غارات مكثفة على رفح والقسام تفجّر ألغام في قوة صهيونية والاحتلال يعلن إصابة 46 جنديا    بحوادث متفرقة.. أربعة أشخاص ينهون حياتهم في إب خلال يوم واحد    محمد البكري و أحمد العيسي وخلال سبع سنوات دمرا حياة شعب الجنوب    محاولة تحطيم سور النسيج الحضرمي.. لن تمر أي مخططات غير مرغوب فيها    الأمطار تطفئ حرارة الأجواء في عدد من المحافظات خلال الساعات القادمة    خطوات ثاقبة للمجلس الانتقالي تثير رعب قوى صنعاء الإرهابية    الإطاحه بقاتل شقيقه في تعز    صافرات الإنذار تدوي في ''إيلات'' .. جيش الاحتلال يعلن تعرضه لهجوم من البحر الأحمر    خبير آثار: ثور يمني يباع في لندن مطلع الشهر القادم    وفاة ضابط في الجيش الوطني خلال استعداده لأداء صلاة الظهر    محلات الصرافة في صنعاء تفاجئ المواطنين بقرار صادم بشأن الحوالات .. عقب قرارات البنك المركزي في عدن    إعلان قطري عن دعم كبير لليمن    جماعة الحوثي تفرض اشتراط واحد لنقل المقرات الرئيسية للبنوك إلى عدن !    خمسة ابراج لديهم الحظ الاروع خلال الأيام القادمة ماليا واجتماعيا    حلم اللقب يتواصل: أنس جابر تُحجز مكانها في ربع نهائي رولان غاروس    قرارات البنك المركزي لإجبار الحوثي على السماح بتصدير النفط    تعرف على قائمة قادة منتخب المانيا في يورو 2024    7000 ريال فقط مهر العروس في قرية يمنية: خطوة نحو تيسير الزواج أم تحدي للتقاليد؟    أرواح بريئة تُزهق.. القتلة في قبضة الأمن بشبوة وتعز وعدن    فيديو صادم يهز اليمن.. تعذيب 7 شباب يمنيين من قبل الجيش العماني بطريقة وحشية ورميهم في الصحراء    حرب وشيكة في الجوف..استنفار قبلي ينذر بانفجار الوضع عسكرياً ضد الحوثيين    عن ماهي الدولة وإستعادة الدولة الجنوبية    صحفي يكشف المستور: كيف حول الحوثيون الاقتصاد اليمني إلى لعبة في أيديهم؟    الدبابات الغربية تتحول إلى "دمى حديدية" بحديقة النصر الروسية    الوضع متوتر وتوقعات بثورة غضب ...مليشيا الحوثي تقتحم قرى في البيضاء وتختطف زعيم قبلي    مسلحو الحوثي يقتحمون مرفقًا حكوميًا في إب ويختطفون موظفًا    إنجاز عالمي تاريخي يمني : شاب يفوز ببطولة في السويد    عن الشباب وأهمية النموذج الحسن    - الصحفي السقلدي يكشف عن قرارات التعيين والغائها لمناصب في عدن حسب المزاج واستغرب ان القرارات تصدر من جهة وتلغى من جهة اخرى    بحضور نائب الوزير افتتاح الدورة التدريبية لتدريب المدربين حول المخاطر والمشاركة المجتمعية ومرض الكوليرا    شرح كيف يتم افشال المخطط    بدء دورة تدريبية في مجال التربية الحيوانية بمنطقة بور    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 36 ألفا و439 منذ 7 أكتوبر    "أوبك+" تتفق على تمديد خفض الإنتاج لدعم أسعار النفط    ولي العهد الكويتي الجديد يؤدي اليمين الدستورية    رصد تدين أوامر الإعدام الحوثية وتطالب الأمم المتحدة بالتدخل لإيقاف المحاكمات الجماعية    الملايين بالعملة الصعبة دخل القنصليات يلتهمها أحمد بن مبارك لأربع سنوات ماضية    5 آلاف عبر مطار صنعاء.. وصول 14 ألف حاج يمني إلى السعودية    ريال مدريد يتوج بلقب دوري أبطال أوروبا    بالصور: اهتمام دبلوماسي بمنتخب السيدات السعودي في إسبانيا    من لطائف تشابه الأسماء .. محمود شاكر    مصرف الراجحي يوقف تحويلاته عبر ستة بنوك تجارية يمنية بتوجيهات من البنك المركزي في عدن    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    الوجه الأسود للعولمة    الطوفان يسطر مواقف الشرف    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد انتهاء الفترة الانتقالية في اليمن؟
