قرر تلفزيون "بي بي سي" بصورة مفاجئة التراجع عن بث فيلم وثائقي يتناول قضية إغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري بعد تصاعد حدة التوتر بالإرتباط مع قرب صدور قرار ظني عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الذي من المتوقع أنّ يتهم عناصر في حزب الله بالضلوع في قتل الحريري. كان من المقرر أن تبث قناة "بي بي سي وورلد" الحلقات الثلاث الاولى من فيلم وثائقي عنوانه "جريمة قتل في بيروت"، يتناول قضية إغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، يوم السبت المقبل ولكن المنتج أُبلغ يوم الثلاثاء بتأجيل موعد البث. وقالت ادارة تلفزيون "بي بي سي" أن الوثائقي لم يلتزم بمعايير التحرير التي تعتمدها المحطة، وان موعدا جديدا حُدد لبثه. ولكن صحيفة الأخبار اللبنانية قالت في مقال نشرته على صفحتها الأولى يوم الاثنين ان الهدف من الفيلم هو توجيه اصبع الاتهام الى حزب الله حيث يتضمن الوثائقي في احد مشاهده بعض التفاصيل عن رجل يوصف بأنه عضو سابق في وحدة العمليات الخارجية التابعة للحزب. وبُثت مقاطع من الفيلم يوم الاربعاء على قناة "الجديد". ونشرت صحيفة الأخبار معطيات الفيلم حيث يبدأ بإعادة تمثيل آخر لحظات عاشها الحريري قبل الانفجار، مع عرض لدوره في الشرق الأوسط، ومساعيه لوقف الحرب الأهلية وإعادة إعمار بيروت. ويُستضاف مروان حمادة، وليد جنبلاط، سعد الحريري، فارس بويز (وهو من أواخر الأشخاص الذين صافحهم الحريري)، ودايفيد ساترفيلد، السفير الأميركي الأسبق في لبنان. ثم يجري عرض لمراحل التحقيق اللبناني، فيُستخلَص كلام من اللواء أشرف ريفي عن "أخطاء ارتُكبت من خلال العبث في مسرح الجريمة"، ثم ينتقل الفيلم إلى عمل لجنة التحقيق الدولية برئاسة ديتليف ميليس، حيث تُستعاد التقارير وكاميرا البنك البريطاني وسيارة الميتسوبيشي المحمّلة بالمتفجرات والقول إنّ السائق الانتحاري كان متوقّفاً خارج الفندق بانتظار الموكب، ثم يلي ذلك عرض لمشاهد تمثيلية لكيفية وضع "شريط أبو عدس" على الشجرة والاتصال بقناة "الجزيرة" والقول إنّ أحمد أبو عدس اختفى قبل شهر من اغتيال الحريري، وإنّ تسريب الشريط هدفه التضليل. وتجري الاستعانة مرةً جديدة باللواء ريفي، الذي يقول إنّه لم يُعثر على أيّ دليل بواسطة ال"دي. أن. آي" يربط أبو عدس بمسرح الجريمة. ويشير الفيلم، بحسب روايته، إلى اتهام سوريا "التي كانت تحتل معظم الأراضي اللبنانية لمدة 30 عاماً، ولا يمكن أيّ زعيم لبناني التحرّك دون موافقة دمشق، لكن رفيق الحريري كان ملتزماً ومصمّماً على سيادة لبنان، ما جعله على خلاف حاد مع بشار الأسد"، مع تعقيب لنائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام جاء فيه: "بشّار يعتقد أن لا أحد يستطيع أن يقف في وجهه أو يخالفه". ويتحدث خدّام عن مرحلة التمديد للرئيس إميل لحود قائلاً: "دخلتُ على بشار وكان مضطرباً ومتوتراً وقلقاً، قال لي "كان الحريري عندي وهو يلعب، يعتقد أن باستطاعته الإتيان برئيس للجمهورية، قلت له أنا الذي آتي بالرئيس، ومن