استطلاع/ رشيد الحداد تعيش الإدارات الحكومية من الداخل في حالة تأزم وصراع يتجاوز حدود الممكن ليس من أجل المصلحة العامة وإنما من أجل المصالح الخاصة التي أعاقت مسيرة الإصلاحات الإدارية وأصابت الجهاز الإداري للدولة بالشلل شبه التام، فبددت الإمكانيات البشرية والمادية في سبيل البقاء للأقوى وجندت القبيلة والمحسوبية لحسم الصراع وسياسة التوازنات، وأتاحت تفشي الفساد الإداري والمالي واستباحت حقوق آلاف العاملين في ذلك الجهاز الذي بات أشبه بملكيات خاصة يديره إقطاعيون يسلبون الحقوق وينتهكونها بقوة القانون في ظل غياب قضاء إداري متخصص ومستقل يبت في قضايا عشوائية وارتجالية القيادات الإدارية المتسلطة والمستبدة.. إلى الفقرات: تتجلى المظاهر الإدارية الشاذة في القطاعين العام والخاص بوضوح من حقبة لأخرى كمتغير تابع لأساليب الإدارة العامة المتبعة في تسيير أمور الوزارات والمصالح والمؤسسات والهيئات الحكومية وكذلك مؤسسات وشركات القطاع الخاص، فثقافة الإقطاع تسود القطاعين وفق مؤشرات قياس أخلاقيات الإدارة، فالوضع الراهن في أروقة تلك المؤسسات الحكومية والخاصة تسوده مظاهر التسيب والإهمال من جانب وحالة صراع مراكز القوى الإدارية وقوى الفساد التي انعكست سلبا على أداء تلك المؤسسات الخدمية منها والتنموية في كلا القطاعين، ففي القطاع العام يمر صراع المهام والاختصاصات بدورات حياة بين عدد من الوزارات خصوصا فيما يتعلق بالجوانب الإيرادية، وصراع المركزية واللامركزية الإدارية كمكاتب الوزارات والسلطات المحلية وصراع السلطات المحلية البينية حول النطاق الجغرافي كما هو حال الصراع اللامحدود بين سلطات الإدارة المحلية والمكاتب التنفيذية في معظم محافظات ومديريات الجمهورية، فعلى مدى العقد الماضي تصاعدت القضايا ذات الطابع الإداري، منها ما أحدثت تفاعلات مضادة وانتقلت إلى مجلس الوزراء وأخرى انحسرت خلافاتها وظلت سببا للفوضى الإدارية وفي ظل تعدد المتغيرات برز فشل قرارات الحكومة في البت في العديد من القضايا الإدارية محل الخلاف كتبعية صحة البيئة لوزارة الصحة الجهة المختصة في الحفاظ على صحة المجتمع ووقايته من المخاطر ذات الطابع البيئي وبين وزارة الأشغال العامة التي تقمصت مهام صحة البيئة رغم بعد الجانب الصحي عن تخصصها الأصيل ودخول الوزارتين في حالة صراع لم ينته بقرار مجلس الوزراء القاضي بضم صحة البيئة إلى وزارة الصحة إلا أن النافذين أوقفوا القرار عام 2007م ولم ير النور، أما مصير الصحة المدرسية فلا زال هو الآخر مثار خلاف إداري بين وزارتي الصحة والتربية فالوزارتان معا تدعيان أحقيتهما في صحة 6 ملايين طالب وطالبة، ذلك الخلاف ظهر عام 91م واختفى حتى عام 99م وأعاد ظهوره وباء انفلونزا الخنازير ليختفي باختفائها. لوائح شكلية بقدر ما يدفع آلاف الغلابا ثمن تلك الخلافات يتعايش معها أخطبوط الفساد الإداري والمالي وينمو بنموها، فأكثر من منحة مالية سحبت بسبب التنازع الإداري بين أكثر من وزارة كما حدث قبل عامين حين سحبت منحة مالية تتجاوز مليونا ونصف مليون دولار قدمتها حكومة الكويت لإنشاء كلية المجتمع في سقطرى، فدار حولها نزاع بين وزارتي التعليم العالي والتعليم الفني، إلا أن المنحة أعيدت مرة أخرى، كل الصراعات الإدارية المستقلة أو التابعة أو الوسيطة ناتجة عن غياب التنظيم كوظيفة أساسية للإدارة العامة في القطاع