نشر في الوسط يوم 04 - 09 - 2013

عند أواخر شهر فبراير القادم، أي بعد حوالى ستة أشهر من الآن، تنتهي مدة الفترة الانتقالية بمرحلتيها في اليمن، وفقًا لما حددته الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، والتي حددت تفعيل مهام وخطوات مرحلتي الفترة الانتقالية وجداولها الزمنية، حيث افترضت تلك الآلية إنجاز وتحقيق تلك المهام والخطوات ليتم بعدها الانتقال إلى الحالة الدستورية الطبيعية والاعتيادية لإعادة بناء وهيكلة الدولة الجديدة ومؤسساتها كافة بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفقاً لأحكام الدستور والقانون الانتخابي الجديدين، وبذلك تكون الفترة الانتقالية قد انتهت، غير أن الشواهد والوقائع الميدانية للواقع اليمني الراهن تشير، بجلاء ووضوح، إلى أن مسار الأحداث والتطورات لم يسر على النحو الذي رسمته الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، الملزمة لطرفي العملية السياسية لا من حيث المهام والخطوات ولا من حيث الجدولة الزمنية لإنجازها، إذ أن مجرد إلقاء نظرة استعراضية خاطفة لمجمل المهام المطلوب تنفيذها سواء خلال المرحلة الأولى أم المرحلة الثانية للفترة الانتقالية والمناطة بالرئيس، عندما كان منصبه نائب رئيس الجمهورية، وبعد أن أصبح رئيساً توافقياً منتخباً، وحكومة الوفاق الوطني، وكذا مؤتمر الحوار الوطني، إضافة إلى لجنة الشئون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار، وأيضاً اللجنة الدستورية المنصوص على إنشائها لصياغة الدستور الجديد وإنزاله للاستفتاء الشعبي...إلخ، يضعنا جميعاً أمام الحقيقة المرة التي تؤكد أن أكثر تلك المهام المحددة لم يتم تنفيذها أو إنجازها بعد، بل إن بعضاً منها مثل اللجنة الدستورية وإصدار مجلس النواب لقانون انتخابات جديدة وإعادة بناء السجل الانتخابي الجديد بعد إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء يجب تشكيلها فور انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في مدة أقصاها ستة أشهر، بحيث تنجز مهمتها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، كل ذلك يحتاج إلى فترة لا تقل عن تسعة أشهر من انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، وكل الشواهد والوقائع تبين أن مؤتمر الحوار لا يزال بعيداً عن إكمال مهامه وانتهاء أعماله، في حين لم يعد يفصلنا عن موعد انتهاء الفترة الانتقالية حوالى ستة أشهر فقط !! كما أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية لا تزال عرضة لعواصف الاختلالات والاضطرابات والتدهور العام.
والواقع أننا في حدثينا هذا لا نريد أن نوجه انتقادات أو نلقي بالمسئولية السهلة على هذا الطرف أو ذاك، فقد مارسنا ذلك في الماضي مراراً دون جدوى، ولكننا سنحاول في هذه المرة أن ننظر إلى الأمر بشكل أكثر موضوعية وواقعية خدمة للصالح الوطني العام لعل الجميع يصلون إلى صيغة توافقية، دون تعطيل، لحل وطني تتوافر له أقصى درجة ممكنة من الشعور بالمسئولية وتغليب المصالح الوطنية العليا على كل مصالحنا الجزئية والآنية، والنوايا الحسنة والإرادة السياسية الجادة والإيجابية، يخرج بلدنا وشعبنا من دوامة الأزمات التي تعصف بهما من كل جانب مهددة، حتماً، صميم كيانهما الوطني برمته.
