مع دخول مؤتمر الحوار الوطني الشامل في اليمن شهره الثاني، ظهرت بوادر مواجهة عنيفة بين القوى المدنية والجماعات الاسلامية حول بنية الدولة وموقع الشريعة في هذا البناء الجديد مع الجدل حيال تعديل المادة الثالثة من الدستور ليفتح بذلك جبهة جديدة للمواجهة الى جانب ملف القضية الجنوبية الذي يعد مفتاح بقية القضايا. وبعد طرح الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري رؤيتيهما لكيفية بناء الدولة وموقع الشريعة في الدستور الجديد ودعوتهما لتبني خيار الدولة الفيدرالية ظهر تجمع الاصلاح، الى جانب الجماعات السلفية في موقف رافض لفكرتي: الدولة الفيدرالية وتعديل صياغة المادة الثالث من الدستور التي تنص على ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع. وشدّد الحزب الاشتراكي، الذي تعرض للنقد من قبل الناشطين اليساريين المطالبين بدولة علمانية، في رؤيته على أنّ «اليمن دولة عربية إسلامية... وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ منها، والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلامية. والإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية»، لكنه اقترح تعديل نص المادة الثالثة من الدستور لتصبح «الشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات». تباين ومع تبني «الاشتراكي» خيار الدولة الاتحادية متعددة الاقاليم، من دون ان يشير الى وضع الجنوب هل سيظل اقليما واحدا ام عدة اقاليم، تحدّث في رؤيته على ان نظام الحكم في الجمهورية اليمنية هو نظام جمهوري ديمقراطي برلماني يقوم على أساس اللاَّمركزية والنظام السياسي يقوم على التعددية السياسية والحزبية. أما التنظيم الناصري، الذي قدّم رؤية قريبة من رؤية الحزب الاشتراكي، فأكد على أن من الأهداف الرئيسية للدولة اليمنية هو السعي لتحقيق الوحدة العربية الشاملة. وقال أن «الشريعة الإسلامية هي مصدر القوانين جميعاً». لكن هذه المواقف كانت هدفا لغضب الجماعات الدينية التي اعتبرت هذه المقترحات محاولة لعلمنة الدولة و«تراجعاً عن الانتصارات» التي حققتها الحركات الاسلامية في الدستور القائم اليوم.. وفي هذا السياق، شدّد حزب التجمع اليمني للاصلاح، الذي يعارض الفيدرالية وفكرة الحكم المحلي واسع الصلاحيات، في رؤيته على أنّ «الهوية الاسلامية للدولة واعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً لتشريعاتها لا يتعارض البتة مع تأسيس دولة مدنية ديمقراطية عادلة ورشيدة، لأن الدولة الإسلامية - من خلال واقعها التاريخي والفقهي لم تكن إلا دولة مدنية، ولا تمت بصلة للدولة الدينية الكهنوتية حسبما قد يظن البعض بحسن نية أو بسوء نية»، وفق تعبيره. واضاف تجمع الإصلاح أن «وجود المادة 3 في الدستور (التي تنص على ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع) لم يشكل عائقا تشريعيا تجاه معالجة مختلف القضايا المعاصرة لأنّ الشريعة الإسلامية فتحت باب الاجتهاد على مصراعيه في القضايا التي ليس فيها نصوص من الكتاب والسنة». وزاد فقال إن استمداد النظام القانوني من الإسلام «تجذّر في المجتمع واستقر في وجدانه.. وسيوفر الظروف الأكثر ملاءمة لتحقيق مبدأ سيادة القانون». حملة لنصرة الشريعة وفي ظل هذا السجال، دشّن عدد من الدعاة الذين يرتبطون بصلة وثيقة بمالك جامعة الايمان عبد المجيد الزنداني حملة ل «نصرة الشريعة». بدأت الحملة في مدينة الحديدة من خلال تجمع لخطباء وائمة المساجد بهدف مقاومة اي مسعى لمؤتمر الحوار لبناء دولة مدنية. وفي ذات الإطار، التقت مجموعة اخرى من الدعاة في محافظة اب واعتبر أعضاؤها الحديث عن الحكم الرشيد دعوة ل «عملنة» الدولة، ووصل بهم الرفض حد التهديد بالقتال «اذا ما اقر مؤتمر الحوار اقامة دولة مدنية» وقالوا انهم سيفعلون ذلك »انتصارا لدين الله». ومبررات هؤلاء هي وجود مجتمع قبلي الجماعات الاسلامية على تحالف وثيق مع زعماء القبائل وتضمن ولاءهم عبر تحالف يمتد الى ستينات القرن الماضي، اضافة الى ارتفاع معدلات الامية والتي تصل الى نسبة 60في المئة من السكان وهذا امر يسهل للخطاب الاسلامي التأثير على الناخبين، إلى جانب القدرات المالية الضخمة للجماعات الاسلامية في مقابل العوز الشديد الذي تعيشه الاحزاب والجماعات المدنية. ويرى الناشطون المدنيون ان اقامة نظام رئاسي سيكون اكثر عدلاً لأنّ أي شخص يصل إلى هذا الموقع لايمكن ان يبقى فيه اكثر من دورتين انتخابيتين، كما ان هذا الموقع لن يرتبط بقوة حزب او جماعة بقدر ما سيرتبط بشخص المرشح وانه في حال وجد رئيس من خارج حزب الاغلبية في البرلمان فان ذلك سيؤدي الى خلق توازن بين السلطات يجعل القوى السياسية بمختلف توجهاتها قادرة على الحركة. موقف حزب المؤتمر الشعبي العام، حزب الرئيس السابق، قال انه يدرس كافة الأنظمة، بمافيها النظام البرلماني وحكومات محلية، واشترط توزيع القوة الدستورية والإدارية والمالية بين منصبي رئيس الدولة الذي يجب أن يستمر كرمز سيادي للدولة، ورئيس الحكومة المركزية باعتباره المسؤول التنفيذي الأول، وبين المركز والحكومات المحلية.