اخيراً واتته فرصة الحنق من الدنيا ففعل ولم يكترث. كان هذا شأنه في أحوال كثيرة لكنها لا تصل حد الغياب الكامل. تمثل حياته وشماً هو الأجمل بين مآثر التصوف. وفي سيرته حقلا من المثل التي لا يقوى على تحمل تبعاتها غير الغادرين من الشرفاء والزهاد. يمضي الى الأمام متخفياً من متاع الدنيا وأحقاد البشر وتجهم الأيام. قال وكتب ونظم ورسم أحلام الناس ولم أسمعه يوما يتفوه بكلمة (الأنا). دافع عن حق الفقراء في الكرامة والمعرفة والرفاهية.. لكن؟ ما من احد دافع عن حقوقه المنسية، ولا دفع عنه غوائل الزمن وعاديات الجور وغوايات الجحود. تلامذته ينتشرون كصغار الأرانب في كل هيئة ومؤسسة ووزارة ومجال، لكن بالنسبة له أمضى حياته ولسان حاله.. (إني لأفتح عيني حين أفتحها.. على كثير ولكن لا أرى أحدا)، عهدناه وهو في مختلف أحواله حزباً يمشي بقدمين ودولة مشاد صرحها على واجهة صبورة صورة, وأفق ممتد بين اضواء الصباح وطباشير في متناول معلم!! هل رأيتم شماريخ اليمن.. إنها تشبهه قامة وهامة وكبرياء.. ولا أبالغ في اعتقادي أنه وجبل التعكر توأمان. أتذكر ابتسامته الساخرة، وهو يمتص رحيق "تخزينته" الصباحية، ويتأمل بعمق أحوال بلاد تتناهبها المعسكرات والقبائل! قال يوماً، والغصة تكتسح مشاهداته الى المبادئ اذ تتعفن, والقيم وهي تتناثر, واذ يتبارى الاصدقاء - كلٌ حسب حاجته - في ممارسة الغدر، وحيث تمور المحافظة بالقطط السمان.. ألِهذا ثرنا؟؟ في إشارة إلى خيبات الثورات الأولى. لا.. أيها الاستاذ الكبير نحن شعب يقتله الشجن فيحاكي الآخرين، ولا يبتدر لنفسه مآثر مائزة! نقتلع فاسدا ونغرس بدلا عنه مئة عابث وألف دعي.. ودائماً تجدنا ضحايا حسن النية!! لهذا ارداك التصور المتقدم في بلد يحز التخلف عنقه.. فهل آثرت الاستسلام ولبست الكفن راية بيضاء.. أم غشيتك دعوة كريم عظيم فغادرتنا دون وداع! سلام على ثراك الطاهر.. استاذنا الجليل محمد زين العودي؟ وعذراً مدينة الخيال والجلال والجمال.. عذراً يا إب إن انطفأت قناديلك مجللة باليتيم، فالرمد يحاصر حكومات التقاسم ويمنعها من إنصاف الرموز الوطنية، خاصة إن كانوا بجذل كناري المحافظة الخضراء. ولولا ذلك ما ذهبت صيحة الدكتور عبد الكريم المنصوب ادراج الرياح في ظل ما نسميه ثورة ذات ربيع قائض. وحسْب الراحل الجميل أن تكون صرخة وكيل وزارة المالية المساعد (سابقاً)، وهو يقدم استقالته العلنية الى الوطن بتلك النبرة الطافحة بالألم والمرارة والجرأة والصدق.. حسب الراحل الكبير أن يجد بين تلامذته النجباء من يحمل إرثه ويقتفي خُطاه ويذكي مشاعل الانتماء الوطني بعده. وحسْب المحافظة الخضراء مجداً أن تكون الأم الرؤوم لكوكبة من المناضلين الاعلام بدءاً ب علي عبدالمغني، ووقوفاً عند الدعيس والربادي والعنسي ودماج والمقالح وجباح والجيشي والعقاب، والمحتفى بسيرته فقيد البلاد الاستاذ والشاعر والثائر محمد زين العودي -رحمه الله-.