بعد منتصف ليلة أمس ومع تباشير صباح يومنا الأحد تم إطلاق ستة من الزملاء الدكاترة في جامعة صنعاء، بعد اعتقال مهين لهم دام عدة أيام، حيث تقطع الأمن لهم في إحدى نقاط محافظة صنعاء وهم في طريقم إلى عدن لاستلام مرتباتهم، بعد أن تم قطع مرتبات الموظفين التابعين لحكومة صنعاء منذ ما يقارب العامين، اللهم إلا من أنصاف مرتبات يتم صرفها على فترات متباعدة قد تصل إلى خمسة أشهر بين النصف والآخر. وقد تم خلال فترة الاعتقال حبس الدكاترة الزملاء في إحدى الإصلاحيات، حيث تم التحقيق المهين معهم هناك، وتم التعامل معهم بصفتهم مجرمين، ثم تم نقلهم إلى مقر الأمن السياسي لاستكمال التحقيق معهم قبل أن يتم الإفراج عنهم. وإلى الآن لا نعلم ماهي التعهدات التي طلب منهم التوقيع عليها، ولا ماهي الضمانات التي طلب منهم إحضارها، لكننا نعلم بأن أحد الزملاء الذي كان معتقلا معهم وتم الإفراج عنه بشكل فردي قبل الإفراج عن بقية الزملاء أنهم قد طلبوا منه ضمانه حضورية، واشترطوا عليه عدم مغادرة العاصمة صنعاء، وكأنه قد أصبح تحت الإقامة الجبرية. اعتقال مجموعة من الدكاترة والزج المهين بهم في السجن دون أدنى اعتبار لأعمارهم ولا لمكانتهم العلمية ولا حتى للأمراض التي يعاني منها بعضهم، وبتهمة غريبة عجيبة هي استلام المرتب، يكشف لنا بأن إيقاف حكومة صنعاء لمرتبات موظفيها يعد عملا ممنهجا وله أهداف غير معلنه، ولا يعود السبب لعجز ميزانيتهم عن دفع المرتبات حسب قولهم. فلو كان سبب قطع المرتبات يتمثل بعجز الميزانية فالشيء الطبيعي انهم سيرحبون بما يقدم عليه البعض من استلام مرتباتهم من عدن لكونه يخفف عنهم عبء المعاناة، أو على الأقل لن يعارضوا مثل هذا الاتجاه.. ذلك ما يقول به العقل والمنطق. أما أن يذهبوا لتجريم عملية استلام المرتبات من عدن، والتعامل مع من يفعل ذلك باعتبارهم خونة وعملاء، والزج بهم في غياهب السجون، وإخضاعهم لتحقيقات مهينة ومذلة، فذلك يوحي بأن ذهاب بعض الموظفين التابعين لحكومتهم من أجل استلام مرتباتهم من عدن قد أفسد عليهم الأهداف التي من أجلها قطعوا مرتبات موظفيهم، وهو ما جعلهم يتصرفون بطريقة هستيرية يصعب تبريرها مع دكاترة الجامعة الذين قبضوا عليهم متلبسين بالجرم المشهود (والجريمة كانت النية لاستلام المرتب)! ونترك للقارئ النبيه التنبؤ بتلك الأهداف المرتبطة بقطع المرتبات، خصوصا إذا علمنا بأن الموظفين المقربين من تلك الحكومة يستلمون مستحقات مالية تفوق مرتباتهم وبشكل منتظم ، وطبعا يتم الاستلام بمسميات مختلفة ليس منها المرتب، وصار الجميع يعرف ذلك، بمعنى أنه لا يتأثر من عملية قطع المرتبات إلا الموظفين غير المحسوبين على تلك الحكومة. والغريب أن حكومة عدن تكاد تتماهى مع حكومة صنعاء بالتضييق على الموظفين وعدم تسليمهم مرتباتهم، فهي قد صممت على عدم صرف أي مرتبات إلا لمن تسميهم بالنازحين، وتشترط صرف مرتبات أولئك (النازحين) من عدن فقط، وتمنع استلامها من أي مكان آخر، ويتفاجأ من تمكنوا من المعاملة على مرتباتهم واستلامها بتلك الطريقة بإجراءات مشددة وتعقيدية في كل مرة تضيفها حكومة عدن عليهم، ليتسنى لها تنزيل مرتبات جزء ممن صاروا يستلمون مرتباتهم بتلك الطريقة، وكلما أسقطت مجموعة من كشف المرتبات تتعامل مع الأمر وكأنه إنجاز عظيم لها. وهو ما يولد لدينا سؤال مريب عن سر هذا التوافق العجيب بين حكومتي صنعاءوعدن على التضييق المشترك تجاه الموظفين التابعين لحكومة صنعاء الذين تمكنوا من استلام مرتباتهم من حكومة عدن تحت مسمى (نازحين) رغم العداء المستحكم بين الحكومتين! ويقول البعض بأن التشديد على الموظفين وعرقلة عملية استلام مرتباتهم يكاد يتم بتنسيق غير معلن بين الحكومتين، أو ربما يتم التنسيق عبر لوبي خفي يعمل بشكل مشترك يتبع واحدة من الحكومتين ولا تعلم به الأخرى، وله أذرعه الخاصة هنا وهناك، بينما يرى البعض بأن الأمر قد يدل على غباء بعض الموظفين في حكومة عدن أكثر من دلالته على تنسيق مع حكومة صنعاء. ولعله من المناسب هنا أن نذكر الدكتور بن دغر بتوجيهه السابق الذي لم ينفذ حتى الآن، الذي كان قد أصدره خلال العام 2017 وقضى بإدراج جميع الجامعات اليمنية بما فيها الواقعة تحت سيطرة حكومة صنعاء في ميزانية 2018 والبدء بتسليم مرتبات منتسبيها ابتداء من شهر يناير المنصرم. لكن من الواضح أن هناك أياد خفية تدخلت لعرقلة تنفيذ ذلك التوجيه ومنعت تنفيذه حتى الآن، رغم أن حكومة عدن صارت تصرف المرتبات لأكثر من جهة تابعة لحكومة صنعاء مثل القضاء والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، حيث أصبح أولئك يستلمون مرتباتهم الشهرية بشكل رسمي ومستمر من صنعاء عبر مصرف الكريمي. وهو ما يولد لدينا عدة أسئلة تطرح نفسها وسنختم بها المقال: ماهي الأهداف التي تتوخاها حكومة صنعاء جراء قطع المرتبات؟ ولماذا تتماهى معها حكومة عدن بخصوص هذا الموضوع؟ ولماذا تكاد الحكومتين تتفقان على إذلال وتحقير أساتذة الجامعات؟ وما أهدافهما غير المعلنة من وراء كل ذلك؟ ترى هل سنجد إجابات واضحة وشافية لهذه الأسئلة وللأوضاع المريبة التي أشرنا إليها في المقال؟ أم كالعادة سيضع الجميع أذن من طين وأذن من عجين؟ أما إنكار ما تم طرحه فلن يصدقه أحد، فالشواهد الدالة عليه صارت أكثر من واضحة، ولا تحتاج لذكاء خارق من أجل إدراكها.