العام، فلا تخلو وزارة أو مؤسسة حكومية من لوائح داخلية لتسيير أعمالها وتوضيح وتقسيم العمل على مختلف الإدارات، إلا أن تلك اللوائح التي تحمل العديد من الضوابط الكثير منها لا يزيد دورها عن لوائح شكلية معلقة لا تحظى بأدنى اهتمام من قبل المعنيين بها. إقطاعيات كل تلك المسببات التي أجهضت كل مساعي الإصلاحات الإدارية على مدى ما يزيد من عقد زمني ووظفت بأساليب أقبح من أسبابها حيث ظلت مبررا لفشل الوزارات والمصالح الحكومية في تنفيذ الخطط السنوية وغطاء للفساد الإداري والمالي، إلا أن الواقع الإداري المختل والمتضخم بموروثات الإدارة المتخلفة يؤكد أن ضعف الماكنة الإدارية وعجزها عن تحقيق الإنجاز والرضا يتجاوز القضايا الإدارية ذات الطابع الرأسي في ظل غياب قضاء إداري متخصص يبت في تلك القضايا، وهو ما حول صغار الموظفين إلى فرائس سهلة أمام لوبي الإقطاع في تلك الوزارات والمصالح التي خصخصت سلوكيا وكادت أن تفقد طابعها العام، فهي بما يدور في بيئتها الداخلية أقرب إلى إقطاعية مشائخية كإقطاعيات المناطق الوسطى. ضحايا الصراعات الصراعات الإدارية التي تقابلها ولاءات لبعض مراكز القوى في داخل المصالح الحكومية وخارجها، وقفت حجر عثرة أمام التدوير الوظيفي في المراكز القيادية والوظائف الإشرافية والتنفيذية، وفقا للقانون رقم (31) لسنة 2009م بشأن التدوير الوظيفي، كما ساهمت في التصدي لاتجاهات الإصلاحات الإدارية كنظام البصمة وغيرها وفتحت مجال الإقصاء تحت غطاء العمالة الفائضة والاستغناء عن صغار الموظفين وإحالتهم إلى صندوق الخدمة المدنية الذي بلغ عدد الموظفين المحالين إليه 17 ألف موظف لمعالجة أوضاعهم، منهم ما يقارب ال5 آلاف موظف تم إحالتهم لأغراض انتقامية وآخرون وجدوا أنفسهم ضحايا صراع لم يكونوا أطرافا فيه والغرض من إقصائهم توفير مواقع وظيفية شاغرة للأنساب وأهالي حارة الوزير أو الوكيل او المدير المالي الذين أصبحوا أصحاب الحل والعقد في كل الوزارات التي أضحى التوظيف فيها للأقارب أمراً متاحاً وكأنها ملكية خاصة، يؤكد (ع.م.ق) موظف منذ 15 عاما أنه تفاجأ بإحالته إلى صندوق الخدمة المدنية دون إنذار مسبق وتوقيف رواتبه 6 أشهر حتى عاد إلى عمله السبب كما يراه اختلافه مع أحد أنصار الوزير. إعدام مع سبق الإصرار 305 موظفين في وزارة الصناعة والتجارة اتخذ بحقهم قرار إداري في الربع الأول من العام الماضي دون أي إنذار مسبق، معظم أولئك الموظفين متعاقدون منذ 13 عاما والبعض الآخر موظفون أساسيون القرار الوزاري لم يكن تلبية لخطة التقشف التي اتخذتها الحكومة لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية وإنما جاء للتخلص من التضخم الإداري وإنعاش الوزارة، الملفت للنظر أن القرار وجه إلى ضابط أمن الوزارة يقضي بمنعهم من دخول الوزارة، ذلك القرار لم يقبل اللين مما دفع بالمحرومين من أعمالهم إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة شمال الأمانة كون تعاقدهم كان رسميا وعملوا في الإدارات المختلفة وسبق أن طالبوا بحقهم في التثبيت ووصل الأمر إلى رئيس الجمهورية عام 2005م الذي وجه رئيس الوزراء للاطلاع على المراجعة المرفوعة من كافة المتعاقدين بوزارة الصناعة والتجارة والتوجيه بحل مشاكلهم بموجب مذكرة التوجيه الرئاسي رقم (5292) الصادرة بتاريخ 3/12/2005م، ونظرا لغياب قضاء إداري مختص يحمل صفة التعجيل في