ولقد اتضح، خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وتحديداً خلال الفترة الانتقالية الحالية، أن مشاكل وأزمات اليمن في مختلف المجالات أكثر تعقيداً وتشابكاً وأعمق وأخطر مما كنا، جميعاً، نعتقد ونتصور، وأن صيغة الحل التي تضمنته المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة لم تتوفر لهما المقدرة الكافية لتشخيص أشمل وأدق للواقع اليمني وحقيقة وجذور مشكلاته وأزماته من جهة، ولم تتسلح بالجرأة اللازمة لاجتراح حلول ومعالجات جذرية وعميقة لتغيير حقيقي يساعد على إقامة الدولة الحديثة والديمقراطية والحكم الرشيد، وإشراك كافة المكونات الشعبية في العمل الوطني الجديد، واختارت الميل نحو التسويات والحلول الوسط والصفقات الترقيعية، وهو ما نعتقد أنه لعب دورًا كبيرًا في عرقلة تنفيذ وإنجاز حتى المهام والخطوات التي تضمنتهما.
ومع ذلك فلابد لنا أن نسجل للمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية أنهما انطلقتا من حسن نوايا وحرص للحفاظ على اليمن من الانزلاق في هاوية البديل الأسوأ، وكان لهما دورهما وإسهاماتهما في تهدئة الأوضاع وتبريد بؤر التوتر والانفجار.
غير أن اليمن بات يقف اليوم على عتبات أزمة ليست هينة، حيث تشارف الفترة الانتقالية على انتهاء مدتها بعد ما يقارب الستة الأشهر، وكثير من مهامها المحددة لم تنجز حتى الآن، ومؤتمر الحوار الوطني الذي أنيطت به مهام جسيمة وجوهرية وبالغة التعقيد تتمحور حول بناء يمن جديد وتقرير طبيعة شكل ومضامين النظام السياسي والدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة بتصورات محددة وواضحة لإصلاحات جوهرية لنظام الخدمة المدنية والقضاء، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني بجميع مجالاته، وعلى أسس ومعايير حديثة ومختلفة، وإعادة بناء وتطوير المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس علمية ومهنية ووطنية جديدة، ووضع حلول ومعالجات للمشكلات الوطنية العاصفة كالقضية الجنوبية وصعدة ووضع الفئات المهمشة وحقوق المرأة والطفل، والأهم من كل ذلك عملية صياغة الدستور الجديد الذي يجب أن يعكس ويترجم كل التغييرات والإصلاحات المشار إليها آنفاً وغير ذلك من المهام، نقول إن مؤتمر الحوار الوطني هذا ما زال أمامه طريقًا ليس بالقصير لإنجاز واستكمال مهامه المحددة إذا أزيحت عن مساره العقبات والعراقيل والتعقيدات الهادفة إلى إحباط مسيرته، أو على الأقل تمييع مخرجاته وإخراجها عن مقاصدها ومضامينها الحقيقية والجادة.
إن تلك الأزمة التي نراها تدلف بخطى حثيثة لتضع اليمن واليمنيين أمام سؤال محوري: ما المخرج، وكيف يمكن مواجهة تلك الأزمة بأمان وسلام؟؟
وقبل مناقشة أو محاولة الإجابة على هذا السؤال، هناك عدة حقائق رئيسة من المهم والحيوي أن يضعها الجميع في اعتبارهم وحساباتهم، وخاصة طرفا العملية السياسية المشاركان في إدارة دفة الفترة الانتقالية الحالية، وهي:
1- أن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فور انتهاء مدة الفترة الانتقالية، أي بعد حوالى ستة أشهر، بات أمراً غير قابل للتنفيذ، وأن التسرع في إجرائه، وفق أحكام المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، قد يفجر سلسلة من الأزمات والاضطرابات والصراعات على امتداد اليمن كله، وذلك كما سبق أن أشرنا، بأن كثيرًا من مهام الفترة الانتقالية لم تنفذ ولم تنجز بعد، إضافة إلى أن مؤتمر الحوار الوطني المناط به تصور إعادة بناء اليمن الجديد ونظامه السياسي ودولته الوطنية الحديثة وصياغة مشروع دستور جديد يوضح ويترجم ذلك الهدف الاستراتيجي الأبرز، لم يتمكن من استكمال وإنجاز مهامه بعد، ومن شأن الدخول في عملية انتخابية في ظل وضع كهذا وقبل أوانها الموضوعي أن يمضي بنا للقفز إلى المجهول.