يفكّر في الخروج عن سياستنا فسنطحنه طحناً"، معنى هذا الكلام أنه سيطحنه، "أي إن المتآمر عقوبته الموت". وينتقل الفيلم إلى تقرير "دير شبيغل" ليبدأ حكاية اتهام حزب الله. وفي أحد المشاهد، تظهر وثيقة بالإنكليزية لثوانٍ معدودة. لكن بمجرد إيقاف الصورة، يمكن قراءة محتوى الوثيقة وهي بعنوان "لبنان/ حزب الله يقف خلف اغتيال الحريري". وكانت حدة التوتر تصاعدت بشدة في لبنان خلال الأسابيع الأخيرة وسط توقعات بأن المحكمة الدولية التي تحقق في اغتيال الحريري ستصدر عما قريب قرارات اتهام في القضية. وحذر الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من "قطع اليد" التي تحاول القاء القبض على اعضاء في الحزب. ودأب حزب الله على اتهام المحكمة بخدمة مصالح اميركا واسرائيل. من جهة أخرى أكد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أنه ونصر الله والقادة اللبنانيين الآخرين لن يسمحوا ب"انفجار" لبنان بسبب هذه القضية. وأنجزت مسلسل "جريمة قتل في بيروت" شركة "أو آر تي في"، البريطانية السعودية وأُنتج في البداية بتكليف من قناة "العربية" التلفزيونية الفضائية السعودية. وأصبحت النسخة الأولى جاهزة في الصيف ولكنها لم تُبث نظراً للمساعي التي كانت السعودية تبذلها من اجل تحسين العلاقات مع سوريا. ثم طلبت قناة "بي بي سي وورلد" إعادة تحرير العمل وإنتاج نسخة جديدة. ويتضمن المسلسل مقابلات مع صانعي قرار في بيروتودمشق وواشنطن وباريس وعدوا برواية "القصة المثيرة لرهانات الصراع في الشرق الأوسط من الداخل". ولم يتلق تلفزيون "بي بي سي" أي تحذير محدد من تصوير المسلسل ولكن مصادر في التلفزيون تعترف بأن هناك قلقا من تأثير الفيلم في الأجواء المشحونة حاليا. وقال الخبير اللبناني في مؤسسة تشاتهام هاوس للأبحاث في لندن نديم شهادي إن "هناك أجواء ترهيب في بيروت قد تكون حملة مقصودة للضغط على المحكمة. فالأمر يبدو وكأنه استراتيجية اتصالات عامة". وكشف المنتج كريستوفر متشيل في حديث لصحيفة الغارديان إرجاء بث المسلسل. ولكنه أضاف "ان تلفزيون بي بي سي أكد لي أن المسلسل لم يُلغ". وتابع متشيل قائلا "ان القصص التي تتناول الشرق الأوسط... قصص شديدة الحساسية وتمر بفترة مديدة من التدقيق في الحقائق والموافقات". وأعرب عن أمله ببث المسلسل "في المستقبل القريب". وقال المنتج إن مسلسل "جريمة قتل في بيروت" يعالج موضوعاً صعباً وان جميع العاملين في انتاجه حرصوا على ان يكون متوازنا ودقيقا قدر الامكان. وقال "اننا بالطبع نشعر بخيبة أمل بالغة لتأخير البث". ناطقة باسم تلفزيون بي بي سي قالت إن جميع البرامج التي تبثها قناة بي بي سي وورلد "يجب ان تلتزم بمعايير التحرير المعتمدة في ال "بي بي سي"... وان عملية الالتزام تتطلب في بعض الأحيان مزيدا من الوقت لاستكمالها. وهذه هذه السلسلة من البرامج تندرج ضمن هذه الفئة". في غضون ذلك توقع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غابي آشكنازي هذا الاسبوع أن يؤدي صدور قرار ظني يتهم أعضاء في حزب الله إلى إنقلاب في لبنان.