*صفقة تقضي بمساعدة واشنطن للإخوان للوصول إلى السلطة، وجعل مصر عاصمة “دولة الخلافة الإخوانية” *الربيع العربي وصعود الإخوان كانا خطة تغيير أميركية يعود تاريخها إلى سنة 2010
*كشف خطة لقلب النظام في اليمنوتونس ومصر والبحرين وسوريا وليبيا فالمملكة العربية السعودية
براقش نت..العرب اونلاين كشفت وثائق سرية أميركية أن إدارة أوباما وضعت، في الفترة بين سبتمبر 2010 وفبراير 2011، دراسة، شارك فيها مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، توثّق الاهتمام الكبير والأفضلية التي أعطتها السياسة الأميركية للإخوان المسلمين والإسلاميين السياسيين في الشرق الأوسط، وخصوصا للإخوان المسلمين في مصر. لم يعد الحديث عن العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والولاياتالمتحدة الأميركية أمرا خفيا. وتوضّح بشكل لا يدع مجالا للشكّ الصفقة التي عقدها الطرفان لضرب أمن المنقطة والعربية، (من الشرق الأوسط إلى شمال أفريقيا، فالخليج العربي). الصفقة الأميركية الإخوانية كانت تقضي بمساعدة واشنطن للإخوان على تحقيق حلمهم بالوصول إلى السلطة، وجعل مصر عاصمة “دولة الخلافة الإخوانية”، مقابل ضمان السيطرة الأميركية على منطقة تعدّ أحد أهم مصادر الطاقة في العالم. لكن، فشل الإسلاميين، بمختلف توجهاتهم، في تونس ومصر بالخصوص، قوّض هذه الصفقة، وبدأت أوراقها تتساقط لتعرّي كثيرا من الحقائق الخفية عن تاريخ الإخوان المسلمين في الغرب والمؤامرات التي حيكت بين الطرفين. وتكشف وثائق فيدرالية حصلت عليها مجموعة الشرق الاستشارية، بمقتضى قانون حرية المعلومات الأميركي (FOIA)، مدى عمق التواصل بين الإخوان المسلمين وإدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وحيثيات خطّة “الربيع العربي” وحقيقة “ديمقراطية” وصول الإسلاميين إلى السلطة وزيف شرعيّتهم. النّسخة الأولى من هذه الوثائق الأولى تشير إلى أن الربيع العربي وصعود الإخوان كانا خطة تغيير أميركية يعود تاريخها إلى سنة 2010، وكانت الأولوية في هذه الخطة العمل على قلب النظام في اليمنوتونس ومصر والبحرين وسوريا وليبيا فالمملكة العربية السعودية. كشف التقرير الثاني الذي نشرته المجموعة الأميركية التي تتخذّ من واشنطن مقرّا لها، الخطة الأميركية مع إخوان ليبيا ومحاولة دعمهم للوصول إلى حكم هذا البلد الاستراتيجي الغني بالنفط. ومؤخّرا صدر التقرير الثالث، ويخصّ الشقّ الأبرز والأخطر من هذه المؤامرة، والذي يتعلّق بمصر، رمّانة الميزان في المنطقة ومهد جماعة الإخوان.
مكانة خاصة لإخوان مصر
تكشف وثائق المجموعة الاستشارية أن وزارة الخارجية الأميركية منحت في أبريل 2012، منحت حصانة دبلوماسية (ميزة “حالة خاصّة”) لوفد تابع لجماعة الإخوان المسلمين المصرية عند زيارته إلى الولاياتالمتحدة. في تلك الفترة.
وفي ظلّ “الأمر الرئاسي 11″ و”التوجيهات السياسة الرئاسية العامة 13″، عملت إدارة أوباما بجدّ لمساندة جماعة الإخوان المسلمين وروّجت بروزها كقوّة “ديمقراطية” رائدة وقادرة على إحداث التغيير المنتظر في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك مصر وتونسوسوريا وليبيا. واعتبر المراقبون حينها أنّ زيارة وفد الإخوان إلى واشنطن رسّخ نجاح “الإسلام السياسي” في أول انتخابات بعد سقوط مبارك.