2- أن مؤتمر الحوار الوطني بالمهام المناطة به والتي أشرنا إليها آنفاً، والتي تتمحور حول إعادة صياغة ورسم معالم يمن جديد مختلف تماماً بدولته الوطنية الحديثة والمعاصرة والديمقراطية، والتي يبدو أن الاتجاه الغالب في المؤتمر يميل إلى بنائها كدولة مركبة اتحادية لا مركزية، وإعادة تقسيم البلاد إدارياً إلى أقاليم اتحادية، وإعادة تكييف النصوص الدستورية والمنظومة القانونية وفقاً لذلك وتعبيراً عنه، كل ذلك ستحدده مخرجاته المختلفة عند انتهاء أعماله واستكمال مهامه، وهو ما يجعل الجميع في اليمن أمام حقيقة ساطعة مؤداها أن نتائج ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وإن أذنت بانتهاء مدة المرحلة أو الفترة الانتقالية، إلا أنها ستضع اليمن، منطقياً وعملياً، تحت متطلبات مرحلة استثنائية جديدة، وهي المرحلة التأسيسية ومهامها ومسئولياتها تتحدد في وضع مخرجات الحوار الوطني موضع التطبيق والتنفيذ العملي من حيث إعادة صياغة وبناء الدولة الوطنية الجديدة بمؤسساتها وهياكلها وأجهزتها، وتغيير كامل منظوماتها القانونية والتشريعية، ورسم وتحديد أقاليمها الاتحادية المحددة، أي بعبارة أخرى الشروع التنفيذي التأسيسي لليمن الجديد المختلف تماماً، وإعداد البلاد وتهيئتها من جميع النواحي لإجراء انتخابات شاملة برلمانية ورئاسية ومحلية وفقاً وعلى أساس أحكام الدستور الجديد ومقتضياته القانونية والإجرائية.
3- وأخيراً فإن إجراء الانتخابات، دون وضع ما ورد في النقطتين الآنفتين، يعني ضمن ما يعني، أن المرحلة أو الفترة الانتقالية تعتبر منتهية وساقطة حكماً، بما في ذلك مؤتمر الحوار الوطني ذاته باعتباره أبرز وأهم ما تضمنته المبادرة وآليتها المنظمتان لمهام الفترة الانتقالية، وتقوم مشروعيته عليهما، وإجراء الانتخابات يجعل كل ما أشرنا إليه آنفاً في حكم العدم وكأنه لم يكن، في حين لا مهام الفترة الانتقالية أُنجزت ولا مؤتمر الحوار استكمل أعماله، وأوضاع البلد لا تزال تعاني من الاختلالات والاضطرابات الأمنية والاجتماعية والسياسية، كما أن قوات الجيش لم يُستكمل إعادة بنائها وطنياً ولا تم سحبها من العاصمة والمدن الرئيسة، ولم يتوفر الحد الأدنى من استقرار البنى التحتية اللازمة للانتقال بالبلد من الفترة الانتقالية إلى الوضع الطبيعي المستقر والاعتيادي، ولم تمر البلد بالمرحلة التأسيسية الضرورية لإعادة صياغة وبناء الدولة الوطنية الجديدة التي أشرنا إليها وإعداد البلد والمجتمع من جميع المجالات للانتقال إلى الوضع الطبيعي والاعتيادي في ظل ووفقاً للمحددات الدستورية والقانونية والاجتماعية للدولة الوطنية الحديثة الجديدة تلك، ودعونا من أجل المزيد من توضيح الصورة أن نضرب مثلاً، فإذا افترضنا أن الانتخابات جرت بعد انتهاء مدة الفترة الانتقالية المحددة، وفي ظل الأوضاع التي ذكرناها آنفاً، فإن إجراء تلك الانتخابات ستتم وفقاً للدستور والقوانين القديمة، وبعد إجرائها نفترض أن مؤتمر الحوار الوطني أنجز واستكمل كل مهامه، وفي مقدمتها الدستور الجديد، فإن ذلك يعني اعتبار كل سلطات الدولة بحكم المستقيلة، كيف سيتم تنفيذ وتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار؟، ومن سيقوم بذلك؟، وبناء على أية مشروعية؟، وكم من الوقت سنحتاج لاستكمال مهام مرحلة تأسيس النظام والدولة الجديدة؟، وما هي ضمانات أن لا تقع البلاد ضمن دائرة الفراغ وربما الضياع ...إلخ هذه التساؤلات.
