المواطنون الأتراك لأنفسهم ملاذا للتنفيس عن غضبهم تجاه الحكومة في ملاعب كرة القدم كرد فعل على قمع الشرطة للمحتجين في شوارع وميادين البلاد خلال الأشهر الماضية. لكن هذا لم يمنع قوات الأمن من شن حملة اعتقالات واسعة ضد عدد كبير من المشجعين الذين استخدموا مدرجات الملاعب كمنبر للاحتجاج على سياسات النظام الحاكم. واعتقلت الشرطة 80 مشجعا خلال مباريات أهم ثلاثة فرق في تركيا: جلطه سراي وبيشكتاش وفناربخشه، في إطار حملة لتفكيك "الشبكات الإجرامية" في اسطنبول. وكان الهتاف الأبرز خلال مباراة القمة الاخيرة بين بيشكتاش وجلطه سراي الأحد الماضي "تقسيم في كل مكان..مقاومة في كل مكان" في إشارة الى ميدان "تقسيم" أهم مركز للاحتجاجات في تركيا. وفي المقابل علت هتافات مؤيدي حزب (العدالة والتنمية) الذي يقوده رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان داخل ملعب أتاتورك الأوليمبي الذي احتضن القمة. واشتعلت حرب الهتافات بين الجانبين المتناحرين، حتى حدثت الشرارة التي فجرت البركان في اللحظات الاخيرة من اللقاء، حين توجه البرازيلي فيليبي ميلو لاعب جلطه إلى مقاعد بدلاء الفريق المضيف وهو في طريقه إلى خارج الملعب بعد تعرضه للطرد، ليقتحم أنصار بيشكتاش الملعب بأعداد غفيرة ويشتبكوا مع مشجعي الفريق الغريم وافراد الأمن، ويضطر الحكم لإلغاء المباراة. وقال المحلل السياسي المخضرم يالسين دوجان لصحيفة (حريت) أن الأحداث المؤسفة التي وقعت خلال المباراة "تعكس مناخ الاستقطاب الحاد الذي تعيشه شوارع وجامعات وملاعب تركيا". ولطخت تلك الاحداث الصورة المثالية لتجمع مشجعي الغريمين جلطه سراي وفناربخشه في مسيرة واحدة خلال الايام الأولى من الاحتجاجات ضد الحكومة بحديقة "جيزي". ويعد الخلط بين السياسة والكرة أمر حديث العهد على المشجعين الأتراك، حيث عرفوا بالتعصب لأمور متعلقة باللعبة والتشجيع الحماسي، وليس إنحيازا لأيدلوجيات أو لأفكار سياسية. ويرى تانيل بورا، مؤلف ثلاثة كتب عن كرة القدم، أن مظاهرات (جيزي) "كانت نقطة تحول في تسييس ملاعب الكرة في تركيا وخلق اجواء الاستقطاب". ويوجه محللون اتهامات للحكومة بدعم قطاع من مشجعي بيشكتاش ممن تسببوا في احداث العنف بالدربي الاخير، حيث تتخذهم السلطات كأداة للتصدي للمعارضين. ونشرت بعض وسائل الاعلام صورا لمثيري الشغب خلال الدربي تبين أن منهم شباب منتمين لحزب أردوغان. ويعتقد محمد تيزكان من صحيفة (مليت) أن "احداث ملعب أتاتورك كانت مدبرة من النظام الحاكم بهدف إسكات جبهة (cArsi) الثورية من مشجعي بيشكتاش، حيث من المتوقع أن يتم اغلاق ملعب بيشكتاش لعدة أسابيع، وهو ما يعني إخراس ألسنة المعارضين لفترة طويلة". في سياق آخر يتهم صحفيون ونشطاء معارضون الشركة المسؤولة عن بث المباريات عبر شاشات التلفزيون بتبديل هتافات المشجعين الحانقين ضد الحكومة بأصوات تشجيع مسجلة من مباريات قديمة. وتعتزم الحكومة إصدار قانون بنشر عناصر الشرطة بالملاعب لتأمينها بدلا من افراد الأمن من الحراسات الخاصة، وهو ما فسرته قوى المعارضة بأنه "اجراء جديد لقمع المتظاهرين". ويظن الصحفي الرياضي سيم ديزار أن "السياسة كانت متواجدة دوما في الملاعب التركية، لكن لم يكن هناك تكتلات متحالفة ضد النظام، وأن احتجاجات حديقة (جيزي) حفزت جمهور الكرة بشكل أكبر على الاستمرار في المقاومة بحثا عن العدالة والمساواة". وأشعل مشروع حكومة رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان لتطوير ساحة تقسيم وحديقة جيزي في إسطنبول فتيل الاحتجاجات التي طالت العديد من المحافظات منذ أواخر مايو/آيار الماضي خاصة بعدما حاولت الشرطة فض اعتصام آلاف المتظاهرين في حديقة جيزي وميدان تقسيم. وأسفرت الاحتجاجات التى تصدت لها الشرطة التركية بضراوة عن مقتل ستة أشخاص وإصابة الآلاف.