اندرجت زيارة وفد الإخوان إلى الولاياتالمتحدة الأميركية ضمن السياسات المنصوص عليها. ومن أيلول 2010 إلى فبراير 2011، أشرف البيت الأبيض على دراسة مشتركة بين الوكالات الوطنية، التي تشمل مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، التي غيّرت جذريا السياسة الأميركية لتوجّهها لصالح جماعة الإخوان المسلمين. وتبيّن عشرات من رسائل البريد الإلكتروني الداخلية، بين مجلس الأمن القومي والبيت الأبيض ووكالات أخرى، مستوى الاهتمام والأولوية المكرّسة في سبيل وضع استراتيجية لمساندة الإخوان والإسلاميين السياسيين.
وتكشف سلسلة من الوثائق الرسمية، التي تمّ نشرها بموجب قانون حرية المعلومات، أن وزارة الخارجية منحت حصانة عبور خاصّة لأربعة أعضاء مسؤولين تابعين للإخوان قدموا إلى واشنطن تلبية لدعوة إدارة أوباما بهدف تلميع صورة حزب الحرية والعدالة (التابع للإخوان) كمنظمة إسلامية تستند إلى الفكر الإسلامي المعتدل.
وقد تمّت هذه الزيارة قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية المصرية في يونيو 2012، التي فاز خلالها المرشّح الإسلامي محمد مرسي التابع لحزب الحرية والعدالة.
تحدد وثيقة وزارة الخارجية الشروط اللازمة للحصول على هذه “الحصانة الخاصّة” والتي تُمنح عادة لرؤساء الدول والملوك وأفراد أسرهم، أو لأعضاء الأمن التابعين لهم. وتكشف وثيقة منفصلة من “مكتب البروتوكول” أنه يملك السلطة التقديرية لمنح الحصانة الخاصة “لأفراد آخرين يحدّدهم مكتب البروتوكول”.
وبعبارة أخرى، بناء على طلب من السفارة الأميركية في القاهرة، منح “مكتب إدارة الدولة للبروتوكول” حصانة عبور خاصّة للوفد التابع لجماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن شروط منح الحصانة لا تنطبق على حالته.
لكن وزارة الأمن الداخلي قامت بالتنفيذ الفعلي لحصانة العبور الممنوح لوفد الإخوان المسلمين، إذ تكشف وثيقة غير مؤرخة لوزارة الخارجية أن مكتب الجمارك وحماية الحدود التابع لوزارة الأمن الداخلي هي الوكالة المسؤولة عن تنفيذ معاملات حصانة العبور الخاصّة.
وتنطبق شروط منح حصانة العبور على عضو واحد من وفد جماعة الإخوان المسلمين المصرية الذين قاموا بزيارة الولاياتالمتحدة، وهو عضو برلمان ممّا يشمله ضمن فئة “موظفي حكومة أجنبية”، بمعنى أن هذا الاستثناء كان يهدف إلى التعجيل بإسناد التصاريح لإتمام زيارة الوفد.
وتضيف الوثيقة الأميركية أن حسين القزاز، أحد أعضاء الوفد الزائر، كان من ضمن المطلوبين للتحقيقات الأميركية.
ولو تمت الزيارة في ظروف عادية، كان القزاز سيخضع، في إطار الإجراءات الجمركية، لاستجواب أمني وربّما كذلك الترحيل. إذ أظهرت الوثائق التي جمعت تحت عنوان “تجميع الوثائق الخاصّة بوصول ورحيل وفد الإخوان المسلمين” قلقا خاصا إزاء حالة حسن القزاز، مهندس “مشروع النهضة” الذي قدّمه الرئيس المصري السابق محمد مرسي خلال حملته الانتخابية.