واستناداً إلى الحقائق الرئيسة الثلاث، المشار إليها آنفاً، والتي ينبغي أن نضعها في اعتبارنا وحسباننا ونحن نتجه لمناقشة السؤال الجوهري الملح: ما المخرج وما العمل لمواجهة أزمة انتهاء مدة المرحلة الانتقالية بأمان وسلام؟، فنقول: إن مبدأ التوافق الوطني الذي أسس مشروعية الفترة الانتقالية تقع على عاتقه اليوم مسئولية أكبر في إضفاء مشروعيته لفترة أو مرحلة تأسيسية جديدة لبناء الدولة الوطنية الجديدة التي سيحدد مؤتمر الحوار الوطني طبيعتها وملامحها ووضع مخرجاته موضع التنفيذ المؤسساتي والتشريعي في كافة المجالات بما يفضي، خلال فترة زمنية محددة، إلى إعداد البلاد والمجتمع والدولة للانتقال الطبيعي الاعتيادي الآمن من مرحلة التأسيس الوطني الجديد إلى مرحلة استقرار الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة بعد استكمال بناء أسسها ومقوماتها ومؤسساتها وأجهزتها ومنظوماتها التشريعية والقانونية ...إلخ، وذلك بإجراء أول انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية لما يمكن أن نطلق عليها "الجمهورية الثانية" المعاصرة.
إن ذلك يقتضي تفادي قادة أطراف ومكونات مؤتمر الحوار الوطني كافة، وأقصد بهم طرفي العملية السياسية للفترة الانتقالية (اللقاء المشترك وشركاؤه والمؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه) وقادة الحراك الجنوبي السلمي وأنصار الله وحزب الرشاد السلفي والقوى الشبابية الثورية ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم من مكونات مؤتمر الحوار إلى طاولة تفاهم وطني عاجل لإنجاز المهام الرئيسة التالية:
التوافق على صياغة وثيقة وطنية هذه المرة، وليست خارجية، تعلن قيام فترة تأسيسية تحل محل الفترة الانتقالية، مهامها تحدد، إجمالاً، في إنجاز ما لم يُنجز من مهام الفترة الانتقالية والشروع في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني وأحكام الدستور الجديد الذي سينجزه، على أن تحدد مدة الفترة التأسيسية على نحو كاف ومعقول لإنجاز مهامها على أن لا تتعدى الثلاث سنوات، بحيث تمدد فترة الرئيس الانتقالي المنتخب لمدة الفترة التأسيسية، ويتحول مؤتمر الحوار الوطني ليصبح "جمعية تأسيسية وطنية" تتولى بعد إنجاز مهامها إلى سلطة تشريعية مؤقتة إلى حين انتهاء الفترة التأسيسية، وعلى أن يتوافق الجميع على تشكيل حكومة جديدة من التكنوقراط أصحاب الكفاءات والتخصصات العالية من شخصيات، غير حزبية، مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والخبرة والمقدرة، وذلك على ضوء واستفادة من دروس حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت وفق قاعدة المحاصصة الحزبية التي عرقلت عمل الحكومة وشلت فعاليتها وقدرتها للأسف الشديد، مع عدم التجديد لمجلس النواب الحالي الذي ضرب رقماً قياسياً عالمياً في التمديدات المتتالية له باعتبار أن مؤتمر الحوار الوطني سيحل محله كجمعية تأسيسية وطنية، ان وثيقة وطنية تاريخية كهذه تخرج بالبلاد من أزماتها ومعاناتها واضطراباتها، تتطلب من قادة الأحزاب السياسية الارتفاع إلى مستوى المسئولية وتغليب مصلحة البلاد والشعب على مصالحها