لدى أبناء منطقتي (حيفان أعبوس) جروب كبير على برنامج "واتساب" يضم عدداً كبيراً من أبناء المنطقة معظمهم شباب شأن جروبات عديدة. إنها منصّات تعبير حرة ومتنفس للتفاعل مع قضايا المجتمع المحلي أو الوطني ككل. يمكن، ببساطة، تتبّع تطور أعراض الطاعون الذي ألمّ باليمن من خلال تحولات المزاج العام داخل مجموعة واتساب كعيّنة حية من المجتمع. في 2014م: كانت معظم منشورات شباب الجروب أفكار بناءة، ومقترحات طموحة تدعو إلى تنشيط العمل التوعوي، تدريب الشباب، إنشاء مكتبات، توفير فرص عمل، تحسين الخدمات الصحية..إلخ إنها في صميم التنمية وبناء الإنسان. في 2015م: مع جنون المليشيات واجتياحها عدن وقتالها في تعز صارت معظم المشاركات حول أعداد واحتياجات النازحين في منطقتنا المتماسة مع لحج وجد قريبة من عدن. حملات التبرع، نقص الأدوية في المركز الطبي، وشح المياه..إلخ. بمعنى أن المساحة التواصلية تحولت، جراء الحرب وتداعياتها، من معرض للأفكار البنّاءة إلى مساحة لاستعراض مآسي المجتمع واحتياجاته الإغاثية لا الثقافية والتنموية. إنها في صميم الحفاظ على الإنسان وإغاثته لا بناءه وتطويره. في 2016م: انتقلت المعارك من تعزالمدينة المنكوبة والمحاصرة، إلى الأرياف التي تعج بالنازحين فتحولت المجموعة إلى حائط نعي، وكشوف يومية بأسماء الجرحى، الشهداء، قذيفة حوثية تقتل شقيقة الكاتب العزيز منصور هائل. طيران التحالف يقصف منزل مواطن لا ناقة له ولا جمل في الأعروق شأن مئات من الغارات "الشقيقة" القاتلة. لم يقتصر الأمر على ذلك. تفشت الكراهية وشاع التحريض وبدأ الفرز داخل كل قرية: فلان وفلان وفلان من أنصار وأعوان المجوس والحوثة،، يرد آخرون فلان وفلان يقدمون الإحداثيات الخاطئة للطيران السعودي.. وهكذا بدأت تتشرخ العلاقات الإنسانية داخل المجتمع المحلي. لدي إحساس سيء أن أمراء الحرب ومن دمروا هذا البلد، وتقاتلوا بأبنائه، سيتصالحون ويتقاسمون مجدداً مائدة الغنائم والسلطة، وسيأكلون ال"كبسة" ثانية، بينما سيتوارث أبناء القرية، وقرى أخرى على امتداد اليمن، لعدة أجيال، أحقاد وثارات هذه الحرب القذرة. تذكروا ذلك جيداَ.