يشمل نصّ المستند الأول في سلسلة التقارير التي تحمل علامة “حساس ولكن غير سري”، المعنون “وفد حزب الحرية والعدالة وامتيازات الدخول” (مؤرخة في 30 مارس 2012) على ما يلي: “أعلموا المكتب، خلال عطلة نهاية الأسبوع، إذا كنتم ترغبون في الحصول على مساعدتنا في تسليم ‘التنبيهات الخاصة' لوزارة الأمن الداخلي، التي تستخدم لصالح بعض المسافرين عند وصولهم إلى نقطة الدخول.
ويشمل نصّ آخر، مؤرخ في 2 أبريل 2012 تحت عنوان “تحديثات حزب العدالة والحرية (الدراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)” ما يلي: “ينقل جدول أعمال وفد حزب العدالة والحرية أن وصولهم إلى مطار كينيدي في اليوم قد تمّ في ظروف جيّدة. يُتوقّع وصول العضو الأخير للوفد حسين القزاز مساء 3 أبريل. شكرا جزيلا لسفارتنا في القاهرة على سرعة معالجة هذه التأشيرات وتنبيه وزارة الأمن الداخلي إلى الحاجة إلى امتيازات معبر الدخول”.
يبدو إذن أن وزارة الخارجية الأميركية كانت على علم بالمشاكل المحتملة مع دخول حسين القزاز إلى واشنطن، إذ ينقل تحديث آخر في نفس التقرير، مؤرخ في 4 أبريل 2012، بارتياح واضح أن “حسين القزاز وصل إلى مطار دالاس في 3 أبريل دون وقوع أي حادث".
ويشمل نصّ نهائي مقتبس من هذه الوثيقة، تحت عنوان “مغادرة وفد الإخوان المسلمين” ما يلي: “استجابة لطلب من الإخوان المسلمين، بادر المكتب مع مكتب البعثات الأجنبية لحساب السياحة الفرعي بمرافقة العضو الأخير لوفد الإخوان المسلمين الزائر، عبد موجود درديري، خلال معاملات الأمن في مطار مينيابوليس ومطار جون كنيدي في 15 أبريل. لم نسمع أي شيء بعد من الإخوان المسلمين، ولذلك فإننا نفترض أن مغادرتهم للبلاد قد تمت بسلاسة. في الأيام القادمة، سنقوم بتحرير قائمة إجراءات للتعامل مع زيارات الإخوان المسلمين إلى الولاياتالمتحدة.
تضمّن كذلك وفد الإخوان المسلمين الزائر للولايات المتحدة من 2 إلى 15 أبريل سندس عاصم وخالد القزاز. واجتمع الوفد مع موظفي مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، ووجّه خطابات علنية عامّة في جامعة جورج تاون، وفي مؤسسة كارنيغي.
ما جاء في هذه الوثيقة الأميركية ليس بالأمر المستجد ولكن يعدّ جزءا من أرشيف كامل يوثّق علاقات التعاون بين الإخوان ومختلف الإدارات الأميركية، منذ أربعينات القرن الماضي.
وكانت وثائق أفرج عنها مكتب التحقيقات الفيدرالية “سي اي ايه” كشفت أن الإدارة الأميركية تراقب الإخوان ونشاطاتهم منذ العام 1947. وعلى إثر ذلك، نشأت العلاقة التي وصفها الصحفي الكندي آيان جونسون ب”أنها أكثر من حميمية” وصيغت في إطار الاتفاق على معاداة الشيوعية وتهدئة أي توترات للمسلمين في أوروبا. وتعليقا على تاريخ من التعاون بين واشنطن وجماعة الإخوان، وكان آخره ما جرى في المنطقة، وخصوصا في مصر، علق جونسون قائلا إن القادة الأميركيين في كل مرة يقررون أن الإخوان يمكن أن يكونوا مفيدين وراعين للمصالح الأميركية ولكن في كل مرة أيضا وبشكل واضح ولا يدعو للدهشة لا يستفيد من تلك العلاقة غير الإخوان المسلمين .