الخاصة طوال الفترة التأسيسية، ولا تشكل هذه الصيغة المقترحة للحل الوطني أي إقصاء أو استبعاد للأحزاب من المشاركة السياسية العامة، بل سيبقى دورها بارزًا من خلالا الجمعية السياسية الوطنية، فقط مطلوب منها أن تتنازل عن مصالحها، مؤقتاً، وتوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية طول الفترة التأسيسية.. ودعونا، هذه المرة، أن نتولى وضع الحلول لمشكلاتنا بأنفسنا دون استدعاء الخارج ليضع لنا الحلول وكأننا قاصرون لم نبلغ الرشد السياسي بعد، دعونا نثبت للعالم قدرتنا وجدارتنا على إدارة شئوننا وحل مشاكلنا بأنفسنا وداخل البيت اليمني، ولا مانع بعد التوافق على صيغة الحل المقترحة إيداع نسخ منها في الأمم المتحدة والجامعة العربية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمريكا والاتحاد الأوروبي واليابان للعلم والإحاطة، خاصة وأنهم كانوا رعاة في الأول، إضافة إلى كونهم مانحين وداعمين مع إسداء جزيل الشكر والامتنان لهم على ما قاموا به وما سيقومون به مستقبلاً.
والواقع أن نجاحنا، كقوى وطنية، في التوافق الوطني على صيغة حل سياسي كهذا الذي نقترحه، للسير بالبلاد بسلام إلى شاطئ الأمان، يكتسب أهمية خاصة وكبرى في ظل المرحلة التي تعيشها بلادنا ومحيطها الإقليمي من تطورات وتداعيات بالغة الأثر والخطورة، من حيث أنه يحقق، أولاً، هدف النأي ببلادنا وتجنيبها الانزلاق إلى البديل الأسوأ والأخطر الذي لا نريده ولا نتمناه وسد كل الثغرات والذرائع التي قد تستغل في النفاذ إلى إثارة الفوضى والاضطرابات والتمزق، ويقطع الطريق، ثانياً: على القوى الفاسدة والمتخلفة التي أقصاها الشعب وأسقطها من مواقع النفوذ والهيمنة والتسلط، والتي تعبئ وتحشد كل قواها وإمكاناتها وأساليبها لخلق الفوضى العارمة والاضطرابات المستمرة وإحباط كل الجهود والخطوات المخلصة لتثبيت الأمن والاستقرار والتنمية، سعياً وطمعاً في استعادة مواقع نفوذها وسيطرتها المنهارة وتلهفها لاستعادة سلطتها المطلقة على الدولة والمجتمع التي افتقدتها، ولاشك أن الجميع يعلم، تمام العلم، أن هذه القوى ما زالت تحتفظ بمواقع قوة ونفوذ وتمتلك إمكانات مادية هائلة ستوظفها لتحقيق أهدافها تلك، وإذا أخفقت القوى السياسية والأحزاب والتكتلات الشبابية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة والتغيير والدولة المدنية الحديثة دولة المواطنة المتساوية وسيادة القانون وقيم الحق والعدالة في الالتقاء والتوافق على أرضية المشترك والمتفق عليه من قبلها جميعاً، فإن ذلك من شأنه أن يضيف قوى جديدة وحافزًا قويًّا لتلك القوى المتخلفة للانقضاض على المكتسبات والمنجزات التي تم تحقيقها بقوة الشعب وتضحياته الجسيمة.
والأمر كله بأيدينا وبمقدورنا إن تنازلنا جميعنا لجميعنا وغلبنا المصالح الوطنية العليا على مصالحنا الحزبية والفردية ولو إلى حين، وارتفعنا إلى مستوى المسئولية والتحديات، وعملنا وفق فقه الأوليات، فإما أن نكون أو لا نكون.. والشعب متيقظ، والتاريخ لا يرحم.
عبدالله سلاّم الحكيمي
بريطانيا - شيفلد الأول من سبتمبر 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.