القضايا المماثلة لا زالت القضية دون حل. الجدير بالإشارة أن قانون العمل اليمني أتاح فرصة التجربة ستة أشهر وبعد ذلك يصبح العامل أو الموظف مثبتا بقوة القانون. حق التقاضي الدستور اليمني كفل حق المواطن في اللجوء إلى القضاء لحماية حقوقه ومصالحه المشروعة حسب المادة 50 وقانون الخدمة المدنية رقم (19) لعام 1991م عرف الموظف العام في المادة الثانية منه بأنه الشخص المعين بقرار من السلطة المختصة للقيام بعمل ذهني أو مهني أو حرفي تنظمه وظيفة مصنفة سواء كانت الوظيفة دائمة أو مؤقتة، كما كفل نفس القانون حق الموظف في الأجر العادل والتدرج في السلم الإداري وحقه في الحوافز الإضافية والترقيات والمكافآت والإجازات السنوية أو العرضية وغيرها من الحقوق كحقه في الدفاع عن حقوقه والمطالبة بترقيته حال تأخر الاستحقاق أو تأخيره وحقه في الانخراط في نقابات عمالية، وحضر عليه عدة محظورات كمخالفة القوانين والقواعد المنظمة للعمل والأحكام التي يترتب عليها عقاب واللوائح المالية والإهمال في أداء المهام الموكلة إليه أو التقصير في الواجبات التي يحافظ فيها الموظف على كرامة الوظيفة طبقا للأعراف الإدارية السائدة وأن يعمل مع بقية الموظفين بروح الفريق الواحد حتى تتحقق الأهداف، وبالرغم من ذلك إلا أن الكثير من الحقوق لا تخضع لأي قانون من تلك القوانين التي كفلتها نظريا فقط وتخضع في تطبيقها لعوالم أخرى كالولاء المطلق للقيادات الإدارية والمحسوبية الغالبة. فساد بقوة القانون يتزامن حضور التسلط الإداري الكامل الصلاحيات حالما يغيب قانون إداري ينظم علاقة الرئيس الإداري بالمرؤوس فتفقد تلك العلاقة توازنها القانوني والأخلاقي والإنساني وتتحكم بها النزوات الخاصة والمؤسف أن تستمد قوتها من فجوة قانونية غير مقننة، ففي كل الوزارات والمصالح الحكومية يحق لمدير عام الشئون القانونية وأصحاب المصالح الخاصة حق تأديب الموظف العام وحق التحقيق معه وحق إسقاط حقه في الترقية والإجازة والمكافأة بل وحقه في الأجر الشهري وحقه في الأمن الوظيفي واستحقاقه في التقاعد بمعاش تقاعدي، فجل حقوقه المشروعة رهينة نزوات لوبي المصالح الذين أحقهم قانون الخدمة المدنية حق تأديب الموظف العام وخوله تنفيذ العقوبات المباشرة وغير المباشرة بوسائل غير مشروعة في مخالفة صريحة للمادة 49 من الدستور، تلك الفجوة القانونية ساهمت في تفشي الفساد الإداري والمالي وألجمت أفواه آلاف الموظفين وأدانت آلاف الموظفين دون تهم ودفعت أصحاب الحقوق المشروعة إلى تفضيل الصمت خوفا من فصل وشيك أو الإيقاف عن العمل كعقاب أدنى أو الحرمان من حق الترقية أو الانتقال إلى سلم الأجور والمرتبات حسب القانون رقم 43 لسنة 2005م بشأن نظام الوظائف والأجور. القضاء الإداري مشروع قادم خلال نزولنا إلى وزارة العدل لمعرفة مصير مشروع القضاء الإداري الذي ظل مطلبا منذ عدة سنوات قبل مشروع القضاء التجاري الذي خرج إلى النور قبل 5 سنوات، علمنا أن المشروع لا زال في طور الإعداد والتهيئة وأن مباحثات يمنية مصرية جرت حول نفس الموضوع، وبالرغم من عدم تمكنها من لقاء القاضي دكتور/ عبدالله فروان رئيس هيئة التفتيش القضائي لاعتذاره وانشغاله معا، إلا أن بعض العاملين في الهيئة أكدوا لنا أن القاضي/ محمد القاضي- عضو هيئة التفتيش القضائي حاليا ورئيس محكمة غرب الأمانة سابقا التي تنظر في القضايا الإداري دون