في ذات السياق كشف كتاب الصحفي والباحث البريطاني مارك كيرتس، عن علاقة خفية جمعت بين الرئيس الأميركي أيزنهاور وجماعة الإخوان المسلمين.
وقال كيرتس في كتابه الذي حمل عنوان ” «التواطؤ البريطاني مع الإسلام الراديكالي» إن بريطانيا بدأت تمويل الإخوان قبل 1942. أما الولاياتالمتحدة الأميركية فقد تعاملت مع «المتأسلمين» كما يصفهم كورتس، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي سطرت بداية الهيمنة الفعلية الأميركية وبروز سياسة القطب العالمي الأوحد. وتكشف وثائق الكونغرس الأميركي أن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنّا، عرض، في ذلك الوقت على واشنطن استعداده للتعاون.
وتقول الوثائق إن لقاء حصل بين البنا وفيليب إيرلاند، السكرتير الأول للسفارة الأميركية في مصر سنة 1947، وتمّت خلاله مناقشة إمكانية التعاون لمواجهة التهديد الشيوعي مقابل دعم الولاياتالمتحدة للجماعة. وأكّد صحّة ما جاء في هذه الوثائق محمود عساف، أمين المعلومات بالجماعة الذي شارك في هذه اللقاءات، وكشف تفاصيلها في كتابه “مع الإمام الشهيد حسن البنا”.
وكان المؤرخ والمفكر الأميركي المتخصص في الشؤون الإسلامية برنارد لويس، صاحب مشروع تفتيت منطقة الشرق الأوسط، دعا إلى وضع استراتيجية لتشجيع الحركات الإسلامية في الدول العربية ودعمها، لتكون سلاحا ضد النفوذ السوفييتي في الشرق الأوسط.
أيد هذه الخطة جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأميركي في حكومة أيزنهاور. وفي سنة 1953 رتب فوستر دالاس بالاتفاق مع الرئيس أيزنهاور مؤتمرا بجامعة برينستون حضره أعضاء من تنظيم الإخوان المسلمين من دول عربية.
ويسجّل الكاتب الأميركي روبرت ديفوس في كتابه “كيف ساعدت أميركا على إطلاق العنان للمتشددين الإسلاميين” أنه قبيل اغتيال المرشد العام حسن البنا تم إيفاد سعيد رمضان صهر البنا وأحد رجاله الأوفياء، إلى عدة دول عربية وأجنبية بهدف إنشاء فروع لتنظيم الإخوان في الأردنوسوريا ولبنان والضفة وغزة. ونتيجة، هذا التقارب كان الدعم الأميركي للجماعة بعد أن تمّ حضرها في مصر، إثر محاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبدالناصر سنة 1954.
في ذلك الوقت كانت بريطانياوالولاياتالمتحدة تدبران محاولات للانقلاب في سوريا ومصر، ووفقا لوثيقة على درجة عالية من السرية فإن الرئيس الأميركي أيزنهاور وصف الوضع للإنجليز قائلا: “نحن في حاجة لخطة ماكييفيليّة تساعد على الوصول إلى شكل للشرق الأوسط يصب في مصلحتنا”.
في نهاية الخمسينات بدأت المخابرات المركزية الأميركية في تمويل الإخوان. ومنذ ذلك التاريخ تواصل العمل السري بين جماعة الإخوان المسلمين ومختلف الرؤساء الذي تداولوا على البيت الأبيض، إلى أن جاءت ثورات الربيع العربي سنة 2011 لتزيح الستار عن هذا التقارب الذي يهّدد لا فقط دول المنطقة بل أيضا الولاياتالمتحدة الأميركية نفسها بعد أن نجح الإخوان، على مدى هذه السنوات في التغلغل في عمق المؤسسات الفاعلة والمؤثّرة في الولاياتالمتحدة.