يبدو أن العنوان أدهشك عزيزي القارئ .. نعم هو بالفعل كذلك، ولكن لا تفرح كثيرا، لأن من منطقة "باعبود" إلى "الشرج" يتوجب عليك دفع (70) ريالا!! هذا ما حدث لي في أحد الأيام حين أتيت مسرعا بعد أن اتصل صديق لي مسافر إلى مدينة عدن، وأخبرني بأنه على ضفاف الخور أمام "الرويشان".. إذن لابد أن ألحق به خلال دقائق وإلا سيتحرك "الرويشان" إلى عدن . ومع سرعتي امتدت يدي أمام باص "كوستر" لنقل الركاب من "فوه" إلى "الشرج".. ركبت فيه وإذا بي بجانب السائق.. استغربت كثيرا مع جلوسي، حيث شخص بجانبي يهمس بصوت خافت قائلا: "يالله سترك، هل نصل أم سيتوقف الباص".. كان كلامه في مكانه، أعتقد بأنه حكم عليه من منظره.. الباص كان عبارة عن ظرف حديد ومقاعد جافة فقط، أما الباقي فهو عبارة عن أسلاك متشعبة وكأنها بيت العنكبوت، وربما بيت العنكبوت أرحم في تنظيمه وتنسيقه.. دارت عيناي في أرجاء الباص وسقفه وإذا به لولا الركاب لكأنه بيت خرب مرت عليه أزمنة الحرب الطاحنة لداحس والغبراء . أجزم بأن هذا الباص لو كان في أي بلد آخر لن يتركوه يمشي خطوة واحدة.. باص يجب عليه أن يتعقب ويرتاح، لكن صاحبه كان له رأي آخر.. على كل حال، ابتسمتُ بعد أن رأيت منظر الباص وقرأت دعاء الركوب وتحرك بنا بعجلاته الأربع يقطع الخط الأسود وكأننا على جمل! ولو لا جو الساحل لأكدت لك بأننا في صحراء مقبلين على أهرامات مصر العظيمة.. لكننا أولا واخيرا في المكلا . في بداية الطريق كان ركاب يخرجون وآخرون يصعدون.. ولا أحد يجمع المال سوى صاحب الباص نفسه، عندما تخرج سلمه المبلغ بيده.. وكأنه يدرك بأن هناك شيء ما سيحدث.. بعد أن اجتزنا مبنى رئاسة الجامعة لم يخرج أحد من الركاب، وكأنهم أعطوا سائق الباص إشارة على أن الجميع يريد "الشرج".. سار الباص على هيئته الجملية السابقة، وخلال هذه الفترة كان الباص يترنح بالجميع بين فترة وأخرى وكأنه يشهق بطلوع الروح، ولولا أن الجميع متمسك بمقعده بشكل محكم، لوجد كل منهم نفسه في كل شهقه في مكان ليس بالمكان الذي صعد فيه . "يا لغرابة هذا الباص".. ارتفع صوت من المؤخرة، "شكله بيوقف" صوت آخر يجيب على استفسار الأول.. والسائق لم يبال بأي كلمة تخرج من أفواه الركاب، وكأنه غارق في خيال ما سيحدث لباصه.. وبينما وصلنا إلى "باعبود" وإذا بالباص يشهق شهقته الأخيرة ويتوقف.. يا الله.. تذكرت كلمة الرجل الذي كان بجانبي "سترك يارب".. سألت صاحب الباص "ايش به؟" رد علي والعرق يتصبب على جبينه: "لا أدري!!".. كررت عليه السؤال: "ربما الديزل؟" قال: لا، طيب ربما خلل في الكهرباء الخاصة به؟ أجاب أيضا بلا!! وكلما سألته سؤال أجاب عليّ بلا . في الحقيقة تملكتني حالة من الدهشة والرثاء والضحك الشديد في آن واحد، أنستني موعد صديقي، لاسيما بعد أن بدأت أصوات الركاب واحتجاجهم على هذا الحدث، وكردة فعل أعلن صاحب الباص بأن الجميع مجانا ولا يريد شيء، فرح الأغلبية في البداية.. إلا أن فرحتهم مثل فرحتك أخي القارئ تبددت مباشرة حين استوقف السائق باصاً مماثل وأشار لنا بأن نصعد فيه، فقال صاحب الباص الآخر: "اسمعوا.. ستدفعون سبعين ريال، وأنا سأتحاسب مع صاحبي".. قال رجل بجانبي ضاحكا: "فرحنا بالمجانية ويا لفرحة ما تمت !! " . عزيزي القارئ، ليس القصد من الموضوع القصة، ولكنها الباصات وحالها الذي يرثي.. أعتقد بأن الكثير منا قد جرت له حادثة مماثلة وربما أكثر، وهنا نتساءل: أين أمر الصيانة والمتابعة لمثل هذه الباصات؟ أين مراقبة المركوبات وفحص الصالح منها للعمل والغير صالح؟ ألا توجد جهة معنية بهذا الشأن لاسيما وأن مثل هذه الباصات تنقل على متنها أرواحا من البشر ؟ .. أتمنى ويتمنى كل مواطن أن يحصل على إجابات شافية كافية لتلك التساؤلات . * نقلا عن صفحة الكاتب الشخصية على الفيس بوك