غيرها في عموم محافظات الجمهورية المرشح الوحيد لرئاسة القضاء الإداري حال إنشاء محاكم إدارية دون تحديد حدود زمنية سيما وأن القانون الإداري المختص لا زال هو الآخر غير موجود، وحال سؤالنا عن مصير حق الموظف البسيط في الدفاع عن حقوقه أكد أحد أعضاء النيابة العامة الذي تحفظ عن اسمه بأن هذه القضية طرحت أوائل التسعينيات واكتفت الدولة بفتح إدارة المظالم في رئاسة الجمهورية حينها وكلف زيد أبو علي أحد أعضاء مجلس النواب برئاستها، مشيرا إلى أن دائرة المظالم لم تقم بأي دور ولم تنصف موظفاً عاماً اتخذت بحقه انتهاكات جسيمة ومن خلال حديثه كشف عن جملة من المخالفات والانتهاكات التي طالت موظفين في درجات دنيا ومدراء عموم والذين تم الزج بهم إلى البحث الجنائي ومن ثم إلى محكمة الاموال العامة، ويتم في نفس الوقت إنزال رواتبهم بمجرد اتهامهم، في مخالفة لقانون الخدمة المدنية الذي ينص على تسليم نصف الراتب للموظف المتهم ويتم الاحتفاظ بالنصف الآخر حتى يصدر حكم بذلك، مشيرا إلى أن معظم الجهات لا تعمل بالقانون. ديكتاتورية باسم القانون تستغل بعض القيادات الإدارية غياب قضاء إداري مختص لتصفية حسابات فأحد المختصين في محكمة الأموال العامة أكد أن العديد من القضايا التي يتهم بموجبها بعض مدراء العموم باختلاس المال العام يتبين أنها غير قانونية، خصوصا من يتم إقصاؤهم من أعمالهم أو استبدالهم ولديهم مركبات صرف، مشيراً أن هناك قانوناً خاصاً لصرف المركبات يحدد تسليمها ويؤيد القانون أحقية أي مدير عام في الاحتفاظ بالسيارة المصروفة حتى يتم تسليم أخرى حتى وإن كان قد تم تحويله للعمل بمكان آخر أو جهة غيرها حالما منح مركبة أخرى يسلم الأولى قانونا، مشيرا إلى أن هناك العديد من المظاهر الإدارية الشاذة كقرارات انتداب الموظف العام التي لا تزيد عن ستة أشهر بحكم القانون كحد أقصى بحكم القانون إلا أن الموظف المنتدب من جهة لأخرى يستمر من 5 إلى 10 سنوات، مؤكدا أن عشرات الموظفين يتعرضون للفصل دون أسباب بناء على مقترح مدير الدائرة القانونية. السحم: القضاء الإداري ضرورة أصبح غياب قضاء إداري متخصص إحدى عوائق الاستثمار في اليمن وبات وجوده مطلبا دوليا ليس للحكم الجيد وشرطا من شروط انضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية "الجات" المحامي/ محمد حسين السحم أشار إلى أهمية القضاء الإداري لتحسين بيئة الاستثمار والبت في المسائل الخلافية ذات الطابع الإداري كالمشاريع التي تقيمها الدولة مع القطاع الخاص بموجب عقود يتم توقيعها بين الطرفين، مشيرا إلى أن العقد له صفة الإلزام ولكن غياب قضاء مختص يدفع بالكثير من المنازعات ذات الطابع الإداري إلى المحاكم التجارية في ظل قصور كبير في القوانين الحالية في القضايا الإدارية، وأضاف القضاء المدني تطول فترات التقاضي فيه مما يتسبب في تعثر المشاريع وحال وجود قضاء إداري سيتم التعجيل في كثير من تلك القضايا، وحول تجربته الشخصية في الترافع على قضايا إدارية أكد السحم أن المماطلة في البت في الأحكام تأتي من الإداريين وتطول في المحاكم، مشيرا إلى أن الإجراءات الإدارية تمر بعدة مراحل وتستغرق فترات طويلة إلا أنه أكد أن العديد من القضايا التي بت فيها القضاء المدني كانت أحكامها قوية، مشيرا إلى أن الدولة ماطلت في تنفيذ العديد من الاحكام الصادرة من المحكمة الغربية ذات الطابع الإداري.