كانت عدن محد قدها .. المدينة إللي كل شيء لازم يكون لها أولا, وما زاد وهو الفتات فيوزع على الخمسة الإخوة من الستة الذين يشكلون العائلة في ذلك الوقت. كنا نشوف إللي يروح عدن كأنه راح الجنة, يأتي منتشي وفرحان وراكز خشمه, لأنه جاء من عدن, وإللي ما كتب له زيارتها, تظل أغلى أمنياته أن يروح عدن, ويتمشى في شارع مدرم بالمعلا ويروح التواهي يتفسح في جولد مور وساحل أبين وكنت واحدا ممن يتمنى أن تطأ قدمه أرض عدن, وأشوف العدانية الذين يحبون الشياكة والذوق وإن كان كيسه خلى ولا فيه عانة واحد – أيام العانة والشلنق- , وعندما يأتي نادي التلال أو الوحدة أو شمسان ترى العدانية وهم يتشبحون في شوارع المكلا كأنهم خرجوا من المريخ, فهم جاؤوا من أرض النعمة والرخاء والشياكة, تسريحاتهم وتقليعاتهم بل حتى مشية البعض منهم تبدو غريبة علينا, وكنا نتشوق أن نسمع قعقعة القاف العدنية, والتي تصل إلى حد حرف الغين, كنا نفتخر بعدن رغم أننا منسيون من عدن ومهملون ومهمشون, كل شيء كان من عدن وفي عدن, التلفزيون والمسرح والملعب والسلفتة والعمارات الطويلة والفنادق والمطار والحدائق والشواطئ, وكان من أراد أن يحقق حلمه يذهب لعدن لتكون الانطلاقة نحو الشهرة والظهور, خرج شباب المكلا متوجهين صوب أرض الأحلام عدن ليغنوا ويقدموا في تلفزيونها, ويمثلوا على مسارحها, أو لينعموا بمهمة إدارية حزبية في لجنتها المركزية. دارت الدائرة لتفقد عدن الأولوية, وإذا بصنعاء تعطي عدن الكراع كما يقولون, وذاقت عدن ما ذاقته المكلا والغيضة وعتق أيام نجمة عدن الحمراء, وضاع العز والجاه والعنطزة, وأصبحنا في الهواء سواء, وغصبا عني أن أتعاطف مع عدن, وإلا أصبحت عاقا شقيا, وأن أطبل مع المطبلين لأستعيذ إرث عدن المنكوبة, لأن عدن كانت ولابد أن تظل أبد الدهر ابن العائلة المدلل, لا يحب البهدلة والتهميش والتجاهل, وعلى إخوانه الباقين أن يفكروا فيه أولا قبل أنفسهم, لأنهم من دون عدن لا قيمة لهم ولا يعرفون الوطنية أبدا, فلابد أن يلعبوا دور خادم الآلة, ومن يصلح لهذه المهمة غير المكلا والغيضة وعتق لتبقى عدن في صورة الآلهة المعظمة. أنا لست كارها لعدن ولا شامتا منها, هذا بختها جاها من ربها, ونحن كذلك, ولكن مرحلتها ولت وانقضت, وذهبت بكل ما فيها, عزيزها وذليلها, جميلها وقبيحها, وليس من المنطق والعقل أن تطلبوا مني أن أعود لمربع الخدم "خادم الآلة", لأقوم على خدمتها ورعايتها, على حساب قضيتي ومشروعي, يكفي تباكي على عدن لأنها لم تبك يوما من أجلي, ولأني أبحث عمن يتباكى معي على قضيتي وهمي وهدفي, وأقول لكم يامن تقيمون مأتما وتريدون منا أن ننوح لخاطر عيون عدن, إن عزّ حضرموت لا يأتي من جهة عدن, وليست نهضة حضرموت تبدأ من عدن, وليست حياتنا تأتي معلبة من عدن, فقد كنا سادة عظماء وعدن لازالت قفارا تنوح فيها البوم والغربان, كنا حضارة وثقافة وفكرا وعدن لم يخط القلم فيها مداده بعد, ما الذي قلب الطاولة فأصبحت عدن الأولى وحضرموت السادسة, عدن السيدة وحضرموت الخادمة, أولى لكم يا من تتباكون على عدن, أن تتباكوا على المكلا وسيئون وتريم والقطن والضليعة ودوعن وحجر ويبعث وشرق وسقطرى لأنهن أولى من عدن, وانسوا عدن فقد أخذت أكثر من حجمها, ولعدن رب يحميها.