة على غيره دون إقصاء أو تهميش.. لقد تجلّت نزاهتك اليوم للجميع بما فيهم خصومك الألدّاء، كما ولم تعد وطنيتك اليوم محل خلاف أو نقاش.. لم نعد نعاني من سوء الرؤية والرأي.. لقد بات الواقع اليوم أصدق منا لساناً وأفصح بياناً. قطعاً سيكتب التاريخ بأنك أول رئيس وزراء يتخلّى طواعية عن حقوقه المادية من علاوات ونثريات وسيارات ومسكن وتذاكر سفر، وأول رئيس وزراء يرفض أُعطيات الرئيس العيدية والهدايا الخاصة من القطاع الخاص!! وأول رئيس وزراء يعلن استعداه للمثول أمام النائب العام ورئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا لمكافحة الفساد" بل وأول رئيس وزراء يغادر منصبه نظيفاً نزيهاً لا يحمل سوى كشف بأسماء الدائنين!